«فتح» و«حماس» على منصّة «Doha Debates»الدوحة ــ حسام كنفاني
لم تكن منصة «doha debates» مناظرة بكل ما للكلمة من معنى بين قياديين من «فتح» و«حماس». كانت أشبه بندوة مفتوحة لأسئلة الجماهير، تخللتها بعض الحماوة بين الضيوف الذين استضافتهم مؤسسة قطر «Qatar foundation».
كل من الضيوف الأربعة، الموزعين بالتساوي بين «فتح» و«حماس»، حرص على الإضاءة على نقطة معينة في مداخلة افتتاحية كانت محصورة بدقيقتين، وفق طلب مدير مناظرات الدوحة، الإعلامي البريطاني تيم سيباستيان.
القيادي الفتحاوي نبيل شعث افتتح المناظرة، التي جرت باللغة الإنكليزية، بمداخلة طوباوية عن مخاطر الانقسام على الشعب الفلسطيني، من دون أن ينسى التلميح إلى «طرف ثالث» يلعب في الداخل الفلسطيني، لكنه استدرك بأن الحق هو على الفلسطينيين أنفسهم، لو سمحوا لأنفسهم بأن يكونوا «وكلاء لأميركا وإيران»، مستثنياً القاهرة من أي دور باستثناء «الجهد الكبير الذي قامت به لتقديم الورقة المصرية»، التي شدد على ضرورة توقيعها قبل القمّة العربية، لأن «الوحدة ضرورية للاستقلال».
القيادي في «حماس»، محمد نزال، الذي كان ثاني المتحدثين، رمى الكرة في الملعب الأميركي والإسرائيلي والمصري، مشيراً إلى سببين حالا دون إتمام المصالحة إلى اليوم، الأول هو التدخّل الأميركي والإسرائيلي. والثاني هو الضغط الأميركي الذي جعل القاهرة تصر على توقيع اتفاق نهائي من دون أخذ تحفظات «حماس» بعين الاعتبار. نزال أضاف عبارة تشير إلى عودة الأمور إلى ما قبل الورقة المصرية، حين أشار إلى أن «الحل الوحيد للمستقبل هو الجلوس والحوار من دون شروط». وكانت جهورية صوت نزال لافتة في القاعة، إذ كان يوحي بالحدة، ولا سيما بعدما حاول سباستيان استفزازه بالإشارة إلى الدور الإيراني والسوري أيضاً. فأصرّ على أن لا تدخل إيرانياًَ أو سورياً في قرارات «حماس»، مؤكّداً أن هذه «بروباغندا» تحاول «فتح» تسويقها، وتضيف قطر إلى الدولتين.
أما القيادي في «فتح» عبد الله عبد الله، فوضع نصب عينيه التركيز على «ضيق الفجوة» بين «حماس» و«فتح». ضيق الفجوة لم يحدث عبر الاتصالات أو الحوارات، بل بفضل التبديلات التي اعترت سياسة حركة «حماس». تبديلات، رأى عبد الله أنها قادت إلى اعتراف «حماس» باتفاق أوسلو بشكل غير مباشر، مشيراً إلى ارتكاز الحركة إلى الاتفاق في التقرير الذي قدمته رداً على غولدستون.
من على المنصة، لم يحدد عبد الله كيف كان الارتكاز، لكنه في لقاء مع «الأخبار» أوضح أن الحركة ذكرت اتفاق أوسلو مرتين في ردها على غولدستون، المرة الأولى حين شددت على ما يذكره الاتفاق من احترام للنواب المنتخبين في المجلس التشريعي، في إشارة إلى اغتيال النائب سعيد صيام. والمرة الثانية في الحدود البحرية الواردة في الاتفاقية.
تسجيل النقاط استمر من على المنصة، عندما تطرق عبد الله إلى منع «حماس» لإطلاق الصواريخ باعتبارها «تهديداً للمصلحة الوطنية»، مستنداً إلى تصريح للقيادي في «حماس» محمود الزهار، وإلى ورقة رفعها على المنبر وناولها إلى الضيف الرابع في المناظرة، القيادي في «حماس» أسامة حمدان.
