استفاق الإعلام العربي والعالمي صباح أمس على وقع خبر قرصنة الإسرائيليين لأسطول الحرية، ووقوع إصابات داخل الطاقم. تميّزت قناتا «الجزيرة» و«العربية» ببث كل الأخبار الواردة من مختلف المصادر، ومن المراسلين الموجودين داخل فلسطين المحلتة وخارجها
ليال حدّاد
الساعة السادسة صباحاً، يصلنا صوت عباس ناصر من داخل إحدى سفن «أسطول الحرية». يصف مراسل قناة «الجزيرة» طريقة اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي للسفن: «مشهد لا يمكن أن أصفه، الإسرائيليون مدججون بالسلاح... كأننا في حرب». يضيف بارتباك: «أنا أتكلّم الآن خلسةً، والزملاء إلى جانبي يغنّون بصوت عالٍ لتغطيتي»... ثوانٍ قليلة وينقطع الاتصال مع الصحافي اللبناني، «الأكيد أن الإسرائيليين رأوه وأخذوا منه الهاتف»، يقول مدير مكتب «الجزيرة» في بيروت غسان بن جدو لـ«الأخبار». ويضيف إن الاتصال مع طاقم «الجزيرة» المؤلّف من ثمانية أشخاص ـــــ وفق بيان رسمي أصدرته القناة ـــــ انقطع عند السادسة من صباح أمس. وأفراد طاقم الجزيرة هم: عباس ناصر، عثمان البتيري، محمد فال، علي صبري، أندريه أبو خليل، جمال الشيال، عصام زعتر ووسيمة بن صالح. وقد حمّلت القناة الحكومة الإسرائيلية مسؤولية سلامة طاقمها و«سائر الإعلاميين».
إذاً، مرة جديدة يعود الخطر ليحاصر الإعلاميين المرافقين لقوافل كسر الحصار عن قطاع غزة. ولا نزال نذكر صوت مراسلة «الجزيرة» سلام خضر ورسالتها الشهيرة من داخل «سفينة الأخوة اللبنانية» مطلع شهر شباط من العام الماضي، بعد تعرّض السفينة لقرصنة إسرائيلية.
أمس، بدا أن المأساة تتكرّر، ولكن هذه المرّة توسّعت رقعتها لتشمل مئات المناضلين العرب والأوروبيين والأميركيين، بينهم عدد كبير من الإعلاميين من وسائل مختلفة، أبرزها: «الجزيرة» (العربية والإنكليزية)، والتلفزيون البلجيكي، والبلغاري، والتشيكي، وقناة «بريس تي في» الإيرانية، قناة «الحوار» العربية (مقرّها لندن)، و«يورونيوز»، إلى جانب محطات تركية وإيطالية...
وكما جرت العادة منذ العدوان الأخير على غزة (كانون الأول 2008 ـــــ كانون الثاني 2009) فرضت إسرائيل تعتيماً كاملاً على مصير الموجودين على متن السفن، ومنعت وسائل الإعلام من تصوير وصول سفن الإغاثة إلى ميناء أسدود، كما منعت الإعلام (العربي خصوصاً) من إجراء مقابلات مع الموجودين في القافلة عند وصولهم إلى أسدود. انطلاقاً من هذ الواقع، وجدت التلفزيونات نفسها أمام موقف حرج، في ظلّ تضارب المعلومات عن عدد الشهداء، والجرحى وهوياتهم. هنا، بدأت التكهنات: هل استشهد زعيم «الحركة الإسلامية، الجناح الشمالي» داخل الخط الأخضر الشيخ رائد صلاح؟ هل أصيب نائب تركي موجود على سفينة مرمرة؟ ما هو مصير المناضلين؟ كيف بدأ الاعتداء على الأسطول؟ أسئلة كثيرة طرحها الإعلام دون أن يجد إجابة واضحة عن أي منها.
