strong>دنت لحظة الحقيقة. رواية إسرائيل، بما حملت من تلفيقات وكذب، سرعان ما تحولت إلى أضغاث أحلام ما إن خرج أول الضحايا من أسر المحتل، في مقدمتهم النائبة حنين زعبي التي كانت أول من عرض الرواية الحقيقية. كانت حقاً مذبحة بكل ما تحمله الكلمة من معنى
كلمات للتاريخ. صور للذكرى. مشاهد تحكي بالصوت الحيّ عن همجية إسرائيل وبطشها وعجرفتها. إنها رواية حنين زعبي (ابنة التجمع الوطني الديموقراطي) وعصام زعتر (مصور «الجزيرة») اللذين أفرجت عنهما قوات الاحتلال، مع عشرات آخرين من الأسرى على مدة ساعات يوم أمس. تحدثا عن أصعب لحظات حياتهم، لحظة تحولت فيها رحلة آمنة إلى ساحة حرب «أبطالها» جنود جبناء مجرمون انقضّوا على المدنيين العزّل بالذخيرة الحية، إلا من قوة العزيمة ونبل القضية ومعهما أدوات طعام... بلاستيكية.
قالت زعبي: «ما شاهدناه كان فظيعاً. لم أتخيل، رغم الحياة السياسية العاصفة التي نعيشها، ورغم معرفتي بعدائية إسرائيل، ما حدث». وأوضحت: «في الساعة الحادية عشرة والنصف (أول من أمس)، دخلت إلى غرفة القبطان وشاهدت 4 أضواء من سفن إسرائيلية. وسُئل القبطان التركي من سلاح البحر الإسرائيلي عن هوية السفينة، فقال إنها سفينة سلام جاءت لكسر الحصار عن غزة، وكنا حينها في المياه الدولية. وفي الساعة الواحدة ليلاً (أول من أمس)، زاد عدد السفن الإسرائيلية، وقد شاهدت 14 سفينة».
وتابعت زعبي أنه «في الساعة الرابعة فجراً (أول من أمس)، تعرضنا لأبشع هجوم موجود على الكرة الأرضية، إذ وصل عدد الجثث التي كانت أمامنا إلى خمس. فكتبت عبارة بالعبرية أطلب فيها المساعدة، لكن لا أحد تجاوب معنا. في السادسة صباحاً (أول من أمس)، اعتقلنا وحُقِّق معنا». وأضافت: «فوجئت بما حدث، فتوقعت أن تعتقلنا إسرائيل. لكن لم أتوقع هذه النتيجة. إسرائيل أعدّت لهذا الهجوم».
وطالبت زعبي بـ«تحقيق دولي بجريمة إسرائيل»، و«بإطلاق سراح جميع المعتقلين»، كاشفة عن أنه «خلال سيطرة الجيش على سفينة مرمرة، أُعطيت إشارة إلى الجيش بعدم إطلاق النار. لم يقم الجيش بذلك»، ومشددة على أن «كل الادعاءات الإسرائيلية بوجود إرهابيين وأسلحة هي عارية من الصحة».
أما زعتر فقال من جهته، في اتصال هاتفي من بروكسل بعدما تمكنت السلطات البلجيكية من الضغط على إسرائيل واستعادته لكونه يحمل الجنسية البلجيكية، إن الدولة العبرية «فاجأت سفن الأسطول بتنفيذ الهجوم»، مشيراً إلى أن السفينة التركية كانت «أولى السفن التي تعرضت للهجوم بعنف وغوغائية، حيث انهمرت القنابل الصوتية وحلقت المروحيات فوقها، حتى تطاير كل ما على متنها». وأضاف أن «الزوارق البحرية كانت ترتطم بها مباشرة ويصعد إليها الجنود، وقد هاجمها مئتا جندي تقريباً».
وأكد مصور «الجزيرة» أن الجنود الإسرائيليين «لجأوا إلى العنف، وحاولوا ضربه بهراوة كهربائية وكسر آلة التصوير، فأصابوه وكسرت يده، وعندما قال لهم خذوا الأشرطة ودعوا لي معداتي الصحافية، رفضوا وصادروها قائلين: فلتتحمل الجزيرة أعباء هذه المهمة لأنها من أرسلتك إليها».
وعن تمكنه من الاحتفاظ بأي تسجيل، قال زعتر إنه «قام بتصوير أشرطة احتياطية لمدة قصيرة، وأخفى التسجيلات تحسباً لمصادرتها منه، لكن جنود البحرية لم يسمحوا للمتضامنين بأخذ أي شيء، فخرجوا بجوازات السفر وحدها»، مشيراً إلى أنه «تمكن فقط من أخذ دواء مسكّن للألم بعدما كسرت يده». وأضاف أن المحققين طلبوا منه القول إنه كسر يده بعد وقوعه عن متن السفينة.
وتحدث زعتر عن تعرضه «لعنف نفسي ومعنوي كبير عبر التحقيقات الطويلة والمرهقة التي لم يعهدها حيث يقيم في البلدان الأوروبية»، ولفت إلى أن جنود الاحتلال «استجوبوه حول الانتماءات السياسية لطاقم الجزيرة». وفي ما يتعلق بزملائه الذين لا يزالون محتجزين، أبدى خشيته من «تعرضهم لعنف وضغوط»، مشيراً إلى أنه «تعرض لذلك رغم كونه مواطناً أوروبياً». وأكد عدم استخدام المتضامنين أي أسلحة بيضاء في وجه الجنود الإسرائيليين.
