يبدو أن الحكومة الإسرائيلية حسمت خياراتها إزاء التحقيق في الاعتداء على أسطول الحرية، فلجأت في مقابل تمسكها برفض تأليف لجنة تحقيق دولية، إلى مناورة التفافية هدفها احتواء موجة المواقف المطالبة بتأليف لجنة كهذه
مهدي السيّد
واصلت الحكومة الإسرائيلية جهودها الحثيثة للالتفاف على الضغوط الدولية الداعية إلى تأليف لجنة تحقيق دولية في الهجوم الدموي على أسطول الحرية، فلجأت إلى مناورة تمثلت في الحديث عن توجه الحكومة الإسرائيلية لتاليف لجنة تحقيق حكومية من جهة، وإعلان الجيش الإسرائيلي تأليفه لجنة خبراء يفترض أن يقوموا باستخلاص العبر مما حصل خلال عملية الاستيلاء على سفن أسطول الحرية.
ويأتي التوجه لتأليف لجنتي تحقيق إسرائيلية، واقتراح مشاركة مراقبين أجانب، ليخدما الاستراتيجية الإسرائيلية لصدّ الضغوط لتأليف لجنة تحقيق دولية، من خلال الإيحاء بأن الحكومة الإسرائيلية جادة في مسعاها لتبيان الحقيقة، ما يجعل المطلب الدولي غير ذي شأن، على الرغم من إشارة عدد من المعلّقين في إسرائيل إلى أن لجنتي التحقيق المقترحتين تتمتعان بصلاحيات محدودة، فضلاً عن استبعادها المستويين السياسي والعسكري عن دائرة الاستهداف، وحصر مهماتها في فحص مدى مواءمة الإجراءات الإسرائيلية للقانون الدولي، لجهة قانونية الحصار، وقانونية اعتراض أسطول الحرية في المياه الدولية.
وعلى الرغم من الإعلان شبه الرسمي عن تأليف لجنة تحقيق حكومية، إلا أن الإعلان الرسمي عنها ـــــ الذي يُفترض أن يتمّ بعد إقرارها من قبل الحكومة مجتمعة أو من قبل المجلس الوزراي المصغر ـــــ ينتظر حصول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على الضوء الأخضر الأميركي، الذي من شأنه أن يؤمن الضمانة التي تنشدها إسرائيل للوقوف في وجه الضغوط الدولية، وهذا ما أشار إليه العديد من التقارير الإعلامية الإسرائيلية.
وكان منتدى السباعيّة الوزاري قد صدّق أول من أمس، على تأليف لجنة فحص حكومية من قانونيين ودبلوماسيين سابقين مختصين بالقانون الدولي وقوانين البحار، ويرأسها قاضٍ، على أن تضم أيضاً مراقبين اثنين أجنبيين، من المرتقب أن يكون أحدهما أميركي والثاني إيطالي أو فرنسي. وعليه يجري الآن، بحسب «يديعوت أحرونوت»، فحص أمني ـــــ قانوني بالنسبة إلى اطلاع محتمل للمراقبين على المعلومات السرية.
ومع ذلك، ألقى مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية ظلال الكتمان على هوية أعضاء اللجنة، بل وعلى مجرد النية لتأليفها. والسبب في ذلك، بحسب «يديعوت أحرونوت»، هو أن نتنياهو يسعى الى الحصول على موافقة الأميركيين على الخطوة والوصول معهم الى تفاهم بأن يمنع تشكيل اللجنة الإسرائيلية تأليف لجان دولية أخرى. وأضافت إنه إذا ما ادّعت الولايات المتحدة بأن اللجنة المقترحة لا تتطابق وبيان مجلس الأمن بإجراء تحقيق غير متحيّز يفي بالمعايير الدولية، فإن الموضوع سيعاد الى منتدى السباعية لبحث إضافي.