«الجزيرة» في قلب الحدث... ولبنان «خارج التغطية»
وكان بثّ قناة «الجزيرة» قد بدأ باكراً جداً. وألغت المحطة القطرية كل برامجها وتابعت تطورات الحدث من خلال بثّ مباشر، وتقارير مع مراسليها من مختلف دول العالم. إلى جانب استقبال ضيوف داخل الاستديو وعبر الهاتف. وكالعادة أفردت الفضائية مساحة للمتحدّثين الإسرائيليين، وخصوصاً الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية أوفير غندلمان. وعند إصرار هذا الأخير على اتهام طاقم الأسطول بالإرهاب، فقدت مذيعة قناة «الجزيرة» فيروز الزياني هدوءها، متهمة إسرائيل بحجب المعلومات عن العالم، لتسهيل الترويج لروايتها الخاصة. وحاولت المحطة تقديم تغطية مختلفة عن باقي التلفزيونات، فعرضت تقريراً عن أوجه الشبه بين حصار غزة، وحصار برلين عام 1948، إضافة إلى تقديم أرقام ومعلومات إحصائية عن حمولة «أسطول الحرية»، وجنسية طاقمها...
وبدت المنافسة (التقليدية) واضحة بين «الجزيرة» وقناة «العربية». هكذا حاولت كل محطة الانفراد بأخبار عاجلة حصرية. غير أن التغطية بدت متقاربة، ومتشابهة رغم تفوّق «الجزيرة»، أولاً بسبب تأخّر «العربية» في النقل المباشر، ثمّ بسبب اعتماد الفضائية السعودية الرواية الإسرائيلية مع انطلاق تغطيتها. ويسجّل لـ«العربية» انفرادها ببثّ خبر سحب تركيا سفيرها من إسرائيل قبل باقي المحطات.
ولعلّ القاسم المشترك بين المحطتَين كان تعرض مراسلَيها وليد العمري («الجزيرة») وزياد الحلبي («العربية») لهجوم ومضايقات من المستوطنين الإسرائيليين قرب ميناء أسدود.
وبعيداً عن تغطية «العربية» و«الجزيرة»، بدا الإعلام اللبناني خارج الحدث، باستثناء «المنار» و«الجديد» وnbn، إذ تابعت باقي المحطات برامجها المعتادة. «المنار» ألغت كل برامجها، تابعت الحدث من خلال مراسليها في مختلف دول العالم، كما استقبلت ضيوفاً داخل الاستديو. كذلك الأمر بالنسبة إلى الـnbn. أما قناة «الجديد» فكانت أول من بث خبر سلامة البعثة اللبنانية بعد انتشار أخبار عن إصابة رئيسها هاني سليمان.
من جهتها، فإن قنوات OTV وmtv وlbc و«أخبار المستقبل» كانت غير معنية نهائياً بما يجري. الشاشة البرتقالية استقبلت عبده سعد ليتحدّث عن نتائج انتخابات الشمال، و«المؤسسة اللبنانية للإرسال» استمرّت بعرض مسلسلاتها التركية والمكسيكية، من دون عناء بث أي خبر عاجل. «تلفزيون المر» من جهته كان يحتفل باليوم العالمي لمكافحة التدخين في العالم، إلى جانب بثّ أخبار عاجلة عن التصاريح التي يدلي بها زوار البطريرك نصر الله صفير!


«اليتيمة» تغضب الجزائريين

الجزائر ــ الياس مهدي
أثار التلفزيون الحكومي الوحيد في الجزائر استياء الجزائريين داخل الوطن وخارجه بسبب تجاهله المطلق لمصير 32 جزائرياً كانوا على متن «أسطول الحرية».
وفي وقت كانت فيه «الجزيرة» وقنوات أخرى تتنافس على تقديم آخر الأخبار عن المجزرة، كان «التلفزيون الجزائري» يبث أغاني راقصة وبرامج عادية!
وتوقع الجزائريون أن يتدارك التلفزيون الرسمي، الذي يُنعت بـ«اليتيمة»، خطأه في النشرة الإخبارية الأولى، لكنهم فوجئوا بالمذيع يقول إن عدد الشهداء هو اثنان، بينما أذاعت «القناة الإسرائيلية العاشرة» خبر سقوط 15 قتيلاً في ساعة مبكرة.
وازداد سخط الجزائريين وهم يستمعون إلى زعيم «حركة مجتمع السلم» أبو جرة سلطاني يتحدث لـ«الجزيرة» عن مشاركة الجزائر في قوافل السفن.
من جهة أخرى، ورد الخبر ثانوياً في المواعيد الإخبارية اللاحقة للتلفزيون الرسمي، بعدما استأثر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (الصورة) بالخبر الرسمي، كالعادة بمناسبة حضوره قمة باريس ـــــ أفريقيا وعناقه مع الرئيس المصري حسني مبارك.