نشطاء آخرون حملوا معهم قصص الهمجية نفسها. ووصفت الناشطة التركية نيلوفير جيتين، بعد وصولها إلى تركيا، ما حدث قائلة إن «كل شيء بدأ بطلقة تحذيرية. لكن عندما واصلت سفينة الركاب التي كنا على متنها الإبحار، تحولت الطلقات التحذيرية إلى نيران أسلحة، ثم أطلقوا قنابل دخان وقنابل الغاز. بعدها، بدأوا في الهبوط على سطح السفينة من طائرات هليكوبتر، حيث كانت سفينتنا محاصرة بعدد من الزوارق». وأضافت أن «الاشتباكات كانت على بعد 30 متراً من قمرتنا. حدثت اشتباكات شديدة وعنيفة. يمكنني القول إن السفينة بأسرها مغطاة بالدماء الآن».
وفي باريس (بسام الطيارة)، كان لـ«الأخبار» لقاء مع يوسف بن دربال، الفرنسي الوحيد الذي عاد إلى بلاده أمس. تحدث عن سبب خروجه وترك رفاقه، قائلاً إنه «رأى أن دوره في الخارج مسؤولاً للإعلام» أهم من بقائه في «المعتقل»، قبل أن يعود إلى عملية الاعتقال. أوضح قائلاً: «نحن أعلنا أننا نريد التوجه إلى غزة. لكن عند مهاجمتنا، كنا في المياه الدولية». وبعدما سيطر رجال الكوماندوس على البواخر، «جرى فرز الناشطين وعزلهم على نحو رهيب مع منع الكلام».
ورداً على سؤال عما إذا كان قد «وقّع تعهداً ما» قبل إطلاق سراحه، لم يجب بن دربال، واكتفى بالقول إن «الإسرائيليين بدوا مستعدين لهذا الأمر استعداداً جيداً جداً».
وعن سبب عدم المرور في مصر، أشار بن دربال إلى أن «عدداً من المعونات لا تزال عالقة في العريش منذ أشهر»، وبالتالي فإن المعونات التي حملها الأسطول، والتي قدّرها بعشرة آلاف طن من المساعدات، كانت ستبقى إلى جانب المعونات السابقة. وأكد أن «الهدف هو أولاً وأخيراً كسر الحصار غير القانوني»، مشيراً إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
ويبتسم بن دربال وزميله إيروان بيك لدى السؤال عن صحة وجود أسلحة مع النشاطين. ويقول بيك إن جميع الركاب كانوا من المتطوعين للعمل الإنساني، كاشفاً عن وجود «سفير أميركي بين الناشطين هو إدوارد بيك، الذي عمل سفيراً سابقاً في العراق، ويبلغ من العمر ٨١ عاماً، إلى جانب ناجين من المحرقة». ويضيف أن التعليمات شددت على ضرورة «المقاومة السلمية بالتمدد أرضاً، وحماية قمرة القبطان». وأضاف: «إذا تأملنا الصور جيداً، فسنجد أربعة أشخاص يحملون عصياً»، لافتاً إلى أن «لجنة التحقيق الدولية ستظهر الحقيقة».

كل الادعاءات الإسرائيلية بوجود إرهابيين وأسلحة هو عارٍ من الصحة
الناشط اليوناني ميخاليس غريغو روبولوس، الذي كان على متن القارب «اليفيري ميسوغيو»، قال أيضاً إن «الجنود الإسرائيليين الذين اقتحموا الأسطول استخدموا الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع وأسلحة الصعق الكهربائي ضد ركاب السفينة». وأوضح أنه «قبل ساعة، أي عند الرابعة والنصف (فجر أول من أمس)، سمعنا إطلاق نار على مرمرة، وأُنزل جنود إسرائيليون من مروحيات على القارب». وقال إن «الجنود قفزوا إلى داخل القارب نحو الساعة الخامسة (أول من أمس)».
وانتقد روبولوس «ظروف الاعتقال القاسية في أشدود»، مضيفاً: «أجبروني على التوقيع على طردي من دون أن أفهم ما كتب في الأوراق، لأنه لم يكن لي الحق في مترجم أو محام أو الاتصال بعائلتي».
الناشطان الألمانيان العائدان إلى بلادهما أدليا بشهادات أيضاً عن المجزرة. وقال النائب السابق عن حزب «دي لينك» اليساري المتطرف، نورمان بيك (72 عاماً)، الذي كان على متن سفينة مرمرة: «رأيت عصوين خشبيتين. لا شيء أكثر». وأضاف خلال مؤتمر صحافي: «لم نر سكاكين استخدمت كأسلحة. دافعنا عن أنفسنا بعصي».
وأعيد بيك مع أربعة من مواطنيه. وأكدت النائبتان عن الحزب نفسه، أنجي هوغر (59 عاماً) وأنيت غروث (56 عاماً) الأمر نفسه: «لم يكن أحد مسلحاً».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي، أ ب)