عرّفت الدوائر «الجهادية» محارب الجبوري، بأنه الناطق الرسمي لـ«دولة العراق الإسلامية»، التي تمددت مع الأزمة السورية، إلى بلاد الشام، فأُطلق عليها منذ 2012 «داعش». وينقل الإعلامي «أبو عبد العزيز الأنصاري»، أن الجبوري سافر إلى الأردن في تسعينيات القرن الماضي، لـ«كسب العلم»، وأختلط سراً مع أشخاص ينتمون إلى «التيار السلفي الجهادي»، كانوا على علاقة بأبي مصعب الزرقاوي (مؤسس «القاعدة» في العراق).
وعاد الجبوري إلى العراق، وبدأ يمارس «التدريس الديني» سراً، حتى بداية الاحتلال الأميركي عام 2003، حين تحول درسه إلى «جهادي»، محرضاً على قتال الاحتلال. وجمع السلاح ليؤسس «سرايا الغرباء» (انضوت لاحقاً تحت راية «مجلس شورى المجاهدين»). وانتقل «الوزير» بين المدن العراقية، وتحديداً في العاصمة بغداد، موطداً علاقاته بـ«المجاهدين» في أحيائها.

شكّلت «السياسات الجديدة» لـ«الدولة» زرع الخلاف بين الجبّوري وبعض قيادات التنظيم

ويستند «الأنصاري» في روايته إلى أحد مقربي «وزير إعلام الدولة». ويضيف أن قوات الاحتلال اعتقلت الجبوري، وأودعته سجن «بوكا»، لمدة لا تتجاوز سنة واحدة. وتعرّف هناك إلى عدد من قيادات «الدولة». وعند إطلاق سراحه، عاد إلى «الساحة الجهادية»، مساهماً في تشكيل «مجلس شورى المجاهدين».

بداية الخلاف مع «داعش»

أدت «السياسات الجديدة» لـ«الدولة» في العراق، بحسب «الأنصاري»، إلى زرع الخلاف بين «الوزير» وبعض قيادات التنظيم، خصوصاً أنه لم يكن موافقاً على «بعض أعمالهم»، منها:
1- تحويل «قبلة الجهاد» من قتال الاحتلال إلى قتال طائفي ضد «الشيعة والسنة» في آن واحد.
2- مخالفة السياسة العامة لتنظيم «قاعدة الجهاد العالمي»، وعدم الاستجابة لقرارات زعيمه أسامة بن لادن، وقطع خطوط التواصل مع القيادة الأم وجعلها «شبه شكلية».
إلا أن الخلاف الرئيسي بين الجبوري وقيادات «الدولة» كان عام 2006، حين أعلن «شورى المجاهدين» خطفه لأربعة دبلوماسيين روس. ووكّلت قيادة التنظيم الجبوري بالتفاوض مع الروس، للتوصل إلى اتفاق يقضي بإطلاق سراح الدبلوماسيين مقابل الإفراج عن معتقلين شيشانيين. فكان «همّه إطلاق سراح الأسيرات»، بينما «غرق» بعض قادة «الدولة» بالسعي لـ«كسب المال والفدية». إلا أن الجبوري تلقّى صفعة من التنظيم، إذ أقدم على قتل الدبلوماسيين، دون علمه، فأضحى مجرد «مرسال» بنظر الروس.
ويدحض «الأنصاري» الروايات «الداعشية» التي تنفي خلاف الجبوري مع «الدولة»، غامزاً من قناة «رفيق دربه»، أنه «كيف لناطق رسمي أن يهرب سراً إلى الأردن بعد مسألة الدبلوماسيين؟». ويتابع قائلاً إن «الوزير» سافر إلى الأردن بجواز سفر مزور ومن ثم دخل إلى سوريا، حيث عقد لقاءات مع بعض «الأخوة السوريين»، لتشكيل نواة سرية لـ«القاعدة» هناك.
وأدت مقابلات الجبوري إلى بدء العمل في المنطقة الشرقية، (محيط دير الزور والبوكمال)، لقربها من الحدود العراقية واتصالها بمحافظة الأنبار. واقتصر عمله على «الدعوة بالمطويات (البروشورات) والأشرطة المسجلة»، إلا أن ذلك أثار غضب بعض قيادات «الدولة»، وزاد من حدة الخلاف بينهما.

خلافات البيت الواحد

وتنقل بعض المصادر المقربة من «القاعدة»، أن الخلافات بدأت بالظهور بشكل «مضبوط»، بين جناحي «الدولة»، الأول المبايع لـ«القاعدة»، أما الثاني فهو ضباط «حزب البعث»، والجيش العراقي السابق، المنضمون لـ«شورى المجاهدين».
وتؤكد المصادر أن الجناح «البعثي»، عمل على تصفية بعض قيادات «الدولة» بـ«وشايات» لقوات الاحتلال عن أماكن وجودهم. وأدت «الوشايات» إلى غارات لسلاح الجو الأميركي على مقار هؤلاء.

بدأت الخلافات بالظهور بين جناحي التنظيم، الأول المبايع لـ«القاعدة»، أما الثاني فضباط «حزب البعث»
وتذكر المصادر أن «وزير الحرب في دولة العراق الإسلامية»، أبو حمزة المهاجر (عبد المنعم عز الدين علي البدوي/ مصري الجنسية)، نجا من محاولات اغتيال عدّة، وتحديداً في مدينة الموصل، شمالي العراق. وتمكّن من الهرب، قبيل الغارات بمدة قصيرة. وتلفت المصادر إلى أن المهاجر كان على علمٍ بما «حيك ضده من الجناح البعثي». غير أنه قضى مع زعيم السابق للتنظيم، أبو عمر البغدادي، عام 2010.

الجبوري: الضحية الجديدة


ويتابع «الأنصاري» قائلاً إن الجبوري سافر إلى سوريا، وجلس مع «أمنيين» روس للتفاوض في أمر الجثث، لأنه «وثّق» عملية الدفن، وصوّرها على «سي دي». ويؤكد الراوي أن الروس أولوا أهميةً لـ«القرص المدمج».
وعادت اللقاءات تُعقد بين مندوب عن الجبوري وآخر عن روسيا، وجرى أحدها بحسب «الأنصاري في مقهى هافانا، وسط دمشق»، لكن تتبع أمنيي التنظيم للجبوري أفشل التفاوض، ليعود للعراق مجدداً، ومعه «القرص» الوحيد. وهناك لاحقت بعض قيادات «الدولة» من الجناح «البعثي»، الجبوري للحصول على «السي دي»، وإمساك زمام التفاوض.
وحمل عام 2007، بحسب المصادر، ازدياد الخلافات بين جناحي تنظيم «الدولة»، وفضّل بعض من «الجناح البعثي» التخلّص من الجبوري وغيره، الذين «يشكّلون عائقاً أمام نفوذهم». وتضيف المصادر أن أحدهم «وشى» لقوات الاحتلال، فأغار الطيران على مقره، ناحية التاجي، شمالي العاصمة. وأدت إلى مقتله ومن معه، بعد «اشتباكات دامت لثماني ساعات»، حسب بيان «الدولة».
ويضيف الأنصاري أن «الجناح البعثي»، وبموافقة «شرعيين»، دهم منزل أخي «الوزير»، جاسم الجبوري، وأعدمه. واستمر التنظيم بدهم مقار «سرايا الغرباء»، ومصادرة مستودعات الفصيل وسياراته، وقتل من كان على علاقة قوية به.