القدس المحتلة | رافقنا «رامبو القدس» داخل أزقة البلدة القديمة. تجوّلنا هناك تحت عيون الجنود، على مسافة رصاصة قد تطلق باتجاهنا أو باتجاه المارة، في أي لحظة. أبناء المدينة جميعاً يعرفون «رامبو». الكل يسلّمون عليه وهو يرد التحية، لكن ما يوحي به اللقب لا علاقة له بعمر المُكنى، فهو فتى لم يتجاوز 17 سنة، واسمه الحقيقي نور الدين شبلي.
برغم صغر سنه، فإن نور الدين اعتُقل أكثر من 15 مرة، وأُبعد عن البلدة القديمة والحرم القدسي كما حرم الدراسة، وهو يعاقب بالحبس المنزلي. أمّا قصة اللقب، فتعود إلى اعتقاله الأول، حينما أتت قوات كبيرة من الوحدة الخاصة وشرطة العدو وأطبقت على البلدة القديمة، ثم أخلت السكان من بعض المنازل، إلى حدّ أن أهل المدينة شعروا بأن حدثاً بالغ الأهمية في انتظارهم، وأن القوات أتت لاعتقال خلية كاملة من المقاومة. واكتشف السكان لاحقاً أن كل ذلك من أجل اعتقال نور الدين.
هو الابن البكر في أسرته. استشهد والده عام 2009، وله أخ أسير ــ قاصر يقبع في زنازين الاحتلال حتى اللحظة. يقول شبلي لـ«الأخبار»، وهو يشير نحو المرابطين في باحة الحرم القدسي، «لا أستطيع أن أجلس في بيتي وأبناء بلدتي ومدينتي يقاومون الاحتلال. ليس بمقدوري أن أغيب عن أي فعالية لنصرة الأسرى. لا أستطيع أن أغيب عن أي مواجهة مع المحتل. هذا عدو يتربص بنا عند مداخل بيوتنا، إذا تركناها (القدس) يأتي المستوطنون ويستولون عليها بالقوة».
ورداً على سؤال «هل كان يخاف الاعتقال؟»، أجاب: «تعرّضت للاعتقال أكثر من 15 مرة، وأصبت مرات عدة. في المرة الأخيرة، كانت الإصابة أثناء فعاليات نصرة الأسير محمد أبو علان. الاعتقال يزيدني عزماً. تعرّضت للشبح والضرب والتعذيب، لكن ذلك لا يخيفني».
يرصد المتجوّل في أزقة البلدة القديمة اشتباكات يومية بين أبنائها، من نساء وأطفال وشبّان من جهة، وجنود الاحتلال وشرطته من جهة ثانية، حتى صارت القدس مسرحاً يومياً للمواجهات والاعتقالات. تبدأ المواجهات، منذ ساعات الصباح الباكر لتستمر بصورة متقطعة ومتفاوتة خلال النهار، على أن تتجدد وتزداد لتبلغ ذروتها مع حلول المساء.
ويُلاحظ أن شباب القدس صاروا يقسّمون أدوارهم على «ورديّات»، كأن المقاومة مهنتهم. منهم من يقاوم في أول النهار ومنهم بعد قيلولة الظهيرة، ومنهم عند المساء وجزء في آخر الليل... حتى الفجر.
لا بد من الإشارة إلى أنه لا يكاد يخلو أي بيت فلسطيني، وخصوصاً في القدس، من مرارة السجن. ووفق «هيئة شؤون الأسرى»، فقد شهد آب الماضي أعلى نسبة اعتقال في صفوف الأطفال القاصرين، منذ بداية العام الجاري، كما أن عدداً كبيراً من الأسرى القاصرين يعانون أمراضاً مختلفة ويحتاجون إلى علاج دائم، فضلاً عن تعرّضهم للتنكيل والتعذيب، خلال الاعتقال والتحقيق. وكذلك فإن غالبيتهم انتزعت منهم اعترافات بالقوة والتهديد، وحوكموا غيابياً.
يقول رئيس لجنة «أهالي أسرى القدس المحتلة»، أمجد أبو عصب، لـ«الأخبار»: «الآن، نحن على أعتاب أعياد يهودية وفي هذه المدة تزداد حدة الاعتقالات، بهدف إعطاء الفرصة الكافية للمستوطنين لاستباحة المسجد الأقصى واقتحامه بحرية».
يضيف أبو عصب: «لم تتوانَ المحاكم العسكرية الإسرائيلية عن إصدار أحكام قاسية بحق الأسرى القاصرين، كما أن الإفراج عنهم يكون بشروط تتمثل بدفع غرامات مالية باهظة أو الحبس منزلياً أو الإبعاد عن مكان السكن».
يشار إلى أن نصيب نور الدين كان الاعتقال من مكان عمله، على يد المستعربين (قوات خاصة بلباس عربي)، وكان ذلك بعد ساعات على إجراء الحديث معه، مساء أول من أمس.