strong>بدء الجولة الأخيرة من معركة فك حصار غزةبدا واضحاً أمس أن الجولة الأخيرة من معركة فك الحصار عن قطاع غزة قد انطلقت، بفضل الصديق التركي، لا الشقيق العربي الذي لا يزال يعاني أعراضاً تشبه الهذيان، هذا كي لا يقال جبن وتخاذل يصلان حد التواطؤ والخيانة

القاهرة ــ الأخبار
مقررات ثلاثة صدرت أمس عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، أهمها كما يظهر تلك الرسالة غير المعلنة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما. أي مضمون يفرض كتابتها بالحبر السري؟ سببان لا ثالث لهما لهذه البدعة الدبلوماسية، على ما يبيّنه المنطق: إما خجل من مضمون يستوجب كتمانه، أو حدة في الموقف يُخشى أن تؤدي إلى انتشار حال من الهلع في المنطقة، من مثل التهديد بوقف التفاوض وتحريكك الجيوش، حماة الأنظمة من شعوبها. التجارب السابقة تميل إلى الخيار الأول.
أما بالنسبة إلى تلك المبادرة ـــــ الاختراع، الأكثر سخافة من مبرّرات وجودها (على ما فسّرها سعود الفيصل ذات مرة)، فما عرضها على المؤتمر المقبل للقادة العرب إلا ذرٌ للرماد في عيون الكويت، التي امتشقت السيف، لا دفاعاً عن غزة وأهلها، بل ذوداً عن كرامة قبلية خدشها تعرّض الاحتلال لبضعة نشطاء كويتيين كانوا على أسطول الحرية.
بريطانيا تناقش مع الولايات المتحدة تخفيف حصار غزة وبان يطلب رفعه فوراً
يبقى نقل ملف الحصار إلى مجلس الأمن الدولي في محاولة لاستصدار قرار بإدانته تمهيداً لفكه. هو موقف الحد الأدنى الذي يحفظ ماء الوجه من مهانة أن يخرج اجتماع الوزراء بسقف أدنى من السقف التركي، الذي ساوى الحصار بالدماء التركية التي سالت في عرض البحر وطالب بفكه ثمناً لها. أصلاً ما حاجة ذوي الشهامة والكرامة لمجلس الأمن وبيدهم الحل والعقد. يكفي قرار يطالب مصر بالفتح الدائم لمعبر رفح كي يسقط الحصار إلى غير رجعة. أم هم نسوا أن الحصار عربي قبل أن يكون إسرائيلياً. وما خطوة فتح معبر رفح حالياً (المرحّب بها دائماً وأبداً)، التي تشدّق بها عمرو موسى أمس، إلا مناورة بهلوانية تخدم، في توقيتها، إسرائيل أكثر من الفلسطينيين لأنها تعطيها حجة نفي وجود مأساة في ظل حركة المسافرين والبضائع باتجاه مصر.
مهما يكن من أمر، فإن مذبحة الفجر قد أخرجت، بتداعياتها، ملف الحصار من الملعب العربي إلى الفضاء الأوسع الإقليمي بل الدولي، على ما بيّنته تصريحات بان كي مون والقيادة البريطانية التي بدأت تبحث مع الأميركيين عن أداة لفك هذا الحصار، وهي تتهدّد، في الوقت نفسه، دولة الاحتلال بـ«غولدستون 2»، فتسارع تل أبيب الخطى نحو إجراء تحقيق إسرائيلي بمشاركة أوروبية أو أميركية في محاولة لتجنبه.