الورقة، التي اطّلعت عليها «الأخبار»، عبارة عن صورة عن مرسوم صادر من «قائد الشرطة» أبو عبيدة الجراح إلى الفروع لملاحقة مطلقي الصواريخ ومحاسبتهم، من دون ورود اسم غزة فيها. عبد الله قال لـ«الأخبار» إن ممارسات «حماس» في ما يخص إطلاق الصواريخ والمقاومة المسلحة باتت قريبة مما توصلت إليه «فتح» لجهة «الكلفة العالية للمقاومة المسلّحة»، مشيراً إلى أن الحركة الإسلاميّة تتعلّم من «التجربة».
حمدان، الذي كان أبرز المتحدثين في المناظرة وأقدرهم على طرح وجهات النظر، سفّه ورقة عبد الله، على اعتبار أن «أي طالب ابتدائي قادر على تزويرها». ونسفها حين أشار إلى أنه لا وجود لمخابرات عامة في غزة، وهي العبارة التي كانت واردة في الورقة.
ووضع حمدان، في مداخلته، الإصبع على «الجرح الحقيقي» للانقسام الفلسطيني، حين أشار إلى أن الانقسام سياسي بالدرجة الأولى حول كيفية التعامل مع إسرائيل وتحرير الأرض. النقطة التي أثارها حمدان أوضحت أن القضية أعقد من ملاحظات على «الورقة المصريّة». حتى إنه في حديث إلى «الأخبار» استبعد أن تؤدي أي مصالحة بين مصر وسوريا إلى مصالحة فلسطينية، مشيراً إلى أنها قد تسهّل، لكنها لن تكون حاسمة.
أسئلة الطلاب الحاضرين ركّزت على مسألة المقاومة، وبدا واضحاً التعاطف مع «حماس» من قبل الجمهور الحاضر، وهو ما أثار حفيظة ممثلي حركة «فتح». حتى إن شعث دعا الطلاب إلى الموضوعيّة. الأسئلة حول المقاومة دفعت عبد الله عبد الله إلى موقف جديد على «فتح»، حين أشار إلى التركيز على المقاومة الشعبيّة والمسلحة «في الوقت المناسب». موقف ردّ عليه حمدان بمثال أثار تصفيقاً حاراً في القاعة عندما أشار إلى اجتياح قوات الاحتلال لرام الله قبل أيام واعتقال مسؤولين، بينما لم يستطع ذلك في غزة عام 2009. السجال قاد «فتح» إلى رفض «المقاومة لمئة سنة»، فأعطى حمدان مثالاً آخر عن المقاومة الجزائرية التي قاتلت لـ132 سنة قبل تحقيق الاستقلال، لكن شعث أكد أن المقاومة لم تكن مستمرة طوال تلك
الفترة.
استفتاء الحاضرين في نهاية المناظرة أثار الضيوف جميعاً، ولا سيما أن السؤال كان مبهماً، إذ نص على «هل تثق بالقيادات الفلسطينية الحالية؟»، جامعاً بين نهجين في سلّة واحدة. فجاءت النتيجة كاسحة لجهة عدم الثقة 89 في المئة، وهو ما رد عليه شعث بجملة عربية «كما تكونون يولّى عليكم».
(تعرض المناظرة على قناة «بي بي سي وورلد» يوم السبت الساعة 11.10 صباحاً، وتعاد الساعة 12.10 بعد منتصف الليل)


انفجارحتى إن أحد المرافقين تفحّص منصة الضيوف بدقة، ولا سيما الكراسي التي كان من المقرّر أن يجلس عليها ممثلو «حماس» و«فتح».
غير أن الإجراءات الأمنية هذه لم تمنع وقوع حادث عرضي، أثار بعض الذعر لدى الحاضرين والمرافقين على حد سواء، حين دوى صوت انفجار في القاعة، تبيّن أنه ناجم عن انفجار أحد مصابيح الإضاءة الأساسية، ما أدى إلى تأخير المناظرة بضع دقائق.
«الانفجار» أثار بعض التعليقات الساخرة، ولا سيما حول تخيّل رد فعل الضيوف والحرّاس الأمنيين لو أنه وقع في أثناء وجود القياديين على المنصّة.