إسرائيل ماضية في غيّها. الغضب الدولي لا يبدو في طريقه لإثناء الجيش الإسرائيلي عن ارتكاب جرائم أخرى في عرض البحر، مدعوماً بمواقف حكوميّة ومعارضة ترى في المجزرة الأخيرة «دفاعاً عن النفس»
علي حيدر
بدأت إسرائيل باستغلال النتائج الدموية التي نجمت عن عملية القرصنة التي قامت بها وحدات النخبة البحرية، عبر توجيه رسالة مفادها بأنها لا تزال جاهزة للتصدي لأي محاولة جديدة تستهدف إيصال مساعدات غذائية إلى قطاع غزة. وأكد أحد الضباط الإسرائيليين الرفيعي المستوى، لإذاعة الجيش، أن المؤسسة العسكرية لا تزال على استعداد لاستخدام المزيد من العنف في مواجهة أي قافلة سفن جديدة تحاول العبور إلى القطاع.
وأشار ضابط آخر، لصحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية أمس، الى أن «قوات الجيش ستكون في المرة المقبلة جاهزة كما لو أنها في حالة حرب».
وفي الوقت الذي غابت فيه ردود الفعل الإسرائيلية المباشرة على الموقف التركي الحازم الذي عبر عنه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في كلمته أمام البرلمان، شدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال جلسة اجتماع للمجلس الوزاري المصغر، على أن إسرائيل لن ترفع الحصار الذي تفرضه على قطاع غزة رغم الضغوط الدولية المطالبة برفعه.
ورأى نتنياهو، وفق بيان صادر عن مكتبه، أنه «ليس هناك إمكانية لممارسة الحصار من دون تفتيش محتويات السفن»، ووضع ذلك في إطار المحافظة على أمن إسرائيل و«حقها في الدفاع عن نفسها». ولمزيد من تبرير هذه السياسة، أضاف البيان «صحيح أنهم يهرّبون السلاح عبر الأنفاق، لكن حجم التهريب عبر البحر كميته أكبر بما لا يقارن، وفتح مسار بحري إلى غزة سيمثّل خطراً بالغاً جداً». ووصف قافلة الحرية التي كانت تنقل مواد غذائية إلى القطاع بأنها كانت «قوة عنيفة ومنظمة».
وفيما تواصلت ردود الفعل الدولية المستنكرة للعملية الإسرائيلية، وفي ظل تقدير المراقبين لمزيد من الخطوات التركية التصعيدية، تبادل المسؤولون الإسرائيليون الاتهامات وتحميل بعضهم المسؤولية. وعبر عدد من وزراء السباعية عن غضبهم على نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك على خلفية اتخاذهم قراراً بالسيطرة على قافلة السفن من دون أي نقاش. ورأى عدد منهم أن «سلسلة من الإخفاقات، لا سابق لها، تقف وراء القرار السياسي والعملياتي بالسيطرة على سفن قافلة المساعدات إلى القطاع في قلب البحر». وتركزت الانتقادات على وزير الدفاع الذي «اتخذ القرار بالعملية وقدّمها أمام رئيس الحكومة للتصديق عليها، من دون إجراء أي نقاش منظّم في المجلس الوزاري أو السباعية، رغم أنها لا تتمتع بأي صفة قانونية». ونتيجة لذلك، طالب عدد من الوزراء باراك باستخلاص النتائج والاستقالة فوراً من منصبه.
وأشارت تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن النقاشات التي أجرتها القيادة السياسية ركزت على القضية من ناحية مبدئية، أعقبها اتخاذ قرار بعدم السماح للسفن بالدخول إلى المياه الإقليمية للقطاع، من أجل عدم كسر الحصار البحري عليه.
وشدد مسؤولون إسرائيليون على أن من غير الممكن السماح لوزارة الدفاع باتخاذ قرارات ذات آثار استراتيجية ودولية من الدرجة الأولى. وحذروا من تكرار هذا الأمر بالنسبة إلى السفن المقبلة التي ستصل إلى هنا. ورأوا أن من الضروري القيام بعملية إصلاح بسرعة.
في المقابل، حاول وزير المال يوفال شطاينتس التقليل من خطورة ما حصل بالقول إنه «لا يتوقع نجاحاً بنسبة 100 في المئة، في عمليات إيقاف القافلة إلى قطاع غزة». وبرر الحصار بالقول إن «كسره سوف يؤدي إلى تدهور أمني إضافي عبر إطلاق الصواريخ والعمليات الإرهابية من قطاع غزة»،
وفي موقف يعكس توافق الحكومة والمعارضة الإسرائيليتين حول استمرار الحصار ومنع أي محاولة إيصال مواد غذائية إلى القطاع، رأى رئيس لجنة الخارجية والأمن، عضو الكنيست عن حزب «كديما» تساحي هنغبي، أن «هناك منطقاً أمنياً وأخلاقياً بعدم فتح مسار حر إلى قطاع غزة، ولدينا الحق بالعمل بالطريقة التي عملنا فيها».
وفي السياق، دافع رئيس أركان الجيش غابي أشكنازي عن أداء الجيش الإسرائيلي. وتوجّه إلى جنوده بالقول «لقد أرسلناكم إلى هذه العملية العسكرية وكان أداؤكم رائعاً»، لكنه عاد واستدرك بالقول إن «ثمة حاجة إلى التحقيق في ما حدث». وفي محاولة من الجيش لدفع المسؤولية عنه، ادّعى بأنه استنفد جميع الخيارات العملانية المتاحة، وأنه لم يكن أمامه خيار آخر. وقال رئيس قسم العمليات في الجيش، العقيد ايتسيك ترجمان، أمام لجنة الخارجية والأمن، إن قوات البحرية الإسرائيلية التي اعترضت قافلة الحرية «خربت محركات خمس سفن» لمنعها من التوجه إلى القطاع.
أما بخصوص عدم اعتماد الأسلوب نفسه مع سفينة مرمرة، مسرح المجزرة الإسرائيلية، فبرر ترجمان ذلك بالقول إن «الجيش تجنب تخريب محركاتها لأن ذلك كان سوف يبقيها في عرض البحر، وهي السفينة الأكبر في القافلة، أضف إلى أن اقتيادها إلى ميناء أسدود كان سوف يستغرق أياماً طويلة». والتزاماً بالرواية الإسرائيلية، كرر الضابط مقولة إنه كان بأيدي ناشطين على متن السفينة مسدسان انتُزعا من جنديين إسرائيليين.
وفي موقف ينطوي على فشل استخباري، ادّعى ترجمان بأن الجيش هاجم السفينة في الساعة 04:20 قبيل فجر أول من أمس، انطلاقاً من تقديره بأن ركابها نيام. لكن الصور التي وزعتها الآلة الدعائية الإسرائيلية أظهرت أن العشرات من ركاب السفينة كانوا على ظهرها لحظة إنزال الجنود.
وفي تعليق على بيان مجلس الأمن الدولي، رأت مصادر مقربة من رئيس الحكومة الإسرائيلية أنه «أهون الشرّين»، وخصوصاً أنه يختلف عن مسودة البيان التركي التي قُدمت لمجلس الامن.
أما وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان فقد عبر، في اتصال بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، عن رفضه للقرار وأبدى استياءه من «نفاق وتلوّن» المجتمع الدولي. وانتقد اهتمام المجتمع الدولي بقتل إسرائيل لعدد من المدنيين، فيما لا يكترث لمقتل نحو 500 شخص خلال الشهر الماضي، في كل من أفغانستان وباكستان والعراق والهند وتايلاند.