والواقع هو أن لجنة التحقيق الإسرائيلية، التي يجري الحديث عنها وفق الصيغة المطروحة، تتمتع بصلاحيات محدودة، ذلك أن لجنة الفحص الحكومية، خلافاً للجنة التحقيق الرسمية، تستهدف استيضاح مسألة موضعية، وتعتبر أداة مساعدة إدارية ترمي الى البحث والعثور على نقاط الخلل وليس إعداد مادة للمحكمة. كما أنه ليس لمثل هذه اللجنة صلاحية إلزام الشهود بالمثول أمامها، ومكانتها تتحقق بفضل تعاون الخبراء في المجال المطروح. ومع أنه يمكنها أن توصي باستخلاص استنتاجات شخصية، ولكن ليس لهذه التوصية أي مفعول قانوني ملزم إلا بفضل القيمة الجماهيرية والأخلاقية، وهذا هو السبب الذي دفع عدداً من رجال القانون المعروفين في إسرائيل إلى رفض المشاركة فيها، على ما ذكرت الإذاعة الإسرائيلية، التي أشارت إلى أن وزير العدل السابق امنون روبنشتاين قال إنه «كما أن هناك قهوة بلا كافيين، هناك لجان تحقيق بلا تحقيق». وهذا ما دفع صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى وصف اللجنة بأنها «لجنة لايت».
كما أن هناك قهوة بلا كافيين، هناك لجان تحقيق بلا تحقيق
ولم يكتف منتدى السباعية بالصلاحيات المحدودة أصلاً، فقرر في مداولاته منع اللجنة من التحقيق مع الجنود الذين شاركوا في الهجوم على أسطول الحرية، وحصر تفويضها في قانونية الحصار البحري على قطاع غزة وفق القانون الدولي وطبيعة نشاط الجيش الإسرائيلي لوقف أسطول الاحتجاج، كما اتفق على ألا تعالج اللجنة عملية اتخاذ القرارات على المستوى السياسي، وفق ما ذكرت «يديعوت». وهذا ما يتوافق مع ما قاله عضو المنتدى السباعي بيني بيغن، للإذاعة الإسرائيلية، إنه «تقرر أن تدرس اللجنة المنوي تأليفها سؤالين اثنين: هل الحصار البحري (على قطاع غزة) متوافق مع القانون الدولي؟ وهل العملية التي نفذناها ضد الأسطول مطابقة أيضاً للقانون الدولي؟».
وفي الانتظار، بدأ الجيش الإسرائيلي تحقيقاً داخلياً خاصاً به، وأنشأ «لجنة خبراء» مكونة من جنرالات احتياط. وسيتولى هذا الفريق، الذي يرأسه اللواء احتياط غيورا ايلاند، مهمة «بحث سير العملية واستخلاص الدروس» منها، بحسب بيان للجيش الاسرائيلي. وأوضح البيان «أنها ستسلم خلاصاتها بحلول الرابع من تموز».
يشار إلى أن آيلاند سبق أن ترأس شعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي وشغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.
وسيتلقى طاقم آيلاند التحقيقات الداخلية، التي أجراها الجيش الإسرائيلي في هذه القضية، كما أنه سيحقق بنفسه مع المخططين والمشاركين في الهجوم على أسطول الحرية عموماً وسفينة «مرمرة» خصوصاً، وتقديم توصية للجيش بشأن العبر التي ينبغي استخلاصها استعداداً لتنفيذ عمليات عسكرية مشابهة أخرى.
وفي جديد مواقف المسؤولين الإسرائيليين، قال نتنياهو لجنود وحدة المستعربين «دوفدوفان» التابعة للجيش الإسرائيلي، خلال جولة أمس، إن «إسرائيل تتعرض اليوم لهجمة لمجرد أننا نمارس حقنا في الدفاع عن أنفسنا».
بدوره، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، خلال التصويت على مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة أول من أمس، أن إسرائيل مستعدة للقيام ببحث داخلي يتيح التحقق من مدى مطابقة الحصار على غزة مع القانون الدولي.
وأضاف باراك «ننوي القيام ببحث يتيح توضيح موقفنا والتحقق مما إذا كان الحصار وتطبيقه يتطابقان أو لا مع القانون الدولي». وتابع باراك «سنستخلص العبر إن كان على الصعيد السياسي أو الأمني»، مشدداً مرة أخرى على «ضرورة» فرض الحصار على قطاع غزة لمنع الأسلحة من الدخول الى هذه المنطقة الخاضعة لحركة «حماس».
وأضاف باراك، في إشارة الى الاعتداء الإسرائيلي على سفن كانت تنقل مساعدات الى قطاع غزة، «لا ننوي تقديم جنودنا للمثول أمام لجنة تحقيق إن كان ذلك باللغة العبرية أو بالإنكليزية».