الجزائر | يبدو أن الأزمة الاقتصادية التي أصابت الجزائر بعد انهيار أسعار النفط وتهاوي قيمة العملة الوطنية، أربكت السلطات التي لم تجد حلاً، على ما يبدو، إلا أن تطالب وزراءها وكوادرها بترشيد النفقات، في محاولة لجلب انتباه المواطنين الذين لم يتجاوبوا مع تعليمات الحكومة ووزارة المالية التي تمنع التعامل المباشر بالأموال بين الشركات والتجار، والداعية إلى ضرورة اكتناز الأموال في البنوك بدلاً من البيوت.
وقد وجه الوزير الأول، عبد المالك سلال، قبل يومين، مراسلة إلى الوزراء يدعوهم فيها إلى تخفيض النفقات بشأن الرحلات واستعمال الهواتف وهدايا نهاية السنة. وجاء في محتوى المراسلة، وهي الثانية من نوعها في شهرين ووصلت «الأخبار» نسخة عنها، أن الوزراء مدعوون إلى تخفيض النفقات في كل ما يتعلق بأمور تسيير الدوائر الوزارية من الناحية المالية، بدءاً من الاتصالات الهاتفية وصولاً إلى التنقلات الخاصة بالجولات والتفتيش في ولايات البلاد.
ومن النقاط التي أوصى بها سلال: تقليص نفقات الكراجات الخاصة بالسيارات بنسبة 50%، وذلك بإعطاء أولوية لصيانة العربات بدلاً من شراء أخرى جديدة، وكذلك يجب حجز تذاكر اقتصادية للطيران لسفر أي من كوادر الوزارة، بينما تبقى تذاكر الدرجة الأولى للوزراء فقط.
وكانت وزارة المالية قد أرسلت مذكرة توجيهية إلى الوزارات بشأن إعداد قانون المالية لعام 2016. وفي هذه المذكرة، كتبت أن «علامات التحذير من البيئة الاقتصادية الصعبة عززت الدعوة إلى أن تكون الحكومة أكثر حذراً في آفاق التزام الميزانية». كذلك كان الوزير الأول قد أمر أعضاء الحكومة والولاة بتأجيل المشاريع التي لم تطلق بعد، مع إلزامهم باستخدام المواد المصنعة وطنياً في ورشات الصفقات العمومية. واللافت أنه في خضم هذه القرارات تقرر الحدّ من التنقلات الرسمية إلى الخارج، وتقليص التكفل بالوفود الأجنبية إلا في حالة التمثيل القصوى.

عُمّم تقليل
السفريات واقتصار تذاكر الدرجة الأولى على الوزراء

هذه الإجراءات الرسمية توازيها دعوة المواطنين إلى ضرورة اكتناز أموالهم في البنوك بدلاً من البيوت، كذلك جرى تقديم وعود بمنح من يضع أمواله في البنك بفوائد سنوية وعدم مساءلتهم عن مصدر الأموال، بل ترك المتهربين منهم من الضرائب، وهو ما يتنافى مع تصريحات سابقة تقول إن العملية تهدف إلى محاربة تبييض الأموال.
مدير مركز «الرائد للدراسات الاستراتيجية»، سليمان شنين، قال إن «الجزائريين لا يثقون ببنوكهم بعد سلسلة الفضائح التي هزتها، خاصة ما يعرف بقضية بنك الخليفة، الذي لم يتمكن المكتنزون (المودعون) فيه إلى حدّ الساعة من استعادة أموالهم، رغم إغلاق البنك بعد إفلاسه منذ سنوات». واستدرك شنين: «كان من الأجدر فتح حوار مع مختلف الأطراف المعنية للخروج من الأزمة، لأن القرار من غير الواضح هل هو اقتصادي أو سياسي؟».
أما الخبير الاقتصادي رضا بودراع الحسيني، فقال إن الدولة أخفقت طوال 15 سنة حصلت فيها على سيولة مالية تاريخية بأكثر من 950 مليار دولار، لم تحقق خلالها الحد الأدنى من التنمية. وعدّد الحسيني بعض الحلول التي منها «استعادة الأموال المهربة، وتغليظ النصوص القضائية التي خفضت اعتبار اختلاس المال العام من جريمة إلى جنحة».
رغم ذلك، يرى مراقبون أن لجوء الدولة إلى هذه التعليمات بحق الوزراء خطوة محمودة، وهي لتشجيع الشعب على التقشف والاستجابة للإجراءات المتخذة لمواجهة الازمة، خاصة بعد غياب التفاعل مع دعوة وزير المالية إلى إيداع الأموال في البنوك.