«اعتذار» نتنياهو لا يهدّئ «خواطر» إدارة أوباماعلي حيدر
بات واضحاً أن «البصقة الإسرائيلية» التي وجّهتها حكومة بنيامين نتنياهو لإدارة باراك أوباما، التي عبّر عنها إعلان تل أبيب بأنها تنوي بناء 1600 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية المحتلة خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن إلى الأراضي المحتلة، لن تمر مرور الكرام. فعلى الرغم من محاولة الأخير، قبل أيام، احتواءها على قاعدة «وكأن شيئاً لم يكن»، عادت الإدارة الأميركية للتصعيد ضد حكومة نتنياهو، في ما يبدو ثمرة تفكير عميق يعبر عن نزعة مصلحية تجاه العالم العربي لتعويض الفشل الأميركي في تحقيق تقدم في العملية السلمية، فضلاً عن بعد شخصي عبّرت عنه تقارير أميركية تحدثت عن غضب أوباما الشديد من أداء نتنياهو.
فقد رأى كبير مستشاري أوباما، ديفيد اكسلرود، أمس، أنّ الإعلان عن المشروع الاستيطاني الجديد في القدس الشرقية، هو «إهانة» للولايات المتحدة، وقرار «يعرّض عملية السلام للخطر». وقال، لشبكة «سي أن أن»، إنّ واشنطن ترى هذا الإعلان «تحدّياً... الأمر كان إهانة نسفت المحاولة الهشّة جداً لإرساء السلام» في الشرق الأوسط. وذكّر بتوقيت قرار البناء على اعتبار أنّ إدارة أوباما «بدأت لتوّها مفاوضات غير مباشرة، وتنتقل بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ومجرد أن يصدر هذا الإعلان في هذا الوقت بالذات، فإنّ له آثاراً مدمّرة جداً». وإذ وصف اكسلرود إسرائيل بأنها «حليف قوي وخاص» لدولته، فقد لفت، في حديث إلى شبكة «إيه بي سي»، إلى أنه «لهذا السبب تحديداً، كان حرياً بإسرائيل ألا تنتهج هذا السلوك».
ووصلت درجة الاستياء الأميركي إلى حدّ مطالبة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، من رئيس الوزراء الإسرائيلي، «بشكل لا لبس فيه، ممارسة صلاحياته والعمل على إلغاء قرار بناء» الوحدات السكنية الجديدة في حي رمات شلومو. ورفضت كلينتون، في اتصال هاتفي مع نتنياهو، استمر نحو 45 دقيقة، التبريرات التي قدّمها «بيبي»، والتي تفيد بأنّ القرار «اتّخذ من لجنة مستقلة غير خاضعة لديوان رئيس الوزراء». كما رفضت محاولة طمأنتها من قبل نتنياهو بأنه «في كل الأحوال، لن يخرج هذا القرار إلى حيز التنفيذ خلال السنوات الثلاث المقبلة».
ورغم أن الوزيرة الأميركية لم تستخدم كلمة إنذار، فإنها ربطت بين استمرار محادثات التقارب بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وإلغاء قرار البناء.
من جهته، قلّل نتنياهو من خطر تدهور العلاقات مع واشنطن. وقال، للصحافيين قبيل بدء جلسة حكومته، إنه «لدى قراءة الصحف، أقترح ألا نصاب بالهلع وأن نحافظ على الهدوء. نعرف كيف نعالج هذا النوع من المواقف برباطة جأش».
وكان لافتاً أن رئيس الوزراء لم يتراجع عن مضمون القرار، وحصر الخطأ بتوقيت الإعلان عنه، جازماً بأنّ الأزمة مع إدارة أوباما «أصبحت خلفنا». وفي سبيل احتواء الموقف، قررت الهيئة الحكومية السباعية تأليف لجنة برئاسة المدير العام لديوان رئاسة الوزراء، أيال غبآي، لدراسة تسلسل الأحداث التي أدت إلى نشوب الأزمة خلال زيارة بايدن، وللعمل على بلورة أنظمة تحول دون تكرار مثل هذه الحالات في المستقبل، في إشارة إلى توقيت الإعلان عن قرار تشييد المستوطنات خلال زيارة بايدن.
وفي ما يشبه الاعتذار «الناعم»، أعرب نتنياهو عن أسفه «للخطأ الذي حصل من دون قصد»، معترفاً بأنه طلب من وزرائه عدم التحدث في هذا الموضوع، ومشدداً على أن «بين الولايات المتحدة وإسرائيل مصالح مشتركة، ونحن نعمل وفقاً لمصالح دولة إسرائيل».
وبشأن أسباب ردة الفعل الأميركية، أوضحت تقارير إعلامية عبرية أن ذلك يعود إلى أن إقرار بناء الوحدات السكنية يتعارض مع وعد قدمه ممثل رئيس الوزراء، إسحاق مولكو، للمبعوث الأميركي الخاص جورج ميتشل، مفاده أنه «لن يكون هناك بناء في القدس خلال الأشهر المقبلة، ولن تحصل مفاجآت ما دامت هناك مفاوضات» مع سلطة الرئيس محمود عباس.
ووفق تلك التقارير، فإنّ الأميركيين تفهموا هذا الموقف، لإدراكهم صعوبة وضع نتنياهو بسبب تركيبة حكومته، وخاصة أن ميتشل عاد وسمع هذا الكلام من نتنياهو شخصياً. لكن مستشاري نتنياهو وصفوا هذا الكلام بـ«الكذب الكامل»، مؤكدين أن مولكو «وعد فقط بألا يُفاجأ الأميركيون بقرارات إسرائيلية، وبالامتناع عن أحداث تُحرجهم». وبحسب هذه الرواية، فإنّ المقصود من كلام المستشار كان بأن «يشرف نتنياهو شخصياً على لجان التخطيط بهدف عدم إحراج ميتشل الذي يحاول استئناف المحادثات مع الفلسطينيين».
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، روبرت غيبس، في ما يشبه التعليق على شبه الاعتذار الأميركي، إن «هذا الاعتذار يمثّل بداية جيدة، لكن الأمر يتطلب مزيداً من الخطوات لتهدئة خواطر الولايات المتحدة».
وفي السياق، أجرى نتنياهو اتصالات طارئة مع زعماء منظمات يهودية ـــــ أميركية، لتجنيدهم في «المعركة الدبلوماسية» مع البيت الأبيض، كما أجرى اتصالات أخرى بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الحكومة الإيطالية سيلفيو برلوسكوني، وأكد أنه لن «تسرّع وتيرة الاستيطان» في القدس الشرقية.
وكما كان متوقّعاً، انتقدت رئيسة المعارضة وحزب «كديما»، تسيبي ليفني، أداء رئيس الوزراء الذي أدّى إلى نشوب أزمة مع الولايات المتحدة، ودعت إلى عدم إيداع الأمن القومي «بأيدي شركاء في الائتلاف الحكومي».
في هذه الأثناء، كشف موقع «يديعوت أحرونوت» على الإنترنت أن الرئيس شمعون بيريز بيريز أجرى نهاية الأسبوع الماضي، محادثات مع مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، في محاولة لخفض مستوى التوتر بين الطرفين، عبّر خلالها عن اقتناعه بأنه رغم «خطأ» الإعلان عن المشروع الاستيطاني، فإنه «ينبغي إيجاد الطريق للخروج من الأزمة، معرباً عن رضاه إزاء «الاعتذار العلني» لرئيس حكومته.