ما من شارع أو مخيم من جنوب القطاع إلى شماله، إلا كُتبت على جدرانه «خليل شعث عالم ذرة»، تلك العبارة المحيرة التي قد لا يعرف قصتها كثيرون، أمست محل تأويل و«خراريف» لسر عالم الذرة المهووس باسمه
غزة ـــ أسماء شاكر
يُقال إنه عالم ذرة بحق، لكن أصابه جنون، ويقال إنه مريض نفسياً منذ كان طفلاً، ويقال أيضاً إنه اعتقل في السجون الإسرائيلية ليخرج ممسوساً بجن الذرة تلك، لكنه يبقى المجنون الأكثر شهرة في قطاع غزة. أما خليل شعث نفسه، فيبلغ من العمر 54 عاماً، متزوج ولديه 4 أولاد وابنة، ترك دراسته في سن مبكرة، وهو موظف في بلدية خان يونس عامل نظافة، غير أن مرتّبه يضيع في شراء مواد الكتابة كالبخاخات الملونة، ليثبت على الجدران أنه «عالم ذرة» وأنّه يمتلك «21 مستوطنة». عباراته هذه منتشرة في كل مكان، ابتداءً من شمال القطاع إلى رفح، وحتى منطقة العريش في مصر أيضاً، وهو ما اكتشفه الغزيون عندما سقط السور الحدودي بين رفح ومصر.
أما قصة «جنونه» فلها روايات مختلفة. يُقال إنه اعتقل في السجون الإسرائيلية عام 1991، حيث ضُرب وعُذّب، ما أدى إلى إصابته بمشكلة عقلية، ليعتقد بعد ذلك أنه خبير نووي. ويشير البعض إلى أنه أوشك أن يصبح عالماً، لكن «كثرة العلم» أصابت عقله. كما يُقال إنه كان شخصاً عادياً لكن أحدهم احتال عليه بمبلغ كبير من المال، ففقد صوابه. غير أن أسرته تؤكد أنه أصيب عام 1989 برصاص قوات الاحتلال، في أحد الاجتياحات، واستشهد آخرون أمام عينيه، ما أدّى إلى إصابته بصدمة عصبية شديدة. ومذاك وخليل شعث يتحدث عن القنابل النووية والصواريخ.
الرجل غير مقتنع بأن له زوجة وأولاداً. غير أن حياة العائلة لم تتأثر اجتماعياً بما حدث له، فابنته وأولاده تزوجوا وكوّنوا أسرهم الخاصة، وقد اعتادوا وضعه الذي أمسى طبيعياً بالنسبة إليهم. فهم يمارسون حياتهم العادية، وخاصة بعدما حاولوا مراراً علاجه، دون تحسن يُذكر.
خليل شعث «عالم الذرة»، لا يؤذي من حوله، فهو يحكي لهم عن آرائه السياسية وطموحاته في ما يتعلق بتطوير الأسلحة النووية. معتقداً أنه يمتلك مفاعلاً ورؤوساً نووية، يهدد بضربها على أميركا وإسرائيل، كما أنه يرى أن كل أراضي قطاع غزة ملكه. وبالأخص أراضي المستوطنات التي أخلاها الاحتلال، لكن «إسماعيل هنية» أخذها منه كما يقول، فهو «أغنى شخص في قطاع غزة» كما يكتب.
وبالطبع صوّر «أبناء الحلال» مقابلة مع خليل، وأرسلوها ليوتيوب. في إحدى مقاطع الفيديو المصورة تلك يعلق: «بعد ما حررتْ غزة، ليش بيتقاتل الفلسطيني مع أخوه، على الكرسي؟ أنا كل غزة ملكي وعالم ذرة كمان وما عندي كرسي»، مشيراً إلى أنه سيرشح نفسه للانتخابات بدلاً من الرئيس محمود عباس، وإذا صار رئيس فلسطين فسيفتح المعابر، وسيسافر ليكمل أبحاثه في ألمانيا ومن ثم سيزور روسيا، كما يفكر بأن يتزوج وزيرة الخارجية الأميركية سابقاً كوندوليزا رايس، إضافة إلى أنه سيساعد القطاع غزة مادياً من عائدات صنعه القنابل النووية، أما وزراؤه فاختارهم من بين زملائه في عمله بالبلدية، ومن مجانين آخرين على علاقة بهم، إضافة إلى معرفته بالرؤساء العرب، فمعمر القذافي مثلاً صديقه، وقد كانت علاقته بحسني مبارك ممتازة، لكنها ساءت بعدما منعه من السفر عبر معبر رفح.
أما شهرة خليل وتميزه عن باقي مجانين غزة، فيعودان إلى كتاباته العنيدة، وامتلاكه مكبر صوت يتحدث به في الأسواق والتجمعات الشعبية. هكذا فإن المجانين وحدهم في غزة يعبّرون عن آرائهم بمطلق الحرية، وربما يستفيد البعض من جنونهم، فيضعون أسئلتهم الممنوعة على لسانهم!


جدران المخيمات

مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة ثمانية، تأتي بالترتيب من الشمال إلى الجنوب: مخيم جباليا، مخيم الشاطئ، مخيم النصيرات، المغازي، البريج، دير البلح، خان يونس، ومخيم رفح. القاسم المشترك بينها هو الكتابة على الجدران. فهذا النوع من الكتابة طريقة سهلة ومجانية للتعبير إضافة إلى أنها تعصى على الرقابة، ربما كان ذلك خلف انتشارها في مخيمات الشتات أيضاً. لا بل إن الشهيرة «الكتيبة خمسة» من مخيم برج البراجنة في لبنان، ذاع صيتها بداية بسبب الغرافيتي.