العقيد معمّر القذافي ملك الاستعراضات من دون منازع، ثيابه وتسريحة شعره وطريقته بالكلام وأفكاره، معطيات تجعل الأنظار مسلطة اليوم على مسرح القمّة في سرت لمشاهدة أحدث عروض الزعيم الليبي
ربى أبو عمو
يكفي أن تضع اسم الزعيم الليبي معمر القذافي على محرك البحث، حتى تنهال مجموعة من الصفات لم يُعرف غيره بها من قبل. اخترعها لنفسه فأصبحت ملكه وحده ولا تخص أي زعيم عربي آخر. هو رجلٌ غريب الأطوار. قد يكون مجنوناً، مزاجيّاً، مراهقاً في تصرفاته وشكله الخارجي. ثيابه مزركشة بخرائط القارات. شعره يبدو متروكاً على سجيته، من دون أي اكتراث إلى معايير الأناقة الدبلوماسية. مفكر ومؤلف كتب وصانع سيارات «الصاروخ». عرف بحركاته العنجهية، التي افتتحها في عام 1970 خلال إطلالة تلفزيونية، حين وضع رجله أمام الكاميرا لساعات طوال.
يدخل إلى القمم العربية متأخراً. يخرج منها حين يشاء. قد يذهب إلى خيمته ليبدل ثيابه. كأنه نجم. يقاطع زملاءه الرؤساء. يصرخ. يعيش في زمن ألف ليلة وليلة. فخيمته الفاخرة التي تصنع في ألمانيا، كما يُقال، هي رفيقة زياراته الرسمية. تلحقها جميع حاشيته، حتى الجمال. تحرسه النساء. فهو يرى فيهن ميزات خاصة غير متوافرة لدى الرجال. تنقصهن فقط المروحة المصنوعة من الريش، حتى لا يشعر زعيمهم بالحرّ.
جلس القذافي على طاولة علماء النفس. قالوا عنه الكثير. في شخصيته نقص ما يسعى إلى التعويض عنه. يحاول أن يكون من خلال نظارته السوداء خليفة «باتمان». يعاني احتقاراً لذاته ويسكنه خوف داخلي يحاول إخفاءه خلف تلك النظارة. فكان جزء من هذا التعويض من خلال الألقاب. إنه ملك ملوك أفريقيا. رئيس. زعيم. الأخ قائد الثورة. عميد الحكام العرب. أمين القومية العربية. رئيس الاتحاد الأفريقي. رئيس تجمع دول الساحل والصحراء. وأخيراً إمام المسلمين، اللقب الذي أطلقه على نفسه خلال القمة العربية التي عقدت في الدوحة العام الماضي.
ورغم هذه الألقاب التي أطلق غالبيتها على نفسه، فاجأ الجميع بتواضعه غير المنطقي حين سأله صحافي في محطة «أس بي أس» الأوسترالية عمّا يريد أن يُكتب على قبره عند موته، فرد «عاش ومات من دون أن يفعل شيئاً لنفسه»!
في إحدى المرات، ثار في وجه إحدى الصحافيات عندما نادته بالأخ العقيد. قال لها‏:‏ «اسمعي أنا مش عقيد، أنا قائد ثورة. والعسكرية العربية أصبحت عاراً»‏.‏ واستشاط غضباً مرة أخرى حين دعاه أحد الصحافيين بالسيد الرئيس، فصرخ قائلاً إن «الشعب الليبي هو الذي يحكم. إنكم تجهلون نظام سلطة الشعب‏، ولازم تفهموا السلطة الشعبية».
وسُئل خلال أحد المؤتمرات الصحافية عن سبب التدخين داخل القاعة أثناء جلسات القمة، فأجاب مستخدماً اللهجة المصرية: «من القرف».‏ فالعرب برأيه هم «ناس زي الزفت».
كَسَر القذافي مقاطعته للقمم العربية، التي استمرت ست سنوات، في عام 1996. وبينما كان الجميع يترقب وصول القذافي إلى مصر عبر الطريق البري، فوجئ القادة العرب بطائرة الزعيم الليبي وهي تهبط في مطار القاهرة، مخترقاً بذلك الحظر الجوي الذي فرضته الأمم المتحدة علي ليبيا لاتهامها بتفجير طائرة أميركية فوق لوكربي.
وإلى قمة عمان الثالثة والعشرين في عام ‏2001‏، أعلن القذافي فكرته لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من طريق قيام دولة إسراطين.
وفي السياسة أيضاً، تطرق في وقت لاحق إلى مشكلة أفغانستان. قال إن «حلها بسيط جداً. الجيوش المحتلة ترحل عنها ويتركون الأفغان الطالبان يقيمون دولة لهم على غرار دولة الفاتيكان».
في قمة الدوحة العام الماضي، قاطع كلمة أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، ليبدو أنه يهاجم الملك السعودي عبد الله، حين خاطبه قائلاً: «ست سنوات وأنت هارب وخائف من المواجهة»، لينقطع صوت نقل وقائع القمة. قبل أن يظهر أنه أراد الصلحة.
