يشدد محللون استخباريون أميركيون على أن محاولات القبض على منفذي اغتيال محمود المبحوح، لن تحقق أي نجاح، داعين إلى استخلاص العبر من الدرس الاستخباري الذي سُجِّل في دبي
نيويورك ــ نزار عبود
على الرغم من تمكن سلطات دبي من اكتشاف الجناة الذين يقفون وراء اغتيال القيادي في حركة «حماس»، محمود المبحوح، وطريقة عملهم خلال وقت قصير، إلا أن محللين استخباريين أميركيين يرون أن القضية ستتوقف عند هذه النقطة، بسبب غياب أي أمل بإلقاء القبض على فريق الاغتيال. ويرى هؤلاء أن العملية حققت نجاحاً كاملاً، وأن الزوبعة التي أثيرت بعدها لن تتجاوز الإطار الإعلامي، وستمثّل فصلاً من فصول العمليات الاستخبارية التي تستخلص عبرها.
ولفت هؤلاء، في تقرير للمحللَين الأمنيين فرد برتون وبن وست نشر على موقع «ستارفور» الأميركي، إلى أن الإعداد لعملية المبحوح لا بد من أن يكون قد استغرق ما بين أشهر وسنوات من المراقبة الإلكترونية وإعداد الكوادر البشرية المختصة والمراقبة المباشرة.
وفي مرحلة الإعداد، تُراقَب الاتصالات بواسطة الهواتف والإنترنت والبطاقات المصرفية وحجوزات الطيران والنقل، ما يساعد على تحديد مكان الشخصية المستهدفة وخطط تحركاتها. وأشارا إلى أن «المبحوح حذر بطبعه في التعاطي مع الوسائل الإلكترونية، ما يرجح تجنيد عملاء مقربين للتأكد من المعلومات والتأثير على قراراته بحيث يوجهونه نحو الكمين. لذلك لم يكن مستغرباً أن توجه اتهامات لثلاثة فلسطينيين بالضلوع في عملية الاغتيال».
وأضاف التقرير أن «هناك أشخاصاً آخرين يمكن أن يكونوا متورطين لقاء مكافآت مالية، من دون أن يكون لديهم أي علم بالهدف النهائي من تورطهم».
ورأى برتون ووست أن «تشغيل وتوجيه العمليات الفنية والعملاء يجري من أمكنة بعيدة في الخارج على يد فرق مختصة. وبالفعل وجدت شرطة دبي أن المبحوح تعرض للمراقبة المباشرة من العصابة في زياراته السابقة للإمارات. وزُرع فريقان في فندقين مختلفين كانا ينتظرانه قبل ساعة من الوصول. وكان هناك فريق آخر ينتظره في المطار تابع انتقاله ونقل تفاصيل خط سيره دقيقة بدقيقة. وبذل هؤلاء جهداً كبيراً لمنع رؤية المبحوح لأي عنصر مرتين. وعندما تيقنوا أنه يقطن في فندق «البستان روتانا»، تخلوا عن مواقعهم الأخرى». وأضافا: «راقبه الفريق الأول وهو يسجل دخوله وتبعه إلى حجرته ليأخذ رقمها. نقل المعلومات إلى الفريق الثاني الذي اختار الإقامة في غرفة معينة مقابلها في الجانب الآخر من الممر. وبذلك تمكن من مراقبة كل تحركاته. وكانت الغرفة ملائمة لكونها تقع خلف عدسات المراقبة المطلة على درج الطوارئ، ما مكّن فريق الاغتيال من تنفيذ جريمته من دون تصويره».
ولوحظ، بحسب المصدر نفسه، «من الأشرطة التي عرضتها دبي، أن أحد المتعقبين لحق المبحوح إلى الشارع ليصور بهاتفه لوحة السيارة التي نقلت الضحية من الفندق. واعتمد المتتبعون على هواتفهم النقالة والرسائل الإلكترونية، للتواصل في ما بينهم وتصوير المبحوح. واستخدموا خط هاتف نمسوياً يعمل بطريقة رُجح أن تكون على شكل خط اتصالات مشاركة «كونفرنس» يتيح للمجموعة التحاور من دون أن يعني بالضرورة أن المكالمات كانت تمر عبر مركز في النمسا، إذ استخدم خط بالوكالة للتعمية على المكان الحقيقي للاتصال».

رئيس شركة «باي أونير» لبطاقات الائتمان عضو في جهاز العمليات العسكرية الإسرائيلية الخاصة
وعندما عاد المبحوح إلى الفندق، «كان من الضروري لأعضاء الفريق أن يستفيدوا من أطول مدة زمنية ممكنة لتنفيذ الجريمة. وراهنوا على أنه سيمكث في حجرته طوال الليل، ما يسمح بتأخير اكتشاف الجريمة حتى يتمكن القتلة من مغادرة الإمارة قبل أن تنطلق أجهزة الإنذار الأمنية. وبالفعل «لم يكتشف أحد الجريمة إلا بعد 17 ساعة، عندما دخل عمال التنظيف إلى الحجرة. وحينها كان فريق الاغتيال قد غادر دبي بهدوء. ومثّل أسلوب الاغتيال، الذي حدد على أنه جرى من طريق الخنق بعد التخدير، فرصة لكسب أطول فترة زمنية ممكنة قبل فتح تحقيق جنائي. ونجح الجناة في طمس هوياتهم باستخدام جوازات سفر دقيقة التقليد. كذلك فإن بطاقات الائتمان التي استخدموها كانت من شركة «باي أونير» ورئيسها عضو في جهاز العمليات العسكرية الإسرائيلية الخاصة، والشركة نفسها تتمتع بمساندة من شركة أخرى مقرها إسرائيل».
وفي ظل هذه المعطيات، تستبعد أجهزة الاستخبارات أن «يكون وراء العملية مجرد تنظيم مستقل، واضعين «الموساد» على رأس المشتبه بهم، سواء لجهة الدوافع أو لجهة الحرفية الإجرامية وتحقيق النتائج التي خُطط لها». لكنهم يرون أن «حلّ هذه الجريمة وجلب المنفذين للعدالة يتجاوز طاقة دبي. ولا أحد ينتظر تمكن الإنتربول من الإمساك بأي مشتبه فيه أجنبي بالرغم من إعراب الدول المعنية عن الاستعداد للتعاون وضبط الجناة».