الاجتماع العربي

على مدى أكثر من 200 دقيقة، اجتمع الوزراء العرب في القاهرة أمس، وخرجوا بنتيجة «لا شيء». الاجتماع انتهى مع ساعات الفجر الأولى، ودوّت فيه الخطابات الحماسية كالمعتاد، إلا أن المواقف الحاسمة أجّلت إلى وقت آخر.
وفسرت مصادر في الجامعة العربية تأخير الاجتماع الى الخلاف على سحب مبادرة السلام العربية، وهو القرار الذي كانت تسعى خلفه أكثر من دولة عربية، في مقدمتها سوريا وقطر، فيما كانت الكويت الاكثر حماسةً بعد قرار برلمانها أول من امس الدعوة الى سحب هذه المبادرة.
الخلاف على المبادرة كان القنبلة التي خشي منها الجميع، باعتبارها خطوة تعيد الموقف العربي الى مرحلة العداء المباشر مع إسرائيل، وهو ما ترفضه دول عربية مختلفة في أغراضها.
حديث المبادرة كاد يمنع وزير الخارجية الكويتي محمد السالم الصباح من الحضور، كما قالت شائعات تردّدت بقوة قبل الاجتماع، لكنه حضر ضمن ١٨ وزير خارجية، كان أبرز الغائبين عنهم وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل.
وبدأ الاجتماع بجلسة مغلقة، استمع خلالها الوزراء الى تقرير طويل من الوفد الفلسطيني عن القرصنة الاسرائيلية وتفاصيل الانتهاكات بحق المتضامنين مع الشعب الفلسطيني في قافلة الحرية، وذكر أهم محاولات ومبادرات قوافل كسر الحصار عن قطاع غزة، التي حاولت ونجحت أو فشلت في أن تطأ بأقدامها وعجلات مركباتها رمال القطاع المحاصر.
كذلك ناقش الوزراء المسوّدة التي قدمها المندوبون، وتتضمن أفكاراً حول الإجراءات القانونية والسياسية والدبلوماسية المقترح اتخاذها للتعامل مع هذه الجريمة الإسرائيلية، مثل السعي لانتزاع قرار بمحاكمة القادة الصهاينة على الجريمة «المكتملة الأركان» ضد نشطاء سفينة الحرية، فضلاً عن إمكان استصدار قرار يوصي برفع الحصار عن قطاع غزة، المستمر منذ ثلاث سنوات.
وكانت محصلة الماراثون الطويل مجموعة تأكيدات ومناشدات، أولها تأكيد الالتزام بإيصال المساعدات والمواد الغذائية والطبية ومواد البناء لإعادة الإعمار الى شعب غزة بمختلف الوسائل، والاتفاق على مطالبة مختلف الدول والمنظمات الدولية ومجلس الامن الدولي بإدانة الحصار واستصدار قرار من المجلس يدين الحصار ومساعدة المنظمات الانسانية لكسره.
كذلك كانت هناك إشارة الى تكليف المجموعة العربية في نيويورك التعاون مع لبنان وتركيا لعقد جلسة لمجلس الامن الدولي لإدانة الحصار واتخاذ الإجراءات لرفعه عن غزة.
أحدث ما في الموقف العربي كان الاتفاق على إرسال رسالة غير معلنة تفاصيلها إلى واشنطن تتضمّن موقف الدول العربية من المفاوضات، وترحيل مصير المبادرة العربية إلى اجتماع القمة المقبل، الذي لم يحدّد موعده.

الحصار والتحقيق

تل أبيب تخشى «غولدستون 2» وواشنطن تدعم التحقيق الإسرائيلي
مطالبة العرب بفك الحصار عن قطاع غزة والتحقيق الدولي في الاعتداء الإسرائيلي تبدو هامشيّة في ضوء التطورات الدولية المتسارعة على هذين الملفّين، ولا سيما بعدما ربط وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو عودة العلاقات مع إسرائيل إلى طبيعتها برفع دولة الاحتلال حصارها عن غزة، إضافة إلى إعادة المواطنين الأتراك سالمين.
وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ دخل على خط الحصار أمس، بالإشارة إلى أن لندن وواشنطن تبحثان ما يمكن القيام به لتخفيف الحصار الاسرائيلي. وأضاف، أمام البرلمان، إن الاعتداء على قافلة كسر الحصار نشأ عن «الوضع غير المقبول وغير المحتمل في غزة». وقال «سنواصل الضغط على الحكومة الاسرائيلية لرفع الحصار المفروض على غزة ونعتزم إجراء مباحثات قريباً مع إسرائيل ومع شركائنا الدوليين الآخرين بشأن ما يمكن القيام به من إجراءات إضافية لضمان تدفق المساعدات دون عوائق مع ضمان أن تصل المساعدات لمن هم في حاجة إليها ولا يساء استخدامها».
كذلك، أعلن الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة يجب أن «يرفع فوراً». وقال إن الحادث الخطير الذي مثّله الاعتداء الدامي للجيش الاسرائيلي على أسطول الحرية «يلقي الضوء على حصار القطاع المستمر منذ وقت طويل». وأضاف «يجب القيام بكل ما يلزم لتحاشي حصول حادث آخر من هذا النوع. يجب على الاطراف المعنية التحرك بمسؤولية وطبقاً للقانون الدولي».
بان تطرّق أيضاً إلى قرار مجلس حقوق الإنسان إرسال لجنة تقصّي حقائق، مشيراً إلى أن عليه انتظار انتهاء تحرياتها، متوقعاً أن «يكون الانتظار طويلاً».
قرار مجلس حقوق الإنسان مثّل هاجساً لإسرائيل التي عاد شبح تقرير غولدستون إلى أذهان مسؤوليها، الذين سارعوا إلى الحديث عن تحقيق إسرائيلي، ومشاركة دولية، لتجنّب التحقيق الخارجي.
توجّه مدعوم بالكامل من الولايات المتحدة، التي قال المتحدث باسم وزارة خارجيتها فيليب كراولي «إن اسرائيل هي الاكثر أهلية للقيام بهذا التحقيق وقادرة تماماً على التحقيق في هذه القضية التي تورّطت فيها قواتها».