الوفاة المفاجئة لشيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، تلقي الضوء على الدور السياسي الذي أدّته هذه المؤسسة في عهد ما بعد الثورة، إضافة إلى دور طنطاوي نفسه في عهد حسني مبارك، كمانحين الشرعية الدينية للنظام
وائل عبد الفتاح
فجّر خبر وفاة شيخ الأزهر الدكتور محمد السيد طنطاوي (81 عاماً)، أمس، أخبار الصراع على خلافته. الشيخ مات نتيجة ازمة قلبية في الرياض، حيث كان في زيارة من أجل توزيع جوائز الملك فيصل الإسلامية. أسرة طنطاوي قررت دفنه في المدينة المنورة، وهو تقليد لدى العائلات السنية في مصر ترى فيه أن الموت في الاراضي المقدسة (مكة والمدينة) اختيار إلهي يشير الى الرضى والتكريم في الآخرة لا يمكن رفضه. ورغم أن الموت لم يكن في إحدى هاتين المدينتين، إلا أن اختيار العائلة وطلبها أراد إضفاء بعض القداسة، ربما لتغيير اتجاهات الغضب التي حاصرت طنطاوي في حياته، الى شعور بالتقدير من القوى الأعلى.
طنطاوي أثار الجدل من اليوم الأول لتوليه المشيخة في ١٩٩٦ قادماً من موقع ديني آخر هو مفتي الديار المصرية، وفي عز صراع نظام مبارك مع جماعات العنف الاصولية.
القفز الى أعلى مواقع «السلطة الدينية» نقل طنطاوي من أستاذ مرموق في التفسير إلى «موظف سياسي» يتلقى كل يوم سهاماً وخناجر ويؤدّي أدواراً في العلاقة المعقدة بين النظام والمجتمع.
طنطاوي صاحب اجتهادات هامة، بشهادة المتخصصين في علوم التفسير. حصل على الدكتوراه في التفسير بدرجة ممتاز عن موضوع لامع سياسياً في زمنه وهو «بنو إسرائيل في القرآن والسنة» (نشرها عام ١٩٦٩ في قلب معركة مصر والعرب مع إسرائيل)، وتلته أبحاث عن: التفسير الوسيط للقرآن الكريم (1972)، القصة فى القرآن الكريم (1990)، ومعاملات البنوك وأحكامها الشرعية (1991).
التاريخ البحثي سيُنسى غالباً للشيخ، وستُذكر مواقف سياسية أدّى فيها الدكتور طنطاوي دور «المحلل الديني» لتصرفات النظام، وخصوصاً فتواه بجلد الصحافيين في قضية صحة الرئيس، ومصافحته الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، وأخيراً محاولته نزع النقاب عن طالبة في إعدادي الأزهر.
كلها معارك سياسية في الغالب، رغم أن مكانة الأزهر دينية وليست سياسية، وشيخه موظف وليس رمزاً في صراعات السياسة. لكن طنطاوي هو شيخ الأزهر الذي عاصر بقوة محاولة صنع دور للأزهر في ملاعب السياسة وكهانة ليست موجودة في الإسلام.
الإسلام في السياسة بلا رموز ولا مؤسسة دينية، لكن الاهتمام بمواقف «الإمام الأكبر»، كما يلقب شيخ الأزهر رسمياً، يأتي في إطار صناعة مؤسسة دينية رسمية في مواجهة المد السياسي للمعارضة «الاسلامية».
النظام دفع بالشيخ في المقدمة لمواجهة معارضين يحملون المصحف ويتكلمون بـ«قال الله وقال الرسول». طنطاوي مثّل دور حائط الصد الديني في مواجهة سحب الشرعية الدينية من نظام يعيش على الشرعية المزدوجة (السياسية والدينية).
الدور ليس جديداً على أصحاب المناصب الرفيعة دينياً، لأنه منذ قرار السلطان العثماني سليمان القانوني أن يدير الأزهر «الشيخ الأكبر»، لا مجرد ناظر، كان هذا بداية تكريس دور الأزهر في تدبيج الشرعية الدينية للنظام السياسي.
الأزهر علامة سياسية من لحظة ولادته كمركز لنشر الدعوة الفاطمية (الشيعية)، ثم انتقاله الى المذهب السني مع الدولة الأيوبية ليصبح رمزاً لهوية مصر الدينية.
الشيخ طنطاوي هو الرقم ٤٧ في قائمة المنصب الذي اخترع بعد ٧٤١ سنة من إنشاء الازهر، وكان اختياره يتم من دون تدخل من الدولة، وعبر اتفاق علماء الأزهر في ما بينهم على مَنْ يمثلهم. وتبلغ به بعدها الجهات المسؤولة في القاهرة، ومنها إلى الوالي العثماني.

التقارير الأمنية ستحسم حالياً خليفة طنطاوي من بين أربع شخصيات
المعيار الوحيد للاختيار وقتها هو قيمة العالم وقدرته العلمية، لا التقارير الامنية التي ستحسم حالياً خليفة طنطاوي من بين اربع شخصيات، في مقدمتها المفتي الحالي الدكتور علي جمعة وينافسه رئيس جامعة الازهر الدكتور احمد الطيب، والمفتي السابق أحد وجوه الحزب الوطني الدكتور أحمد عمر هاشم، وأخيراً وكيل الازهر الحالي الدكتور محمد واصل.
وجوه تؤدّي أدواراً متباينة في صناعة «الوجه الديني» للنظام. تختلف الدرجة من صناعة «الوجه الحضاري» للإسلام، كما يفعل الدكتور الطيب، أو المواجهة الشجاعة لفتاوى المعارضة الدينية (جمعة) أو الادارة الوقورة للمشيخة (واصل). أما الاكثر تورطاً في ملاعب السياسة فهو الدكتور هاشم العضو السابق في البرلمان.
القرار سيكون للرئيس، بحسب القانون الذي أقر عام ١٩٦١. الرئيس سيختار من تقر به التقارير الامنية ليؤدّي دوراً في صناعة الوجه الديني، سواء في السياسة الإقليمية كما حدث أخيراً عندما دعم الشيخ طنطاوي تقريب المذاهب بين السنة والشيعة في إطار محاولة استقطاب ديني للشيعة العرب، أو في أحداث داخلية مثل خلافة مبارك.