لم يبقَ إلا شهران لحلول موعد الانتخابات التشريعية في العراق. لكن قصر المدة الفاصلة لم تمنع الحكومة من الإقدام على خطوة لا تهدّد الانتخابات فحسب، بل وجود العراق نفسه
بغداد ــ زيد الزبيدي
أصبحت الانتخابات البرلمانية العراقية قريبة، وأُغلقت أبواب الترشيح، لكنّ الغموض لا يزال يلفّ المشهد السياسي؛ ليس معروفاً حتى اللحظة من يقرّر قبول المرشحين أو رفضهم، وعلى أي معايير، بل لا أحد يعرف تفاصيل عن الكيانات السياسية المشاركة، والبالغ عددها قرابة 300، التي تضم زهاء 6500 مرشح.
وفي ظل غياب قانون للأحزاب في بلاد الرافدين، برز دور «هيئة المساءلة والعدالة»، التي حلّت محل «هيئة اجتثاث البعث»، في تقرير مصائر المرشحين والتكتلات في ما يراه البعض ورقة بيد حكام بغداد وتكتلاتهم الكبيرة.
صمتت «الهيئة» المذكورة حتى أول من أمس، حين فاجأت الجميع بقرار منع 15 تكتلاً سياسياً من خوض الانتخابات، رغم أنّ جميع المعنيين أعلنوا، منذ فترة طويلة، تحالفاتهم وأسماء مرشحيهم. الأبرز كان بالطبع قرار إقصاء «جبهة الحوار الوطني»، التي يتزعمها صالح المطلك، أحد أبرز وجوه الأحزاب العربية السُّنية، عن المنافسة. والحجة تبقى الأسهل لتبرير أي قرار في «العراق الجديد»: دعم حزب «البعث» المنحل و«الترويج للطائفية». حتى إنّ «الهيئة» استحضرت عبارة مدوّية أطلقها المطلك مرة في البرلمان حين قال إنه سيصوّت «باسم حزب البعث».
المطلك وضع القرار في خانة تهميش العرب السُّنة ويلوّح باللجوء إلى الأمم المتحدة
ولم يستغرب المراقبون الحجّة التي استُعملت، بل الشخص المستهدف، إذ إن المطلك رئيس كتلة في البرلمان الحالي (11 نائباً)، وعضو في المجلس السياسي الأعلى للأمن الوطني، وهو ما يهدّد بعودة قوية للعنف الطائفي الذي قد ينشط للرد على «تهميش مكوّن رئيسي من المكونات العراقية».
ويذكر كُثُر كيف طرح المالكي مجموعة أسماء من حزبه «الدعوة الإسلامية»، ومن المقرّبين منه لتأليف «هيئة المساءلة»، وكيف رفض البرلمان، بالتصويت، أسماء الأشخاص السبعة الذين اقترح رئيس الحكومة أن يؤلفوا الهيئة، وذلك في كانون الأول الماضي، لأنّ المالكي يحاول من خلال سيطرته على الهيئة أن «يزيح من يريد من أمامه، وأن يحول دون بقاء أي منافس جدّي في وجهه في استحقاق آذار المقبل»، وفق ما عبّر عنه عدد كبير من خصوم المالكي في حينها.
وهنا لا بدّ من التذكير بأنّ المطلك كان سيخوض الانتخابات في جبهة قوية إلى جانب رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، المرشح الدائم للعودة إلى رئاسة الوزراء، مع ترجيح تحالفهما مع نائب الرئيس طارق الهاشمي ونائب رئيس الوزراء رافع العيساوي وغيرهما.
وللردّ على قرار منعه من خوض الانتخابات، عقد المطلك مؤتمراً صحافياً وضع خلاله القرار في خانة «مساعي تهميش العرب السُّنة». وقال إنّ «القرار مخالف للقانون والدستور. سنذهب للمحاكم العراقية أولاً ونحاول معالجة الأمر من خلال محكمة التمييز. وإذا لم تخضع المحكمة للضغوط السياسية، فنحن متأكدون أننا سنكسب القرار». وتابع: «أما إذا مُورست ضغوط سياسية على المحكمة، فعندها سنلجأ إلى المحاكم الدولية والأمم المتحدة والمجتمع الدولي». ودافع عن نفسه بالقول: «إذا كان الدفاع عن وحدة العراق والحديث ضد الاحتلال الأميركي للعراق ترويجاً لأفكار البعث، فهم صادقون في هذا».
وإضافة إلى المطلك، تداولت مصادر سياسية معلومات تفيد بأنّ قرار المنع يشمل عدداً من النواب الحاليين في المجلس من العرب السُّنة. ومن الشخصيات الأخرى التي منعتها «الهيئة»، نهرو عبد الكريم الكسنزاني، الذي يرأس تجمعاً سياسياً، وهو كردي يتمتع بثقل مادي واجتماعي، ويمتلك شقيقه غاندي صحيفتي «المشرق» و«العراق» وقناة «المشرق» التلفزيونية، ومقرها عمّان. كذلك تتزعم عائلته طريقة صوفية (الكسنزانية)، وكانت مقرّبة من نائب الرئيس السابق عزت إبراهيم الدوري.