تحدث رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف بما يندر أن يتحدث عنه: السياسة، لا بل بأكثر موضوع سياسي حساسيةً في بلاده: خلافة الرئيس حسني مبارك
وائل عبد الفتاح
لا بديل من حسني مبارك. قالها رئيس الحكومة المصرية الدكتور أحمد نظيف، في تصريحات خاصة لرؤساء تحرير الصحف المستقلة والحزبية. ورغم أن نظيف لا يتحدث في الأمور السياسية العليا بهذا الوضوح عادةً، إلا أنه كان واضحاً ومحدداً هذه المرة، حين صاغ أفكاره. وقال «أتمنى أن يكون مرشح الرئاسة في الحزب الوطني (الحاكم) هو الرئيس مبارك، لأنه يمثل الاستقرار. كما أن النظام لم يُخرج البديل الذي يمكن أن يضعه على نحو مريح في هذا المجال».
نظيف ليس طرفاً في الصراع الدائر حول الرئاسة في مصر، لأنه ليس محسوباً ضمن من يمثلون «عقل» هذا النظام، أو مَن يرسمون سياسات الحزب الحاكم. وفيما يتربّع الرجل على قمة الجهاز التنفيذي، غالباً ما تضعه تصريحاته السياسية في أزمة، كما حدث عندما قال إن «الشعب المصري غير ناضج كفاية للديموقراطية». وأحياناً، تشير تصريحاته إلى «عدم وعي سياسي»، كما ظهر في لقاء بالعمّال سبق خطاب الرئيس في عيدهم. حينها قال لهم إنّ الرئيس سيقول لهم «كلام كويّس».
نظيف إذاً نموذج لـ«الجانب غير المسيَّس» في نظام مبارك، وهو موديل لا يجسّد «التكنوقراط» بالمعنى التقليدي، وإنما هو «رئيس سكرتارية» الرئيس، كما يمكن أن يوصَف بدقة دوره في بنية السلطة المصرية.
ومن هذا الموقع، تبدو تصريحات رئيس الحكومة «مسيَّسة» بالمعنى الترويجي الذي يجعل مبارك «الخيار الوحيد» أمام حزب تتحدث النميمة السياسية عن صراع بين مؤيدي استمرار مبارك الأب في قيادته، وبين مشجعين لمشروع الابن جمال الطامح إلى خلافة والده.
تصريحات رئيس الحكومة «ضربة» قوية لجناح يرى أن جمال مبارك هو «تجديد» للنظام، وتجسيد لآماله المدنية، بعد مرحلة انتقالية قادها مبارك باتجاه تفكيك الهيمنة «العسكرتارية».
الضربة عشوائية، أو هي تعبير عن النية الحقيقية للحزب، أو ربما مقصودة في إطار «صراع قديم» بين نظيف من جهة، ومجموعة جمال من ناحية أخرى، وهي التي أرادت استبدال رئيس الحكومة بشخص أقرب وأسهل وأكثر طواعية في التحرك، لترسيخ أفكار ودعائم «الفكر الجديد» الذي يشار به إلى أفكار جمال مبارك ومَن يحيط به.
نظيف خارج عن طاعة مجموعة جمال، لكنه لا ينتمي تماماً إلى الحرس القديم الذي لا يزال فاعلاً عبر استمرار بعض رموزه القديمة.
هذا وحده ما يشير إلى أن تصريحات رئيس الحكومة ليست «ترشيحاً» للرئيس مبارك في انتخابات ٢٠١١، لكنها صدى عن مزاج عام في الحزب والنظام يرى أن مبارك هو عنصر التوازن الفعلي، وأنه لا بد من دعم ترشيحه رغم متاعبه الصحية.
وشعر هذا الاتجاه بالخطر في حالة اختفاء مبارك، الذي بدا أنه يلخّص في يده كل أوراق الحكم، ويحرك بشكل ما، كل اللاعبين حول النظام والحزب والحكومة. إنه الحصاد الطبيعي لتدمير مؤسسات الدولة وضرب المجتمع المدني، ليبدو الرئيس وحده «فوق الجميع».
مجموعة إشارات إضافية لإلغاء السياسة في مصر ـــــ مبارك، التي أظهرت، في التصريحات الإيطالية للرئيس، عن أن «الله وحده يعلم» هل سيرشح نفسه للرئاسة أم لا، وعمّن سيكون خليفته. أظهرت الرئيس كأنه يلغي التسييس، كما يلغيه رئيس حكومته حين يتحدث عن عجز النظام في صناعة بديل، كأنها حقيقة لا تشير إلى العجز أو تدعو إلى مراجعة أو تقويم، لكنها قدر يتعالى فيه وجود مبارك على كرسي الرئاسة، فوق الشعور بالأزمة التي وصل إليها نظام الحكم في مصر.
الأزمة عند النظام في وجود «بديل»، وهو ما عجز عن صناعته. ورغم ذلك، يريد الاستمرار من دون الالتفات إلى أن الأزمة أكبر، وتدفع إلى تفكيك العلاقة بين النظام والدولة، وإعادة تركيبها لتسمح ببنية تحتية لنظام ديموقراطي جديد.
رئيس الحكومة يرى أيضاً أنّ احتجاجات العمال هي «حراك سياسي»، معبّراً عن «جهل فاضح» بما يعنيه «الحراك» أو «السياسة»، لأنّ العمال النائمين على الرصيف، يحتجّون على تصرفات حكومته، ولا يدعون إلى التغيير أو الإصلاح السياسي.
إنها حركات مطلبية، تعلن عجز الحكومة، وتعبّر عن حالة القلق الذي ينظر به المصريّون إلى مستقبلهم. والمدهش أنه بعدما قال رئيس الحكومة إنّ الاحتجاجات تشغل حكومته، شنّ الأمن، أمس، حملة عنيفة لإجلاء المعتصمين من على رصيف مجلس الشعب، كما اعتقل عدداً من قادة المعتصمين احتجاجاً.