يعيش قطاع غزّة حالاً من الترقّب بعد المواجهات الأخيرة يوم الجمعة الماضي، ولا سيما مع التهديدات التي يطلقها المسؤولون الإسرائيليون، وما يتسرّب عن استعدادات لاستئناف سياسة الاغتيالات لقادة فصائل المقاومة
غزة ــ قيس صفدي
يرقب الفلسطينيون في قطاع غزة المحاصر للعام الرابع على التوالي بقلق ملحوظ تهديدات إسرائيلية بإعادة احتلاله وتوجيه ضربات موجعة، واستئناف الاغتيالات المركّزة لإسقاط حكم حركة «حماس»، رداً على مقتل اثنين من قوات النخبة الإسرائيلية، المعروفة باسم «جولاني»، يوم الجمعة الماضي، في اشتباكات مسلحة مع مقاومين فلسطينيين.
وحذر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن إسرائيل سترد على أي هجمات من قطاع غزة. وقال، في مستهل الاجتماع الحكومي الأسبوعي، «سياسة الرد الإسرائيلية حاسمة وحازمة. إنها توفر رداً حازماً على أي ضرر يلحق بمواطنينا وجنودنا. هذه السياسة معروفة وستستمر». ومضى يقول إن «حماس» وجماعات أخرى «يجب أن تعلم أنها مسؤولة عن تصرفاتها».
وهدَّد وزير المال الإسرائيلي يوفال شطاينتس، المقرّب من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بـ«تصفية» نظام حركة «حماس» في قطاع غزة. وقال «عاجلاً أو آجلاً، سيكون علينا تصفية نظام حماس العسكري الموالي لإيران الذي يسيطر على قطاع غزة».
وقال عضو الكنيست، رئيس «الشاباك» السابق آفي ديختر، إن «المشكلة الرئيسة التي تواجهها إسرائيل هي قضية قطاع غزة وليس قضية القدس». وأضاف إن «المشكلة الاستراتيجية تتمثل في كيفية هدم البنى التحتية الإرهابية التي تبنيها حركة حماس في قطاع غزة بإيحاء من إيران». ورأى أنه «إذا لم تتمكن السلطة الفلسطينية من القيام بذلك بمساعدة الدول العربية، فإن إسرائيل ستضطر إلى أن تفعل ذلك بنفسها»، متوقعاً أن «تستمر مثل هذه العملية فترة طويلة».
ويسود قلق أوساط قيادة جيش الاحتلال «من إمكان إقدام حركة «حماس» على تغيير قواعد اللعبة التي تسود الآن قطاع غزة». وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أمس، إن جيش الاحتلال «يخشى إمكان سعي حركة «حماس» إلى تغيير الأوضاع على طول الحدود مع قطاع غزة، وخصوصاً في مجال استهداف دوريات الجيش التي تسير في هذه المنطقة». وأضافت: «إذا تغيّرت قواعد اللعبة، فإن هذا سينطوي على أول تحدّ عسكري يواجه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو منذ تولّيه الحكم في إسرائيل».
ونقلت «هآرتس» عن مصادر استخبارية قولها إن «إسرائيل تناقش الآن إمكان إقدام حركة «حماس» على إغماض عينيها عن عمليات إطلاق الصواريخ من القطاع، وهو الأمر الذي سينطوي على تغيير في التكتيكات هناك».
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك قد قال عقب العملية إنه «لا مصلحة للجيش الإسرائيلي في إشعال الأوضاع على الحدود، ولكن إذا كان الطرف الآخر يريد إشعالها فنحن نعرف كيف ندافع عن أنفسنا».
ووجه ضباط عسكريون في قيادة ما يسمى المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال انتقادات لاذعة للسياسة التي تتبعها وزارة الدفاع، والتي تمنع بموجبها الجيش من الرد بشدة على مقتل الجنديين في غزة.
وقال المسؤول عن المدفعية في قيادة المنطقة الجنوبية العميد تسفيكا فوقل «نحن نمر بمرحلة تصعيد منذ فترة طويلة، وغزة في البداية كانت تحت صدمة عملية الرصاص المصهور، ثم عاشت أجواء مفاوضات صفقة (الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد) شاليط، ولكن لأن الوضع الآن في غزة لا رؤية واضحة بشأنه، باتوا هناك يعملون أكثر ضدنا ويجب أن يتوقف ذلك». وأوضح أن «ضرباتنا للأنفاق ومخازن السلاح لن توقف النشاط الإرهابي، لذلك يجب العودة إلى الاغتيالات الدقيقة، وما يجري سيتوقف فقط عندما نمسّ نشطاء التنظيمات الإرهابية وهم يستقلون سياراتهم».
وتشير تقديرات نقلتها صحيفة «معاريف» الإسرائيلية عن ضباط في جيش الاحتلال إلى أن «عدداً كبيراً من قيادات فصائل فلسطينية اختفوا عقب العملية، تخوّفاً من ردّ الجيش مباشرة على هذه العملية. ولكن هذه القيادات ستعتقد مع مرور الأيام أن الأمر سيمر وتعود إلى ممارسة نشاطها، لذلك يجب على الجيش أن يضع الخطط التي تحدد أهدافاً واضحة ومهمة لضربها، ومن ضمنها الاغتيالات».
ورأت حركة «حماس» في التهديدات الإسرائيلية بإعادة احتلال قطاع غزة أنها «تعكس النيّات الإجرامية للحكومة الإسرائيلية وتؤكد استمرارها في ممارسة إرهاب الدولة الذي يستهدف الشعب الفلسطيني». وتعهدت كتائب «عز الدين القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، بالتصدّي لما وصفته أي «حماقة» إسرائيلية في حق القطاع. ورأى المتحدث باسم كتائب القسام «أبو عبيدة» أن التهديدات بإعادة احتلال القطاع «محاولة للهروب من الصدمة التي مُنِي بها الاحتلال بعد مقتل جنوده، ومن أجل رفع معنويات الجنود الصهاينة».
ميدانياً، قالت مصادر فلسطينية إن قوات الاحتلال تساندها دبابات وآليات عسكرية توغلت أمس في الأطراف الشرقية لبلدة عبسان شرق خان يونس جنوب القطاع، التي شهدت مقتل الجنديين.
وقال سكان في المنطقة إن قوات الاحتلال انسحبت من المنطقة بعد ساعات من التوغل، مخلّفة وراءها دماراً واسعاً في الممتلكات والأراضي الزراعية.
إلى ذلك، أعلن مصدر طبّي فلسطيني العثور على جثة مقاوم استشهد الجمعة خلال الاشتباك مع قوات الاحتلال. وقال الطبيب معاوية حسنين إنه «عُثر على جثة الشاب سلمان عرفات (27 عاماً) التي كانت مدفونة في التراب»، مضيفاً «وجدت آثار شظايا وإطلاق النار في جميع أنحاء جسده».
وكان شقيقه هيثم قد استشهد في الاشتباك نفسه، وعُثر على جثته الجمعة.