3 سفن إسرائيلية للاعتراض و100 قارب غزاوي للترحيبغزة ــ قيس صفدي، محمد بدير
انطلق «أسطول الحرية» إلى غزة في نحو الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر أمس، بالتوقيت المحلي، بعدما نجح في اصطحاب البرلمانين الأوروبيين، الذين كانوا قد احتجزوا في قبرص منذ يوم الجمعة الماضي. وأكدت «الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة» أن «14 نائباً في البرلمان الأوروبي نجحوا في الالتحاق بإحدى سفن الأسطول عند نقطة التقاء في المياه الدولية، بواسطة قارب خاص».
نجاح البرلمانيين لم يكن صدفة. يقول منسق الحملة الأوروبية، رامي عبده، إن هؤلاء النواب «أرادوا أن يكون لهم دور في هذا الحدث، ونحن احترمنا وقدرنا محاولاتهم». إصرارٌ دفع بالأسطول إلى المكوث يومين في عرض البحر، علّ المحاولات تنجح، فنجحت.
وتحدث عبده عن «ضغوط مارسها عدد من المنظمات الإنسانية واليسارية على قبرص، وقد قاد التحرك النائب في البرلمان الأوروبي عن قبرص، كرياكوس تريانتافيليدس».
وبعد إصلاح سفينة «التحدي 1»، المشاركة في الأسطول، أوضح عبده أن «ست سفن، أربع منها سفن شحن، بدأت بالتحرّك باتجاه القطاع، بعدما تجمّعت في نقطة الالتقاء في المياه الإقليمية الدولية». وأشار إلى أن موعد الوصول المتوقع «هو قبل ظهر يوم غد (الاثنين)، إذا لم تقم السلطات الإسرائيلية باعتراض الأسطول، حيث إن الوقت الذي يحتاج إليه الأسطول للوصول إلى سواحل القطاع يقدر بنحو ثماني عشرة ساعة».
في هذا الوقت، بدأت إسرائيل حملتها المناهضة للأسطول من خلال التشويش على بعض وسائل اتصال سفنه. وأكدت الحملة الأوروبية تلقيها تقريراً من أعضائها الموجودين على متن الأسطول، أشار إلى «تلقيهم اتصالات يعتقد أن مصدرها إسرائيلي، تحذرهم من الاستمرار في الإبحار وتتوعدهم بأنهم سينالون ما يستحقونه من عقاب».
وقال عضو الحملة، أمين أبو راشد، من على متن قارب «8000»، إن «إسرائيل زادت من محاولاتها للتشويش على وسائل الاتصال اللاسلكي التي تستخدم بين السفن، وبين السفن والعالم الخارجي». إلا أن عبده أكد لـ«الأخبار» وجود «اتصالات لاسلكية رقمية بجودة عالية لا يمكن إسرائيل التشويش عليها».
واستعداداً لحشد تضامن عالمي في حال تنفيذ إسرائيل تهديداتها، دعت الحملة الأوروبية أنصار القضية الفلسطينية في شتى أنحاء العالم إلى الخروج في مسيرات بحرية في القوارب واليخوت وسيراً على الأقدام على الشواطئ، ورفع لافتات التضامن مع الأسطول. واستجابت إيطاليا بعدما تظاهر متضامنون داخل ميناء جَنَوا الإيطالي، من خلال تسيير عدد من المراكب التي تحمل الأعلام الفلسطينية واللافتات الداعمة. وسبق ذلك إقامة خيمة اعتصام كبيرة في مدينة مالمو السويدية.
وعلى وقع التهديدات الإسرائيلية، أجرت مؤسسات شعبية وأهلية في غزة مناوئة للحصار مناورة بالقوارب الصغيرة استعداداً لاستقبال أسطول السفن. وأبحرت عشرات القوارب والمراكب الفلسطينية الصغيرة التي ترفع الأعلام الفلسطينية وأعلام الدول المشاركة في الأسطول، انطلاقاً من ميناء غزة لمئات الأمتار داخل البحر، وسط هتافات تندد بالتهديدات الإسرائيلية وتدعو إلى كسر الحصار. وأوضح رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، النائب جمال الخضري، أن السفن ستصل إلى شواطئ غزة «على مرحلتين». في المرحلة الأولى، «سيقفون في المياه الدولية على بعد ثلاثين ميلاً بحرياً عن المياة الإقليمية حتى فجر اليوم، حيث ينطلقون في المرحلة الثانية إلى شواطئ غزة». وأشار إلى أن «مئة قارب فلسطيني ستنطلق من ميناء غزة إلى عرض البحر لاستقبال أسطول الحرية». وأكد الخضري أن «المتضامنين أعلنوا امتلاكهم خطة سيعملون من خلالها للوصول إلى القطاع».
