واصل المعلّقون الإسرائيليّون صبّ جام غضبهم على صُنّاع القرار في إسرائيل جرّاء الضرر الذي لحق بصورة الدولة العبرية وهيبة وحدات النخبة فيها، على خلفية الفشل المدوّي الذي مُنيت به إسرائيل على جميع الصعد أثناء الاعتداء على أسطول الحرية
مهدي السيّد
امتلأت الصحف اليوميّة الرئيسية في إسرائيل، «يديعوت أحرونوت» و«معاريف» و«هآرتس» و«إسرائيل هيوم»، أمس بالمقالات التي انكبّت على تحليل تداعيات الاعتداء على أسطول الحرية، في ظل شبه إجماع على أن إسرائيل رسبت في اختبار النتيجة على جميع المستويات، ما انعكس حالة من خيبة الأمل حيال الأداء الإسرائيلي.
ورأى ناحوم برنياع، كبير المعلّقين في «يديعوت أحرونوت»، أنه «بامتحان النتيجة، فإن السيطرة على سفينة الاحتجاج التركية انتهت نهاية سيئة». وعدّد المشكلات التي يمكن أن تنشأ جراء النهاية السيئة: «سيكسر الحصار على غزة، سواء لأن الحكومة، خلافاً لأقوال التبجّح التي سمعت أمس، ستخشى تورطاً آخر، أو لأن سفن سلاح البحرية التركية ستصحب الرحلات القادمة وتحميها. ستقوى حماس في العالم العربي وفي الغرب. وسيقوى محور تركيا ـــــ إيران ـــــ سوريا ـــــ حماس. وستتراجع صورة إسرائيل في العالم الى الحضيض، وتشتعل الضفة، ويشتعل الوسط العربي في الدولة».
وتساءلت المحللة السياسية في «يديعوت»، سيما كدمون، عن سبب انتهاء «أيّ شيء فعلناه في السنوات الأخيرة بانعدام الإتقان والتفكير، والإهمال».
وطالب المحلل الاقتصادي في «يديعوت»، سيفر بلوتسكر، وزير الدفاع إيهود باراك بالاستقالة وكتب أنه «ليس مهماً كيف تم اتخاذ القرار بالدخول إلى فخ حماس الاستفزازي، وإنما الأمر المهم هو النتيجة، وهي أن إيهود باراك فشل فشلاً ذريعاً وعليه أن يستقيل».
وفي «يديعوت» أيضاًَ تناول المحلل السياسي إيتان هابر نشوة القوة الإسرائيلية. ورأى أنه كان بالإمكان حل الأمر بطرق سلمية، «لكننا أكبر من الجميع. فقد فجرنا مفاعلات نووية واقتحمنا بلباس نسائي غرف نوم مخربين في بيروت (في إشارة إلى عمليات اغتيال نفذها باراك) وعينتيبة واعتقدنا دائماً أن القوة هي الحل».
وفي «هآرتس»، كتب المحلل العسكري عاموس هرئيل أن إسرائيل ستواجه صعوبة بالغة في شرح موقفها أمام العالم لأنه «لا يمكنها أن تفسر النتائج المتمثلة بسقوط 9 مواطنين قتلى، ومن دون قتلى في جانبنا، وهؤلاء أيضاً مواطنو دولة كانت حتى قبل وقت قصير صديقتنا الكبرى في
المنطقة».
وطالبت افتتاحية «هآرتس» بتأليف لجنة تحقيق رسمية ومستقلة للتدقيق في اتخاذ القرارات وتحديد من يجب محاكمته على «هذه السياسة الخطيرة»، معتبرة أن المسألة لا تتعلق بمن سينتصر وإنما من سيفوز بنقاط في الرأي العام وبالشرعية وبالتفهم «وفي هذا الامتحان فشلت حكومة نتنياهو فشلاً ذريعاً».
وأضافت «هآرتس» إن «إسرائيل فقدت بسبب سياسة الحصار المتواصل على غزة شرعيتها في العالم، والآن تصبح هذه السياسة سهماً مرتدّاً يضرب إسرائيل».
