بقيت حال المراوحة السّمة البارزة في الحراك الإسرائيلي إزاء تأليف لجنة تحقيق في الاعتداء على أسطول الحرية، في ظل الحديث عن صفقة تقودها بريطانيا لمقايضة التحقيق الدولي بتخفيف الحصار على غزة
مهدي السيّد
واصل منتدى «السباعية» الإسرائيلي الوزاري عملية التسويف والمماطلة بخصوص التحقيق في مجريات الاعتداء على أسطول الحرية، بحجة انتظار الضوء الأخضر الأميركي، على الرغم من اتفاق أعضائه على طبيعة لجنة التحقيق وصلاحياتها.
وفيما كان متوقعاً أن تبت «السباعية» الموقف النهائي من اللجنة، خلال اجتماعه الخامس بهذا الخصوص أمس، أُعلن في إسرائيل أن المنتدى لم يتوصل إلى قرار نهائي بسبب وجود خلافات مع الإدارة الأميركية.وقالت الإذاعة العامة الإسرائيلية إن اجتماع «السباعية» انتهى من دون اتخاذ قرار نهائي بشأن تأليف لجنة تقصّي الحقائق، وإن «الاتصالات مع الولايات المتحدة ستستمر في محاولة لبلورة مسار تقصّي حقائق يكون مقبولاً عليها». ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن مصادر سياسية إسرائيلية قولها إن التقديرات تشير إلى أن الإدارة الأميركية ستوافق على المبدأ الذي تطرحه إسرائيل ويقضي بأن تستمع الهيئة إلى شهادات يدلي بها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي غابي أشكنازي، وربما وزراء آخرون أعضاء في «السباعية»، لكن لن يتم التحقيق مع الجنود الذين شاركوا في الاعتداء.
في المقابل، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن «السباعية» لا تزال تنتظر الموافقة الأميركية على تركيبة ومهام اللجنة المقترحة. وأضافت إن الإدارة الأميركية تطالب بأن تشمل اللجنة جهات دولية لضمان صدقيّة عمل اللجنة ونتائجها، مشيرة الى أن اسرائيل اقترحت إشراك مندوبين أميركي وأوروبي.
وكان الموقف الأميركي الأخير في شأن لجنة التحقيق قد صدر عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي، الذي قال «إن مشاركة دولية في التحقيق ستكون عنصراً أساسياً لوضع هذه المأساة وراءنا». وأضاف إن هذه المشاركة ستكون أيضاً «مهمة» من أجل «الصدقية التي نتمناها». وتابع إن «واشنطن تناقش مع اسرائيل وغيرها طبيعة مشاركة دولية في التحقيق».
في هذه الأثناء، برز موقف لنتنياهو، حاول من خلاله نقل الكرة إلى الملعب التركي، من خلال مطالبته بالتحقيق في هوية من وصفها بـ«المجموعة المتطرفة» التي كانت على متن سفينة «مرمرة»، ومعرفة من يقف وراءها، في إشارة غير مباشرة إلى تركيا. وادعى بأن حكومته ليس لديها ما تخفيه.
وقال نتنياهو، في مؤتمر اقتصادي في تل أبيب، «أنا شخصياً ووزير الدفاع والوزراء الآخرون ورئيس الأركان سنكون مستعدين للكشف عن الوقائع من دون أن نخفي شيئاً». وأضاف «أريد أن تعرف الحقيقة كاملة، ومن أجل هذه الغاية، يجب أن يتيح التحقيق إعطاء أجوبة عن أسئلة تفضل المجموعة الدولية تجاهلها، مثل من كان وراء المجموعة المتطرفة التي كانت على متن السفينة، ومن موّل أعضاءها، وكيف وصلت السكاكين والفؤوس وسلاح أبيض آخر إلى السفينة، وماذا كان هدف وجود مبالغ مالية كبيرة ولمن كانت موجّهة؟».
وأكد نتنياهو أن إسرائيل «تجري مشاورات مع أعضاء في المجموعة الدولية في ما يتعلق بعملية التحقيق الضرورية التي ستتيح الكشف عن الوقائع المتعلقة بالأسطول الصغير» الذي كان متوجهاً الى غزة، مستبعداً إمكان مثول جنود شاركوا في العملية أمام لجنة تحقيق.
وعلى الرغم من ادّعاء نتنياهو تصميمه على معرفة حقيقة ما يجرى، تُظهر التفاصيل التي تداولتها وسائل الإعلام الإسرائيلية عن صلاحية لجنة التحقيق وتركيبتها خلاف ذلك.
فعلى صعيد صلاحيّة لجنة التحقيق، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن اللجنة، التي يرغب نتنياهو في تأليفها، ستكون ذات تفويض محدود جداً، ومن دون أي صلاحيات، إضافة إلى أن التقرير الذي يتوقع أن ترفعه لا يلزم أحداً، ولن يكون لديها سلطات مثل الحق في إصدار مذكرات استدعاء قضائية.
وفيما كشفت صحيفة «معاريف» أن المستشار القانوني السابق لوزارة الدفاع الإسرائيلية يوسف يوسف تشخنوفر، الذي حقق في فشل «الموساد» باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل، مرشح لترؤس لجنة تقصي الحقائق الإسرائيلية في أحداث أسطول الحرية، نقلت صحيفة «هآرتس» عن مصدر سياسي رفيع المستوى قوله إن عدم نشر كتاب التكليف وأسماء أعضاء اللجنة «نابع من الحاجة إلى إنهاء التنسيق مع الإدارة الأميركية ودول غربية أخرى لكي تحظى اللجنة بتأييدهم ودعمهم، ولكي توافق عدة دول على إرسال مراقبين إلى اللجنة». في موازاة ذلك، بدأت تطفو على السطح ملامح صفقة يجري بلورتها بين إسرائيل وبريطانيا، يتم بموجبها مقايضة التخلي عن مطلب تأليف لجنة تحقيق دولية بموافقة إسرائيل على إدخال بعض التسهيلات على حصارها المفروض على قطاع غزة. وذكرت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية أمس أن إسرائيل مستعدة لقبول تخفيف الحصار الذي تفرضه على غزة إذا قبلت الأسرة الدولية بلجنة داخلية للتحقيق في الهجوم الدامي على أسطول الحرية.
ونقلت الصحيفة عن مصدر غربي، طلب عدم كشف هويته وقريب من المفاوضات مع إسرائيل، أن «اتفاق مقايضة مطروح حالياً». وقالت «ديلي تلغراف» إنه طلب من إسرائيل تسهيل الدخول الى قطاع غزة من المعابر والسماح للأمم المتحدة بمواكبة مواد لبناء ستين ألف منزل دمرت خلال الهجوم الاسرائيلي على غزة في نهاية 2008 وبداية 2009.
وأضافت الصحيفة، نقلاً عن مسؤول إسرائيلي طلب عدم كشف هويته، أن «إسرائيل يمكن أن تكون مرنة بشأن المواد المرسلة الى المدنيين».