‏‏ولدى وصوله إلى نيجيريا للمشاركة في القمة الأفريقية اللاتينية، رافق القذافي أكثر من 200 حارس ليبي مدجج بالسلاح. رفضت السلطات الأمنية السماح لهم بالاحتفاظ بالأسلحة، ما أثار غضب الزعيم الليبي. ولم يوافق حراس القذافي على تسليم أسلحتهم إلا بعد تدخل الرئيس النيجيري أولوسيغون أوباسانجو شخصياً.
طلب أن يُكتب على قبره: عاش ومات من دون أن يفعل شيئاً لنفسه
وإلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، سبب الخطاب الطويل الذي ألقاه ملك ملوك أفريقيا انهيار المترجم من شدة التعب. فقد تمكن من نقل 75 دقيقة من خطاب القذافي الطويل المليء بالتكرار، لكنه في النهاية ألقى السماعتين قائلاً: «لم أعد قادراً على الاستمرار».
يشبه قطاً عجوزاً يلعب مع فأر مذعور. هكذا وصفته مجلة «الأبدو» السويسرية فى مقال بعنوان «القذافي... الرجل الذى يريد تدمير سويسرا». هو الذي طالب المسلمين والدول الإسلامية بإعلان الجهاد على سويسرا لأنها دولة فاسدة كافرة تحارب الإسلام وتهدم مآذن الجوامع. وقد طالب الأمم المتحدة منذ أشهر بإلغاء دولة سويسرا من خريطة العالم وتوزيع أراضيها على الدول المجاورة، انتقاماً من السلطات السويسرية التي عاقبت ابنه بالسجن أثناء وجوده على أراضيها.
ولمن لا يعلم، يدعي القذافي ارتباطه بقرابة دم مع النبي محمد، مستشهداً بشهادة نسب إلى آل البيت يقول إنه يمتلكها. وبحكم القرابة التي حولته إلى داعية إسلامي، أعلنت وكالة الأنباء الليبية الرسمية أن «العشرات من ملوك أفريقيا تهافتوا على القذافي ليعلنوا إسلامهم أمامه». وأكثر من ذلك، جمع «الزعيم» بين الدين والجمال. فخلال زيارته إيطاليا العام الماضي، طلب من أحد المتعهدين الالتقاء بستمئة فتاة إيطالية، شرط ألّا يزيد عمر الواحدة منهن على 35 سنة، ولا يقل طولها عن 170 سنتيمتراً. قال للفتيات: «إن الله مسلم ويدين بالإسلام. لذلك، من الواجب عليهن اعتناق الإسلام لضمان دخولهن إلى الجنة». وأعطى كل فتاة خمسين دولاراً وكتاب قرآن مترجماً إلى اللغة الإيطالية.
وكان لا بد لهذه الشخصية الغريبة أن تجسد على المسرح. في دار الأوبرا الإنكليزية، ارتدى مجسد شخصه زيه العسكري ونظارته الداكنة، وكان يردد شعارات «أيتها النساء حررن أنفسكن من الأئمة. الأسلحة هي الجمال، بامتلاكها تكنّ ملائكة النقاء الثوري».
وفي شرحه لسبب اختيار القذافي، قال المنتج ستيف تشاندرا: «لطالما قرأنا عنه في الصحف أنه يبدو كشيطان أو كلب مسعور. لكننا رأينا أخيراً كيف تحولت تلك الرحلة من الشيطنة إلى الإصلاح».


مفاجآت «قائد الثورة»

لا يمكن أحداً التنبؤ بما يمكن العقيد معمر القذافي القيام به خلال رئاسته لاجتماعات القمّة العربية في سرت اليوم. أول ما يمكن تصوّره هو احتكاره لمنبر الكلام، كما فعل خلال قمة الأمم المتحدة في أيلول الماضي. ويتوقع كثيرون أن يفجّر القذافي غضبه على مستوى الحضور الرئاسي في القمة، ولا يستبعدون أن يقدم على طرد كل من هم دون مستوى الرئاسة من الاجتماع المغلق للقادة العرب، على اعتبار أن هذا الاجتماع مخصّص للزعماء فقط.
ومن الممكن رسم سيناريوات لما يمكن القذافي أن يعلنه في أثناء خطابه الافتتاحي، ورد الفعل عليه. فماذا لو أعلن العقيد على سبيل المثال «قيام الوحدة العربية» بأسلوبه الاستعراضي المعهود؟ أما السيناريو الأسوأ فهو تطبيق القذافي لمقترحاته التي قدّمها في عام 2009، حين دعا إلى حل الجامعة العربية. فمن الممكن أن يفاجئ الجميع بإعلان حلّ الجامعة وتسريح جميع موظفيها، وفي مقدمتهم أمينها العام عمرو موسى.