إسرائيل تابعت حملتها المضادة، وهاجمت على لسان نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، ماتان فيلنائي، منظمي الأسطول، الذين وصفهم بأنهم «أتباع حركة حماس وحزب الله». وقال إن «الفرع التركي من جماعة الإخوان المسلمين أدى دوراً محورياً في تنظيم رحلة السفن». من جهتها، تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن خطط الاحتلال لمواجهة الأسطول، وقالت إن قوة بحرية تتألف من ثلاث سفن صاروخية من طراز «ساعر»، ترسو بحالة تأهب في ميناء حيفا استعداداً لاعتراض الأسطول. وذكرت صحيفة «معاريف» أن القطع البحرية الثلاث التي تمثّل قوة الاعتراض الأولى للقافلة، «تضم مئات العناصر من وحدة الكوماندو البحري، شييطت 13، والملاحين والفنيين، إضافة إلى أطقم تصوير تابعة لوحدة الناطق العسكري».
ونقلت الصحيفة عن قائد القوة قوله «إن المهمة ستكون سهلة نسبياً، وإن السبب وراء الحجم الكبير للقوة هو تقليص الأضرار الإعلامية التي ستنشأ عن تنفيذ المهمة الرئيسية، وهي منع حصول سابقة فتح خط بحري غير خاضع للمراقبة إلى حماس في غزة».
وبحسب الصحيفة، فإن سلاح البحرية الإسرائيلي وطائرات استطلاع تابعة لسلاح الجو، «يتابعان الأسطول عن كثب لتحديد موعد انطلاق القوة الاعتراضية لتنفيذ المهمة». وأشارت إلى أن الاعتراض «سيبدأ بتحذير قباطنة سفن القافلة من مواصلة مسيرهم. وإذا لم يستجيبوا، فسيصعد عناصر الكوماندو إلى السفن ويسيطرون عليها، فيما سيقود الملاحون الإسرائيليون المنضوون في القوة السفن باتجاه ميناء أشدود حيث ستكون قوة من الشرطة الإسرائيلية في الانتظار لمنع حصول «أعمال شغب» من جانب ركاب السفن أثناء إنزالهم».
وأوضحت الصحيفة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، والهيئة الوزارية، قرروا عدم السماح للقافلة بالوصول إلى غزة بأي شكل من الأشكال حتى لو كان «الثمن الذي ستدفعه إسرائيل باهظاً من الناحية الإعلامية». وأشارت إلى أن سبب هذه الصرامة الإسرائيلية هو الخشية من أن «نجاح هذه القافلة في الوصول إلى غزة سيقدم لحماس الفرصة للحصول على ما ترغب فيه عبر البحر، بما في ذلك السلاح، الأمر الذي سيعرض جنوب إسرائيل للخطر».

«يخافون منّا لأننا نمثّل غضب الناس»
توماس سوميرهودوفيل*
في هذا اليوم أو في أيّ يوم آخر، سيكتب أحدهم القصة الكاملة لهذه المغامرة. سيكون هناك الكثير من الضحك. صرخات حقيقيّة وبعض الدموع. لكن ما أستطيع قوله الآن أننا لم نتخيّل أننا سنستطيع أن نحرج إسرائيل بهذه الطريقة، ربما في بعض أجمل أحلامنا.
أنشأوا فرقة خاصة للطوارئ تجمع وزارة الخارجية الإسرائيلية، قوات الكوماندوس في البحرية الإسرائيلية وسلطات السجون، للتصدّي للتهديد الوجودي الذي مثلناه نحن وبضع سفن مساعدات. كذلك، فإنّ وزير الدفاع، إيهود باراك، على الرغم من جدول أعماله المزدحم، أخذ بعض الوقت ليحذّرنا من خلال وسائل الإعلام الإسرائيلية. أعلنوا أنهم سوف يرسلوننا إلى أسوأ السجون الإسرائيلية في الصحراء بالقرب من بئر السبع. إنها إعلانات لإخافتنا. وعلى نحو ما نحن خائفون. نحن خائفون من سفنهم الحربية، وخائفون من طائراتهم الآباتشي ورجال الكوماندوس. من منا لا يكون خائفاً؟ نحن نخاف أن يستولوا على البضائع، المساعدات الطبية ومواد البناء والمنازل الجاهزة، والأدوات المدرسية ويدمّروها. كل هذا التضامن جمع بصبر في العديد من البلدان، على مدى أكثر من سنة. كل هذه الجهود، وهذه الموجة من الحب والأمل المرسلة من جانب أناس عاديين، ومواطنين متواضعين من اليونان والسويد وتركيا وإيرلندا وفرنسا وإيطاليا والجزائر وماليزيا. كل هذا يؤخذ كغنيمة من دولة تتصرف كقرصان جزر مبتذل. من منا لا يشعر بالمسؤولية والخوف من عدم القدرة على إنجاز مهمتنا، وتسليم مساعداتنا إلى المحاصرين في غزة؟
ولكن نحن نعلم أيضاً أنّ الخوف هو في الجهة المقابلة أيضاً. لأنه منذ بداية تحالفنا، بذلت إسرائيل كل ما في وسعها لتجنّب المواجهة معنا. السيناريو المثالي بالنسبة إليهم كان التفريق بيننا. الإيرلنديون من جهة، والسويديون واليونانيون من جهة أخرى، الأميركيون من جهة منفصلة والأتراك وحدهم. طبعاً هم يعلمون أنهم غير قادرين على الضغط على الأتراك، لذلك ركّزوا هجومهم على الأطراف الإيرلندية واليونانية من تحالفنا.
