إنه زمن المونديال أكيد، لكل مخيم محطته الداخلية، ولمخيم برج البراجنة «البراق». قناة تبث داخل المخيم. هواها؟ حمساوي، تردداتُها تعمل بحسب المزاج العام الفلسطيني، جوائز برامجها؟ بالطبع، متواضعة مقارنة بالقنوات التلفزيونية العادية، أما التواصل معها فعلى شبكة الاتصالات الداخلية للمخيم
قاسم س. قاسم
«البراق نحو مخيم أفضل». للوهلة الأولى تبدو العبارة الظاهرة على الشاشة، دعاية لجمعية أو لحملة أهلية فلسطينية للمساعدة على تطوير مخيم برج البراجنة. لكن ما البراق إلا محطة تلفزيونية داخلية يعرّج منها بعض أبناء منطقة البرج إلى فضاء المخيم، فتسري بهم عبرها إلى منازل جيرانهم في المنطقة، إذ تبث المحطة من مخيم البرج وإليه. هكذا، يستطيع أبناء المخيم وبعض المنازل المحيطة به، مشاهدة محطة البراق الحمساوية الهوى، التي لها معجبون داخل أزقة المخيم، فأغلب الدكاكين الموجودة فيه تشاهد قناة البراق، لأنها تعرض صوراً من داخل قطاع غزة، بالإضافة إلى بثّها الأناشيد الإسلامية المتعلقة بحماس، ومقاطع فيديو من عمليات كتائب القسّام في القطاع. أخيراً، علقت البرامج الترفيهية، وبثت المحطة مقاطع مصوّرة عن الاعتداء الإسرائيلي على قافلة الحرية المتّجهة إلى غزة. لا تقف مهمة «البراق» عند هذا الحد، فمن هذه القناة وجهت الدعوات لأبناء المخيم للمشاركة في التظاهرات الداعمة لتركيا وغزة. مشاهدو هذه المحطة، هم من كبار السن غالباً، لأن القناة تبثّ «مواعظَ، سوراً قرآنية وأناشيد إسلامية»، كما يقول أحمد ابن المخيم الخمسيني، عمر. لا تقتصر برامج «البراق» على بث المواعظ الدينية، إذ تضم المحطة فريقاً من خمسة أشخاص، وهو عدد جيد بالنسبة إلى قناة تبثّ داخلياً ولفئة صغيرة من المشاهدين. هكذا يتابع فريق المحطة ما يجري في المخيم من أحداث داخلية مثل الاعتصامات في الأزقة، الكلمات التي تلقى في ذكرى انطلاقة أحد الفصائل الفلسطينية، بالإضافة إلى حملات تنظيف أحياء للمخيم.
رصيد «البراق» يخضع للمزاج الشعبي، ففي فصل الشتاء الماضي كانت عينها ساهرةً ترصد الطوفانات التي تعرض لها المخيم. فتولت مهمة بثّ لقطات لما كانت تعيشه جورة التراشحة في المخيم من دخول للمياه الآسنة إلى المنازل. لكن برامج المحطة ليست دائماً «ثورجيّة»، فالقناة التابعة لحركة حماس، تتنوع برامجها من الترفيهية إلى المواعظ الدينية وصولاً إلى الأناشيد الإسلامية، وخصوصاً عند كل مناسبة إسلامية، مثل مولد النبوي وشهر رمضان. ففي شهر الصيام الماضي، بثّت القناة برامج ترفيهية وفاز عدد من أبناء المخيم بجوائز المحطة المتواضعة. «اختر رقمك وشغّل عقلك، للمشاركة بالمسابقة اتصل على الأرقام التالية: ياسين 490، الجيري 373، الإسراء 434، العلي 340، أبو عرب 130». تضع قناة البراق إعلانها عن بدء المسابقة التي هي عبارة عن أسئلة دينية، بسيطة، لكن حتى لو كنت تعرف الإجابة عن تلك الأسئلة إلا أنه لا يمكن أياً كان أن يشارك في هذه المسابقة، وذلك لسبب بسيط لأنه يجب على المتصل أن يكون مشتركاً بشبكة السنترالات الداخلية للمخيم، التي لا تصل اشتراكاتها لخارجه.
