البشارة جاءت من ألمانيا: الرئيس مبارك سيتكلم عبر الهاتف قريباً جداً. ردّ رسمي مقتضب لم يستطع الإجابة عن أسئلة كثيرة تدور حول عدم ظهور صورة للرئيس بعد نجاح عملية استئصال الحوصلة المرارية قبل اثني عشر يوماً
وائل عبد الفتاح
المصادر الرسمية للأخبار اكتفت بإشارات مقتضبة من الفريق الطبي في مسشتفي «هايدلبرغ» الجامعي في ألمانيا، تكرر العبارات الطبية التي تشير إلى أن الرئيس بخير، فيما رئيس الفريق الطبي، الدكتور ماركس بوشلر، يضيف بعض لمحات إنسانية للرواية الرسمية على شاكلة أن «الرئيس مبارك يتحسن وداعبنا كالعادة». والمحصلة؛ العملية نجحت، والرئيس يتعافى وبصحة جيدة.
وشكلت الرواية الرسمية أحد أسباب غموض رحلة «المرارة»، ربما لأنه رغم التطمينات لم يظهر الرئيس أمام الكاميرات ولو دقيقة واحدة. كما أنه لم يعلن حتى الآن موعد عودته أو المدة التي يحتاج إليها للنقاهة، أو نصيحة الأطباء على طريقة إدارته للبلاد بعد الأزمة الصحية. الصوت بديلاً للصورة. وكما أكد رئيس ديوان رئيس الجمهورية، زكريا عزمي، «التلفاز سيبث محادثة هاتفية مع الرئيس خلال أيام».
«مكالمة هاتفية؟». السؤال يشير إلى غموض حوّّّّلته بعض المدونات على الإنترنت إلى خبر، سرعان ما حذف من على المدونات وموقع التواصل الاجتماعي «تويتر». غموض استمر رغم الإلحاح الإعلامي الرسمي على «التحسن»، بينما تتسرب روايات مختلفة عن وضع صحي ليس بهذا التحسن.
ويساعد على ترويج هذه الروايات حالة الارتباك التي تعبّر عن انتظار شيء ما في الأفق، والأصعب هو سؤال: من يحكم مصر الآن؟ هل الدكتور أحمد نظيف رئيس الحكومة يحكم مصر فعلاً؟ أم هو واجهة، وهناك مجلس طوارئ خاص يدير البلاد ويتخذ القرارات الهامة ويرتب الأوضاع للمستقبل؟ سؤال عادي، لكن لا أحد يملك إجابة مؤكدة عنه، لأن مصر دولة أسرار وليست دولة مؤسسات.
المؤسسات تعمل عندما يريدها الرئيس أن تعمل، أو بعدما يكون الرئيس قد رتب أشياء أو رتبت له، ويعلن عن إجراء آخر تماماً. دولة الأسرار والكهنة الذين يعملون من وراء الستار لم تنته في مصر كما يروّج النظام.
ما زال الناس ينتظرون أن يسمّى خليفة مبارك من نفس الجهات التي اختارت مبارك، ومن قبله السادات.
تلك المجالس السرية التي تختار الاسم وتترك للشعب فقط حق الاستفتاء عليه. وستظهر هنا الأوامر والتوجيهات كأنها مسرحية، كاتبها مجهول.
الفارق الوحيد بين الأمس واليوم هو أن هناك قوة أخرى تدخل على الخط. هذه القوة تربك المسرحية إلى حد كبير وتغير كل يوم من نصوصها. ويصل الارتباك إلى حد الارتجال.
وتأمل مقالات كتاب الكتيبة الأمامية من الحرس الصحافي للنظام فستجدهم مرتبكين. يكتبون برعب شديد وبحذر لا يعرفون معه الخطوة المقبلة. يحاربون البرادعي بأسلحة جديدة عليهم. لا تصلح الشتائم المعتادة. لكنهم ليسوا خبراء بعد بالأسلحة الجديدة وتفلت منهم أفكار تورطهم وتورط النظام. وضباط أمن الدولة تعوّدوا أيضاً على طرق قديمة في بث الرعب أو الحصول على معلومات. الأمر جديد على النظام كله. إنها قوة الأمل التي لم يحسب لها النظام حسابه. قوة خارج السيطرة أو الصفقات. يعرف النظام كيف يسكت أي مجموعة. حتى «الإخوان» عرف أن لديهم استعداداً للدخول في الصفقة. يسميها قادة الجماعة تفاهمات. وهو اسم أنيق للصفقة التي اتفق فيها أحمد عزّ مع «الإخوان» على تأييد المرشح الوطني في الرئاسة، في مقابل ٢٥ مقعداً في مجلس الشعب.
الصفقة من آليات السيطرة وليست قاصرة على الجماعة. هناك شخصيات حزبية تقوم بأدوار سياسية في المعارضة وفق مساحة متفق عليها. قد تصل إلى الترشح للرئاسة والقيام بدور السند لمرشح الحزب الوطني، سواء مبارك الأب أو الابن. صوت هذه الشخصيات عالٍ عند اللزوم. لكن حركتها الفعلية مضمونة بوعود شخصيات في النظام تؤدي دور المفاتيح. صفوت الشريف أهم هذه المفاتيح الآن. ومتابعة حركته في هذه الأيام تقول إن هناك شيئاً ما يرتب أو يعدّ له. وهو يقوم بدور في التنسيق بين جهات لم تتعود على التنسيق بينها مباشرة.
وأحمد عز جديد على الدور، ويحاول. لكنه غالباً قد يذهب ضحية الأيام المربكة. أو قد تساعده «اللخبطة» الحالية على النجاح بنسبة ٥٠ في المئة في أداء دور أكبر، وخاصة أنه يملك القوة السحرية للمال.
اللعبة هذه المرة على المكشوف أكثر من المرات السابقة. والفرجة لم تعد مجاناً. قوة الأمل الجديد تعمّق أزمة النظام وتجعله أمام وضع كل الاحتمالات مفتوحة. قوة الأمل تشعر قطاعاً كبيراً في المجتمع بأننا نعيش فعلاً في «العهد البائد». ويتعاملون كما لو أن النظام تغير ويستعدون لمراسم الوداع.