strong>جمانة فرحات مرّة جديدة تبرز مصالح الدول والشركات لاستغلال الموارد في الدول الفقيرة كسبب رئيسي في مقتل السكان المحليين وتشريدهم. وكشف تقرير لـ«التحالف الأوروبي في شأن النفط في السودان»، بعنوان «الدين غير المدفوع»، عن وجود احتمالات بتواطؤ اتحاد شركات قادته شركة «لوندين أويل» السويدية للتنقيب عن النفط في فظائع ارتُكبت في السودان بين عامي 1997 و2003.
شبهة تواطؤ تهدد بإطاحة وزير الخارجية السويدي الحالي، كارل بيلت، في حال ثبوت تورط الشركة التي كان أحد أعضاء مجلس إدارتها من عام 2000 حتى تسلّمه منصبه الوزاري عام 2006.
ورأى التحالف أنّ اتفاق التنقيب عن النفط، الموقّع بين الحكومة السودانية واتحاد الشركات المكوّن من «لوندين اويل»، التي تحوّل اسمها إلى «لوندين بتروليوم»، وشركة «بتروناس» الماليزية ومجموعة «أو. إم. في» النمساوية للطاقة وشركة نفط حكومية سودانية، في المناطق المتنازع عليها في جنوب السودان عام 1997، «أشعل حرباً للسيطرة على حقول النفط».
وأكّد التحالف، الذي يضم 50 من المنظمات الأوروبية العاملة من أجل السلام والعدالة في السودان، أنّ الاتفاق أعطى المنطقة التي تعرف باسم «بلوك أيه 5» بُعداً استراتيجياً وحوّلها إلى نقطة محورية في الحرب الأهلية المشتعلة بين الجيش السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان. وقدّر التحالف أنّ اثني عشر ألف شخص قُتلوا أو قضوا جوعاً أو تعباً أو من أمراض مرتبطة بالنزاع بين عامي 1997 و2003 في المنطقة.
وشكّك تقرير التحالف في الدور الذي أدّاه اتحاد الشركات، لافتاً إلى أن الكونسورتيوم «قد يكون متورّطاً في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية». وقال التقرير إنه «طوال فترة الحرب عملت الشركات جنباً إلى جنب مع مرتكبي الجرائم الدولية». وأوضح أنّ كونسورتيوم الشركات كان ينبغي له أن يكون على «بيّنة من التجاوزات التي ترتكبها الجماعات المسلحة جزئياً لمصلحة الاحتياجات الأمنية للشركات النفطية».
تورّط الشركات، وفقاً للتقرير، يأتي أيضاً بسبب فشلها في التحرك لمنع ما يحدث، وعدم لجوئها إلى مطالبة الحكومة بضمانات على احترام التزاماتها القانونية الدولية عند تأمين عمليات الكونسورتيوم، ما يعزّز الاعتقاد بأنّ اتحاد الشركات وافق ضمنياً على «مخاطر التواطؤ المحتمل في جرائم الحكومة». كذلك، اتهم التقرير اتحاد الشركات بأنه سهّل، عبر البنى التحتية التي أنشأها، ارتكاب مختلف أطراف النزاع لجرائمها بعدما مكّنها «من الوصول إلى المجتمعات المعزولة سابقاً لتهجير السكان في المنطقة».
وتتقاطع معلومات التقرير مع ما سبق أن أكّده المقرر الخاص لحقوق الإنسان في السودان، للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، غيرهارت باوم، في آذار 2001، عن تلقّيه معلومات «عن لجوء الحكومة (السودانية) إلى عمليات الإخلاء القسري للسكان المحليين، وتدمير القرى لإخلاء المناطق والسماح لعمليات النفط بالمضيّ قدماً دون عوائق».
ومن هذا المنطلق، دعا التحالف السويد وماليزيا والنمسا إلى فتح تحقيقات مع الشركات للتأكّد من صحة الادعاءات. وهو ما سارع المدعي السويدي، ماغنوس إيفلنج، إلى الالتزام به. وأكّد في بيان نُشر على موقع المحكمة على الإنترنت أنّ «غرض التحقيق هو بحث ما إذا كان هناك أفراد لهم صلات بالسويد يشتبه في ضلوعهم في الجريمة».
وفيما امتنع البيان عن ذكر اسم وزير الخارجية، بدأت ترتفع أصوات المعارضة السويدية المطالِبة باستقالة بيلت، وأبرزها من وزير العدل السابق، توماس بودستروم، موصياً وزير الخارجية بـ«الابتعاد عن الساحة السياسية» لأنه لم يُفتح على الإطلاق تحقيق قضائي بحقّ «شخصية في هذا المنصب» بشأن معلومات بهذه الخطورة.
في المقابل، رفض رئيس الوزراء فريدريك راينفلت التعليق على الموضوع، فيما رأى بيلت أنّ بنود التحقيق غامضة، داعياً إلى عدم «التسييس أو التعليق على أعمال وكالات إنفاذ القانون»، ولا سيّما أنّ إثارة تورط بيلت تأتي في وقتٍ يقترب فيه موعد الانتخابات السويدية المقرّرة في أيلول.