السيناريو الأول بدأ قبل أسبوعين حين خرّبوا سفن الشحن الإيرلندية وأجبروها على تأخير انطلاقها حوالى أسبوع. ولكن الإيرلنديين أصلحوا المركب بأسرع ما يمكنهم، والآن هم على بُعد يوم أو يومين منا. ثم مارسوا ضغطاً هائلاً على الحكومة اليونانية لإجبارها على منع السفينة اليونانية ومركب الركاب اليوناني ـــــ السويدي من الانطلاق.
ونتيجةً لهذه الضغوط، اضطررنا إلى تأخير رحلتنا مرتين. وحتى اللحظة الأخيرة قبل انطلاقهما من اليونان، لم نكن نعرف إذا كان المركبان قد أخذا الإذن من الحكومة اليونانية، ولكن في النهاية قرّرت الحكومة اليونانية أن تتحمل مسؤولياتها بصفتها دولة ذات سيادة، وتركت مركب الشحن وقارب الركاب يغادران ميناء بيريه في أثينا.
السيناريو الثاني وقع أمس (الجمعة)، في الجزء اليوناني من قبرص، حيث تفاوضنا مع الحكومة لإصعاد وفد من كبار الشخصيات البرلمانية الأوروبية وبرلمانيين من السويد وبريطانيا واليونان وقبرص. وبينما كان القاربان من اليونان، والقارب الأميركي القادم من جزيرة كريت، والسفن التركية الأربع بالفعل في نقطة الالتقاء، تنتظر وصول الوفد الأوروبي وانضمامه إلينا، تلقينا معلومات أن الوفد حوصر من جانب الشرطة القبرصية في ميناء لارنكا ومُنع من التحرك.
مع بدء تفاوضنا مع الحكومة القبرصية، فهمنا بوضوح أن هذا التغيير المفاجئ في الموقف قد جرى بضغط مباشر من جانب إسرائيل. الحكومة القبرصية تصرّفت كحليف لإسرائيل، وجعلتنا نخسر وقتاً ثميناًً. هذا الصباح (السبت)، قرّر النواب الأوروبيون أن الحل الوحيد الباقي هو الذهاب إلى ميناء فورموغوس في شمال قبرص الخاضع للسيطرة التركية، وأخذ زورق سريع للانضمام إلينا عند نقطة الالتقاء.
بالطبع، لأن تحالفنا مؤلّف من أتراك ويونانيين وقبارصة، يمثّل الجزء الشمالي من قبرص الخاضع للاحتلال التركي قضية سياسية مهمّة جداً. هذا الأمر كان يمكنه أن يخلق مشكلة لأصدقائنا اليونانيين والقبارصة المشاركين في التحالف. ولكن العكس هو ما حصل. تحالفنا لا يزال سارياً.
الجانب القبرصي في السلطة هو الذي على وشك التشقّق ... خلال ساعة أو ساعتين، 80 في المئة من كبار الشخصيات في الوفد البرلماني سينضمّون إلى مراكبنا وسنذهب إلى غزة كما كان مقرراً. هكذا يمكننا القول إنّ إسرائيل خسرت السيناريوهين اللذين عوّلت عليهما.
في غضون ساعات، السيناريو الأخير والحاسم يبدأ عندما ندخل مياه غزة.
بطبيعة الحال، سيكون من السهل جداً بالنسبة إلى إسرائيل إيقافنا واعتقالنا، لكنّ الثمن السياسي الذي ستدفعه سيكون هائلاً. هائلاً حقّاً، لدرجة أنّ جميع الحيل والأشراك التي وُضعت في طريقنا نجحت في فعل شيء واحد: توعية المزيد من الأشخاص في مختلف أنحاء العالم لأسطولنا وللوضع في غزة.
من كل هذا نتعلّم شيئاً: الخوف ليس من جانبنا، ولكن على الجانب الإسرائيلي. إنهم يخافون منّا لأننا نمثّل غضب الناس في جميع أنحاء العالم، الناس الغاضبين ممّا تفعله الدولة الإسرائيلية المجرمة بالفلسطينيّين، وبكل محبّ للسلام يجرؤ على الوقوف إلى جانب المظلومين.
إنهم خائفون منا لأنهم يعرفون أنه في المستقبل القريب سيكون هناك المزيد من السفن الآتية إلى غزة، كما أن هناك المزيد والمزيد من الناس الذين سيقرّرون مقاطعة إسرائيل كل يوم.
* منسق الحملة المدنية الدولية
لحماية الشعب الفلسطيني