إحنا وأيلول، قصة طويلة ما بتخلص، مصيبة ورا مصيبة، وكارثة بتلحق أختها، يعني أيلول كله أسود، من أول يوم فيه لآخر يوم. مش بس أيلول اللي صار عام 1970 في الأردن مع المنظمات الفلسطينية هو الوحيد الأسود، في كتير سنوات بتاريخنا أغلب أيلولاتها كانت بالأسود. يعني خلينا بالتاريخ الجديد، ما بدنا نغوص كتير، في سنة 1922 كان إعلان "وصاية" إنجلترا على فلسطين، يعني شرعنة الاستعمار اللي كان موجود قبل هـالسنة، قلت لحالي خليني أغوص شوي بالتاريخ، بلكي لقيت شغلة حلوة صارت بأيلول؟
إيه لقيت شغلة بتجنن، دايما بنفكرها انتصار إلنا، ولصلاح الدين الأيوبي، بس أنا شوفتها شغلة سودة متل أيلول، كانت معاهدة "الرملة" اللي صارت مع ملك إنجلترا ريتشارد قلب الأسد، واللي بعدها أعطى صلاح الدين، البطل يعني، "للفرنجة"، الشريط الساحلي من مدينة صور الى حدود يافا! يعني المدن اللي بين صور ويافا واللي هيه من أحلى مدن بلاد الشام، وقال بيدرسونا اياها ع اساس إنه انتصار بتاريخنا.
ايه .. وهاد الاتفاق صار بـ 2 أيلول 1129، يعني زمان كتير، قبل شي 900 سنة، بس معلش عشان نعرف ونثبت إنه أيلول أسود من يوم يومه.
بلاش نغوص بالتاريخ القديم، خلينا بتاريخنا الجديد، وطبعا تاريخنا وأحداثنا المعاصرة مربوطة كالعادة باللي بصير في العالم، يعني في 1 أيلول 1939 غزا هتلر بولندا وبدت الحرب العالمية الثانية ونتائجها الكارثية على العالم وعلينا، وقتها كانت الهجرة اليهودية لفلسطين عم بتزيد والأراضي بتروح من بين إيدينا، وبعد ما خلصت الحرب العالمية بشي سنتين، يعني سنة 1947، وفي أول يوم بشهر أيلول، اقترحت الحركة الصهيونية على الأمم المتحدة مشروع قرار تقسيم فلسطين، واللي صدر بعد الاقتراح بشهرين، تحديد بتاريخ 29\11\1947، بس بذرة القرار وفكرته انزرعت في أيلول.
خلينا نمشي كمان 30 سنة لقدام، يا عيني شو صار! طبعا في أيلول ! بتاريخ 7 أيلول 1978 انعقد أول اجتماع في كامب ديفيد بين السفاح الصهيوني رئيس وزراء كيان الاحتلال مناحيم بيغن مع الرئيس المصري أنور السادات، وبيوم 18 من نفس الشهر طبعا ! وبنفس العام وقع الطرفين ع اتفاقية سلام بينهم، أو اتفاقية خيانة من قبل السادات، المهم إنه شي أسود وصار بأيلول، ولحق هاي الاتفاقية إنه السادات من العام التالي أي في ،1979 في يوم 6 أيلول، أعلن حضرته من حيفا أنه قرر توصيل مياه النيل لكيان الاحتلال، شايفين قديه أيلول أسود؟!!
15 أيلول 1982، الاحتلال اجتاح بيروت بشكل كامل، وكانت ثاني عاصمة عربية بعد القدس بتسقط تحت جنازير الدبابات الإسرائيلي، دايما أسود يا أيلول! هاي بيروت يا أيلول اللي قلنا عنها "بيروت خيمتنا وبيروت اختبار الله وبيروت ما قال الفتى لفتاته"، ومن بعدك يا أيلول قلنا "بيروت دمعتنا، بيروت غصتنا"، وتاني يوم من هـالتاريخ، يعني في 16 أيلول 1982: مذبحة صبرا وشاتيلا! إيش نحكي يا أيلول بعد هيك حدث!؟ نسكت أحسن؟! لا ما بنسكت! بمذبحة صبرا وشاتيلا قتلت آلة الإجرام الصهيونية بالتعاون مع عملائها اللبنانيين في حزب الكتائب أربعة آلاف ونيف فلسطيني، مواطنين عزل ما معهم سلاح، لأنه المقاومة الفلسطينية طلعت من بيروت قبل المجزرة، بعد ما تحاصرت في بيروت، لا عفوا ً مش مواطنين، هدول لاجئين من فلسطين المحتلة! من الجليل والمدن الساحلية الفلسطينية الشمالية، ضحايا النكبة والتشرد، لحقتهم كمان نكبة: نكبة مجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول 1982، تخيلوا مجزرة بتستمر أربعين ساعة شو عم بيصير فيها اديش متورط العالم بتجاهلها!.
يعني ما كان ناقص أيلول إلا لو إنه النكبة صارت فيه، حصة أيلول من مصايبنا كبيرة: انتكاسات سياسية، وخيانات وتنازلات، وحروب، ومشاهد الدم والأشلاء بالمجازر، وعشان تكمل معنا توجنا اتفاقية أوسلو ملكة ع شهر أيلول بصفته السوداء طبعاً، واليوم إحنا في أيلول 2015، شو شفنا فيه؟ حاولنا نتفاءل بس ع الفاضي، شوفنا ضرب اللاجئين العرب ع حدود الدول الأوروبية، وخصوصاً السوريين، ومعهم اللاجئين الفلسطينيين اللي صاروا لاجئين كمان مرة، شوفنا الطفل السوري إيلان ميت وجثته مرمية ع السواحل التركية بعد ما حاولت أسرته تهاجر تهريب عن طريق البحر لأوروبا، بس غرقوا وجثة الطفل وصلت الشط عشان تذكرنا إنه العالم ما نسي يعطينا حصة أيلول في كوارثنا وقتلنا.
ولما وصلنا لنوبة تفاؤل قوية هاي السنة، اعتبرنا موت العميل أنطوان لحد خبر مفرح على قاعدة إنه "كلب وفطس"، بس لو دققنا بالموضوع شوية، كل أيلول عاشه أنطوان لحد من أول خيانته لحد آخر أيلول بحياته كان أسود، يعني ما استفدنا من محاولة التفاؤل!
خلاص رح يضل أيلول شهر مشؤوم، كأنه قدر ومكتوب علينا، حتى محمود درويش لما قال "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، حكى بعدها مباشرة: "نهاية أيلول"، يعني بالعامية كان قصده يحكي لأيلول "فراقك عيد".