وكتب آري شافيت في «هآرتس» أن «أسئلة لا نهاية لها تطرح. ماذا حدث للقدرة على الابتكار التي تفاخر بها إسرائيل؟ لماذا اعتمدت أسوأ الاختيارات الممكنة؟ أين كان رئيس هيئة الأركان؟ أين كانت أجهزة الاستخبارات؟». وأضاف «لماذا لم نستطع أن نرى أننا لم نكن نشدد الحصار على غزة، بل كنا نشدد الحصار على أنفسنا؟».
وأعرب يوسي ميلمان، مراسل الشؤون الأمنية في «هآرتس»، عن اعتقاده بأن «الخطأ كان في الصعود الى تلك السفن بدلاً من تخريبها». وأضاف إن «المشكلة في إسرائيل هي أنها ترى أن كل حادث صغير يمثل تهديداً استراتيجياً لوجودها». وقال «تعلّموا الدروس من التاريخ. لا يمكن كسب حرب ضد مدنيين. إنه وضع يخسر فيه الطرفان».
بدوره، رأى رؤوبين بدهتسور، في «هآرتس»، ما حصل بأنه كان «إخفاقاً من كل زاوية ممكنة». وأضاف إنه «لا حاجة الى انتظار التحقيق المفصل لنشير الى أنه يصعب أن نفهم كيف تخفق عملية خطط لها سلاح البحرية زمناً طويلاً».
وفي «معاريف»، أعرب المحلل السياسي بن كسبيت عن تأييده التام للحصار على غزة، وعن التعامل بندية وحزم مع الأتراك، لكنه قال إنه «لا يكفي أن تكون محقاً في البحر، بل عليك أن تكون حكيماً». ورأى أن الاعتداء «كان غباءً مطلقاً ومزيجاً من الإخفاقات». ورأى أنه سيلحق «ضرراً عظيماً بإسرائيل في مجالات لا حصر لها».

إذا كانت هذه هي نتائج محاولة السيطرة على سفينة غير مسلّحة، فما الذي ينبغي لنا أن نفكر به عند المواجهة المتوقّعة حيال إيران؟

وأضاف كسبيت إن الفشل بدأ في «الإخفاق الاستخباري اللاذع، وتواصل بفشل عملياتي، لكن العنوان الرئيسي هو الفشل السياسي. في رأس هرم هذه الإخفاقات يقف أولئك الذين أصدروا الأمر الغبيّ على نحو فظيع».
وتساءل كسبيت بتهكّم عن أنه «إذا كانت هذه هي نتائج محاولة السيطرة على سفينة غير مسلحة على مسافة ربع ساعة من أسدود، فما الذي ينبغي لنا أن نفكر به عند المواجهة المتوقعة حيال إيران؟ وماذا يفترض بالإيرانيين أن يفكروا بهذا الآن؟».
ورأى كسبيت أن ما حصل كان إهانة لوحدة النخبة في الجيش الإسرائيلي ومسّاً بقدرة الردع، فقال إن «الوحدة البحرية 13، الوحدة الأكثر فخراً لشعب إسرائيل، أهينت أمس»، في إشارة إلى المشاهد التي أظهرت تعرّضهم للضرب المبرح. وأضاف إن «الصورة الإسرائيلية تلقّت ضربة قاضية. وكل هذا حصل في عمق المياه الدولية وجعل إسرائيل دولة قراصنة». وسأل «ماذا سنفعل حين سيأتي الأسطول القادم، الذي سيضمّ عدداً أكبر من السفن مع عدد أكبر من الناس وربما أيضاً مع بعض السفن الحربية
التركية؟».
وفي «إسرائيل اليوم»، تحدث نحمان شاي، عن حرب جديدة تواجهها إسرائيل، هي حرب دعائية في الأساس. ودعا إلى ضرورة الاستعداد لها بصورة أفضل، معتبراً أنه ليس هناك منتصرون في الحرب الجديدة.