خاص بالموقع - تربى وائل كواملة على أيدي أبويه الفلسطينيين خارج الأسوار القديمة للقدس مباشرة غير أن ّابناءه لم يزوروا تلك المدينة قط. ولا يستطيعون الحصول على تصريح اسرائيلي ليعيشوا في المكان الذي يصفه والدهم بأنّه منزله.واليوم يعيش كواملة خلف جدار ينتمي للقرن الحادي والعشرين يحيط بالطرف الشرقي للقدس. ومن الناحية الفنية يقع منزله داخل حدود المدينة كما رسمتها اسرائيل لكنّه وراء «الحاجز الأمني» الذي أقامته بهدف معلن هو إبعاد المهاجمين الانتحاريين.
وعلى الرغم من أنّه يعاني من البطالة فإنّه اضطر لرفض فرص عمل لأنّ التحرك عبر نقاط التفتيش في الجدار يمكن أن يستغرق ساعات. وهو لا يستطيع العودة الى مسقط رأسه لأنه يحمل تصريحاً صادراً من اسرائيل يسمح له بدخول المدينة لكن ابناءه الأربعة الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و24 عاماً لا يحملون هذا التصريح. وعلى غرار كثيرين فإنّهم محاصرون في شبكة البيروقراطية الخاصة «ببطاقة هوية القدس».
والعقبات التي وضعت بين كواملة وعائلته والمدينة التي نشأ فيها دفعته الى استنتاج بسيط عن الإسرائيليين هو «إنّهم يحاولون إبعادنا عن القدس».
في حزيران تحل الذكرى 42 لاحتلال اسرائيل للقدس ولا تزال المدينة في قلب صراع الشرق الأوسط. بالنسبة للإسرائيليين هي عاصمتهم « الأبدية غير القابلة للتقسيم».
وبالنسبة للفلسطينيين لا يمكن إبرام اتفاق للسلام ما لم تتنازل لهم اسرائيل عن السيطرة عن جزء على الأقل من المدينة التي هي رمز لكفاحهم الوطني ويوجد بها المسجد الأقصى.
كان الاستيلاء العسكري الإسرائيلي للقدس من الأردن عام 1967 بالنسبة للفلسطينيين مجرد البداية لحملة يعتقدون أنّها لا تزال تستهدف طردهم وتعميق سيطرة إسرائيل وتحويل أي اتفاق للسلام قائم على حل الدولتين يتم بموجبه تقسيم المدينة الى مستحيل.
وأصبح بناء مستوطنات يهودية حول المدينة، وهي السياسة التي انتهجتها حكومات اسرائيلية متعاقبة،محور خلاف الآن بين اسرائيل وحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة التي تقول إنّ هذه السياسة تعرض أحدث محاولاتها لدفع عملية السلام للخطر.
وفيما تبني اسرائيل في القدس وتشجع اليهود الأجانب على الاستقرار هناك يقول الفلسطينيون إنّها تدفعهم الى الخروج منها. ويقول قادتهم إنّ اسرائيل تبذل جهداً اكبر من أي وقت مضى «لتهويد» المدينة.
ويشكو الفلسطينيون الذين تلاحقهم أوامر الطرد والهدم من السلطات الإسرائيلية، من قيود تتصل بالتخطيط تجعل من شبه المستحيل البناء بشكل قانوني ومن قوانين الإقامة التي يرى محامون أنّها تعاملهم كالأجانب في مدينتهم.
لكن نائبة رئيس بلدية المدينة ناعومي تسور تقول إنّ المزاعم بأنّ الفلسطينيين يطردون «هراء مطلق». وقالت «نرى بالأرقام أنّ سكان القدس الفلسطينيين نموا بسرعة اكبر من سكانها اليهود».
غير أنّه لكثير من الفلسطينيين الذين يمثلون واحداً من بين كلّ ثلاثة من سكان القدس البالغ عددهم 750 الف نسمة يعد الاحتفاظ ببطاقة الهوية الإسرائيلية التي تسمح لهم بالإقامة في المدينة صراعاً يهيمن على حياتهم.
وتقول جماعة هاموكد وهي جماعة اسرائيلية للدفاع عن حقوق الانسان مستشهدة ببيانات من وزارة الداخلية إنّ اسرائيل ألغت 4577 من بطاقات الهوية الخاصة بالإقامة في القدس عام 2008 مما سرع من هذا التحرك بشدة. وقالت ليورا بيخور من جماعة هاموكد «هذا اكثر من 35 في المئة من المجمل منذ عام 1967». وأضافت بيخور وهي محامية «نرى هذه الزيادات الكبيرة في الأعداد كجهود للنفي الجماعي وتمييع سكان القدس الشرقية لتكون الأغلبية يهودية».
وقالت فلسطينية فقدت بطاقة هوية القدس الخاصة بها عام 2008 إنّ المسؤولين الإسرائيليين ذكروا أنّ السبب في حرمانها منها هو زواجها من فلسطيني حصل على الجنسية الأمريكية وخسر بطاقة هوية القدس الخاصة به بذريعة أنّها «قررت السعي الى الإقامة في دولة أجنبية».