لا يستطيع جميع أبناء منطقة برج البراجنة استقبال بث المحطة، أو الاستفادة من برامجها وجوائزها، فهي تبث حصراً للمخيم وللمشتركين بساتلايت الداخلي فيه. أحياناً تغيب عن الهواء، لتعود عند وقوع أي حدث يقوم به الاحتلال داخل فلسطين المحتلة، عبر بثّها أناشيد ثورية إسلامية. هكذا، وبعد كل عملية فدائية، تعود القناة لتعرض عمليات حماس ومقتطفات مختارة لخطابات القيادات الحمساوية من الشهيد أحمد ياسين إلى الشهيد عبد العزيز الرنتيسي، وصولاً إلى خالد مشعل وإسماعيل هنّية. إذاً، ومع كل جديد يطرأ في القطاع والضفة الغربية تتبدل برامج المحطة، ويكون الحدث الحاصل هو من أولويات المحطة للإضاءة عليه. وبما أنه في كل يوم تحت شمس فلسطين هناك عدوان جديد تقوم به إسرائيل، وبما أن المسجد الأقصى تعرض في الفترة الماضية للاعتداءات من الصهاينة، شنّت قناة «البراق» حملة للدفاع عن المسجد فعرضت صوره لاستنهاض أهل المخيم، الغاضبين أصلاً مما يجري

الغالبية تشاهد قناة البراق، لأنها تعرض صوراً من داخل غزة
هناك، واضعةً صورة المسجد الأقصى تظلله عبارة «متى تغضب». أما عن سياسة هذه المحطة فيقول أحد العاملين فيها سابقاً والذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب شخصية إن «المحطة كانت تتبع سياسة الفضاء المفتوح للجميع، أي إننا كنا نعرض كلمات جميع الفصائل الفلسطينية حتى كلمة فصائل منظمة التحرير، بالإضافة إلى نشاطات حركة فتح في المخيم». أما عن عدد العاملين فيها فيجيب: «كنا خمسة، لكن اليوم يعمل في المحطة شخصان تطوعا لهذه المهمة». يشرح الرجل بأن فكرة المحطة بدأت من خلال برنامج «ذاكرة المخيم الذي كان يعرض صوراً قديمة له، وكنا نتولى عملية شرح هذه الصور للجيل الجديد من أبناء المخيم. وأجرينا مقابلات مع مخاتير منطقة البرج بهدف تقوية العلاقة بين أبناء المنطقة». يؤكد الرجل أن المحطة تلقى رواجاً كبيراً في المخيم، وخصوصاً خلال موسم الحج «عندما كان أصحاب الحملات يرسلون إلينا صور الحجاج وهم في بيت الله، وكنا نبثها فكان أبناء المخيم يطمئنون على أوضاع أهلهم في الحج» يقول. هكذا، تقطع البراق أحياناً بثها لأسباب لوجيستية ولكن مع كل جديد في فلسطين المحتلة، يمكن أبناء المخيم أن يطمئنوا بأن لديهم براقاً يستطيع أن يسري بهم من مخيم الشتات إلى بعض وطنهم، ولو لبرهة، ولو لخبر.


التلفزيونات الداخلية في المخيمات الفلسطينية ليست جديدة على اللاجئين، فهي بدأت مع وصول الثورة الفلسطينية إلى لبنان. هكذا، نجد في مخيم عين الحلوة أكبر المخيمات الفلسطينية 3 محطات داخلية، اثنتان منها تابعة لحركة فتح. بينما في مخيم البدّاوي قناة واحدة. وكان تبثّ في مخيم نهر البارد سابقاً قناة داخلية واحدة، لينعدم وجود أي محطة في مخيم شاتيلا. بالإضافة إلى القنوات الداخلية، تعجّ المخيمات الفلسطينية بالمجلات والصحف التابعة للفصائل الفلسطينية التي توزع على أبناء المخيمات كلٌ بحسب هواه وفصيله.