رغم «المخاوف» التي أبداها معظم المحللين (بين صحافيين وعسكريين ودبلوماسيين) في مقالاتهم خلال الأيام الأخيرة، إلا أنه، وعلى غير العادة، برزت أصوات تدعو إلى النظر بإيجابية الى الخطوة الروسية، مع الإبقاء على الحذر منها.النقاش على موقع مؤسسة «كارنيغي» بين أندرو وييس، المسؤول السابق للقضايا الروسية في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض في عهدي جورج بوش الأب وبيل كلينتون، وستيفن سايمن الذي عمل أيضاً ضمن فريق مجلس الأمن القومي في عهدي كلينتون وباراك أوباما، يصوّر جزءاً من المشهد التحليلي الأميركي حول التطورات الأخيرة.

سايمن يرى أن هناك شعوراً بـ«الرضا تجاه وجود لاعب عسكري قوي في سوريا الآن هدفه محاربة داعش جدّياً». «هو ليس الحليف الرسمي المعلن للولايات المتحدة الأميركية، لكن على الأقلّ بات لواشنطن شريك في حربها ضد داعش»، يقول سايمن عن الدور الروسي.
لكن وييس لا يشاطر سايمن «رضاه» عن الدور الروسي، بل يرى أسباباً «للقلق» أكثر منه للرضا، ويصف الخطوة الروسية الأخيرة بـ«المغامرة في منطقة كانت روسيا غائبة عنها طوال عقدين من الزمن». وييس يبدي قلقه تجاه مستقبل العمليات الروسية ومصير الداخل السوري الذي قد يتحوّل الى «أوكرانيا ثانية». لكن سايمن يردّ حول هذه النقطة بأن «السوريين سيدعمون روسيا في مواجهة داعش وضرب مواقعها، الأمر الذي امتنعت واشنطن عن فعله لأنه كان أمراً حسّاساً لسياستها».

واشنطن فشلت في وضع استراتيجية رابحة للتعامل مع «داعش»

وعن ذلك «الفشل الأميركي» تحدّث دايفد إغناتيوس في صحيفة «ذي واشنطن بوست»، إذ قال إن «بين سطور خطاب أوباما في الأمم المتحدة هناك اعتراف حزين بالفشل». إغناتيوس قرأ في ما قاله أوباما اعترافاً بأن «الولايات المتحدة فشلت في وضع استراتيجية رابحة للتعامل مع داعش، لذا ربما علينا ترك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يجرّب بنفسه». هذا يعيدنا إذاً الى خلاصتين، الأولى أن «الولايات المتحدة لا تستطيع وحدها فرض استقرار عسكري في أي بلد، وأنها في سوريا تحديداً، هي مستعدّة للتحالف مع أي كان لحلّ الأزمة، حتى مع روسيا وإيران»، يذكّر الكاتب.
الدبلوماسي السابق راين كروكر الذي خدم في معظم بلدان الشرق الأوسط، شرح أن «الروس استطاعوا الانتقال من حالة الدفاع عن النفس الى الهجوم بسبب غيابنا الكلّي» في سوريا. لكن هل ستنجح موسكو حيث فشلت واشنطن؟ «عسكرياً قد لا تحقق أكثر ممّا حققته واشنطن في سوريا والعراق، لكن حتى الآن بوتين هو الرابح في لعبة بعد النظر وفهم (الواقع)»، يردف إغناتيوس.
وفيما شككت افتتاحية «ذي نيويورك تايمز» في كلّ ما قاله الرئيس الروسي وما أعلنه وزير خارجيته ودفاعه، لجهة أهداف الحملة، وصفت الضربات الروسية بأنها «مغامرة تزيد الأمور تعقيداً في منطقة تمزّقها الفوضى أصلاً» و«تضع روسيا في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة».
«الخطوة الروسية الأخيرة هي ليست لحماية الرئيس السوري بشار الأسد بقدر ما هي للحفاظ على دور روسي قوي في منطقة شرق البحر المتوسط»، يقول كايث جونسون المحلل في مجلة «فوري بوليسي»، ويرى أن «روسيا تريد أن يكون لها كلمتها على طاولة البحث في مصير سوريا التي تعدّ موطئ قدمها الأخير في المنطقة».
من جهته، حاول توماس فريدمان جاهداً الدفاع مرّة جديدة عن قرارات أوباما وأقواله بوصف ما يقوم به بوتين في سوريا بـ«الغباء». فريدمان ردّ في مقاله في «ذي نيويورك تايمز» على الـ«كليشيه» القائل إن «روسيا تقدّمت مرة جديدة للدفاع عن الرئيس السوري وتفوّقت على الأميركيين، وأنه ليت رئيسنا (أوباما) بجرأة بوتين وذكائه وقوته»، بالقول إن بوتين سيقلّب بفعلته هذه «كل سنّي جهادي ومعتدل في المنطقة والعالم ضدّه». كذلك يرى أنه حتى «لو حصلت معجزة» وتمكّن الروس من القضاء على «داعش»، فهم «لن ينجحوا في استمالة البديل منهم من السنّة المعتدلين» الذين لا يرون في بوتين سوى حليف للأسد. فريدمان الذي استبسل في تلميع صورة الإدارة الأميركية في مقاله الأخير، لجأ الى السخرية أكثر منه الى التحليل، وأضاف أن ما يفعله الرئيس الروسي ليس سوى استعراض «كي يثبت لشعبه أن روسيا ما زالت تلعب دوراً دولياً قوياً»، وطلب الكاتب من أوباما ووزير خارجيته جون كيري أن «يتركا بوتين وحيداً مع الأسد في محاربة داعش لمدّة شهر، وأن يتفرّجا كيف سيصبح فلاديمير العدو رقم واحد لدى المسلمين السنّة». ماذا اقترح فرديمان إذاً؟ الكاتب لا يرى أيّ نجاح للخطوات الروسية في سوريا سوى «بالتعاون مع واشنطن لإيجاد حلّ سياسي... قائم على أن يجبر الروس والإيرانيون الأسد على الرحيل بعد فترة انتقالية ثم تسلّم قيادة البلد الى المعارضة السورية بوجود قوات دولية لحفظ السلام».
فيما لم يستطع رئيس فريدمان، باراك أوباما، على مدى عامين، إيجاد «معارضة معتدلة» تستطيع حماية نفسها أولاً قبل حماية البلد، ما زال الكاتب ينادي بتسليم سوريا الى «المعارضين السنّة المعتدلين» لـ«بناء سوريا ديموقراطية متعددة الطوائف»!