وأضافت الفلسطينية التي طلبت عدم نشر اسمها خشية الإضرار بالطعن الذي قدمته «خسرت حقوق إقامتي في بلادي».
وهي مقيمة الآن في الولايات المتحدة ولا يسمح لها سوى بزيارات قصيرة للقدس حيث عاشت أسرتها لقرون وتقول «نحن شعب الأرض نطرد».
ولا يشكو الجميع نفس الشكوى. شانا ليبسكي يهودية. انتقلت من شيكاغو قبل عامين وحصلت على جواز سفر اسرائيلي بسرعة. وتقول ليبسكي (29 عاماً) وهي ام لطفلين «حدث هذا بسرعة شديدة. أسرع كثيراً مما يحدث في الولايات المتحدة». وتعيش اسرتها الآن في نفيه يعقوب. وتعتبرها اسرائيل جزءاً من بلدية القدس لكن حلفاء اسرائيل الغربيين ينظرون اليها كأرض محتلة في الضفة الغربية تم ضمها بشكل غير قانوني بعد عام 1967.
واستفادت عائلة ليبسكي من سياسة اسرائيل التي تنطوي على الترحيب بكلّ اليهود في البلاد التي أنشئت عام 1948 في فلسطين التي كان يحكمها البريطانيون فيما سبق وكان جزء من السبب في قدومها هو الهروب من المادية الأمريكية والتمتع بنمط الحياة الديني الذي يريدون أن يعيشوه في موطن اليهود التوراتي.
وفي حين تقدم اسرائيل جوازات سفر وإعفاءات ضريبية للمهاجرين اليهود الجدد فإنّ عائلة ليبسكي حصلت ايضاً على مساعدة من مسيحيين أمريكيين يؤمنون بأنّ نهاية العالم وظهور المسيح (المخلص المنتظر عند اليهود) سيتمان بشكل أسرع حين يعيش كل يهود العالم بالقدس. ولا يعتري أفراد عائلة ليبسكي أي شك في حقهم في الوجود هناك.
وقال نوخ زوج شانا «حين تقاتل وتفوز بأرض تصبح ملكك». وأضاف « لنا حق فيها أقوى من أي أحد» مشيراً الى الصلات التوراتية التي تربط اليهود بالقدس.
ورفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو انتقادات أمريكية هذا الأسبوع قائلاً في واشنطن «الشعب اليهودي كان يبني القدس قبل ثلاثة آلاف عام والشعب اليهودي يبني القدس اليوم، «القدس ليست مستوطنة».
لكن حلفاء اسرائيل ينظرون الى المسألة بشكل مختلف. وتشكل المستوطنات حزاماًً يفصل الأحياء العربية للقدس الشرقية عن الضفة الغربية. ويطوقها بدورها الجدار الفاصل بالضفة الغربية الذي أنشيء في الأعوام الأخيرة بهدف معلن هو إبعاد الانتحاريين. وعزل الجدار ايضاً عشرات الآلاف من سكان القدس العرب عن مركز المدينة.
وتقول منظمة «إير عميم» وهي منظمة اسرائيلية تهدف الى قدس «اكثر قابلية للحياة واكثر عدالة» إنّ 50 الف منزل جديد للمستوطنين في القدس الشرقية والمناطق التي تم ضمها من الضفة الغربية تمر بمرحلة التخطيط والموافقة.
وأضافت أن هذه الإنشاءات «ستأخذ جزءاً كبيراً من آخر ما تبقى من عقارات في الأحياء الفلسطينية».
وفي حين قادت الحكومة الإسرائيلية مشروع التوسع الاستيطاني حول القدس فإنّ الفلسطينيين يقولون إنّهم اضطروا للبناء بشكل قانوني لإيواء أسرهم التي تتزايد أعدادها.
ويقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية أنّ نحو 60 الف فلسطيني معرضون لخطر هدم منازلهم في القدس للبناء بدون ترخيص.
وتقول تسور نائبة رئيس البلدية إنّ تطوير القدس الشرقية كان مهملاً. وأضافت «كان هذا لأنّ الجميع بأشكال مختلفة كانوا يحبسون أنفاسهم وينتظرون قراراً من نوع ما عن الوضع النهائي للمدينة» مضيفة أنّه تم السماح ببناء آلاف المنازل الجديدة في إطار خطط جديدة.
لكن التخطيط البلدي قضية مثيرة للجدل في المدينة التي لا يعترف ثلث سكانها بسيادة اسرائيل.
وقال عدنان الحسيني رئيس بلدية المدينة المعيّن من قبل السلطة الفلسطينية إنّ اسرائيل ليس لها حق في إعداد خطط كهذه.
وأضاف أنّها بلدية احتلال مشيراً الى أن هناك معركة ضد الأرض ومعركة ضد الناس وقال إنّ الإسرائيليين لا يريدون الناس على هذه الأرض.
(رويترز)