اليرموك ــ ثائر السهليالاسم ظل الهوية، اختزال لتصورات العقل وأحجية الروح المعقدة، وتطلعنا لما نريده أو نتصوره في ما يكملنا من الأشياء.. ترديد لصدى الحلم والكابوس، وللرمز يشع ويخفت ويزهر أحياناً «عباداً للقمر».. الاسم سجان الشيء ومعتقه، حاكم مستبد لمحكوم حر وعنيد، يهب الصفات أو يسرقها، يميّّز ويوحّد.. يرف إليه البشر بصوفية ليحترقوا واحداً واحداً بكل إيمان وخشوع.

«بيروقراطية»

تقرر أعلى هيئة قضائية في ماليزيا السماح للكنيسة الكاثوليكية باستخدام اسم «الله» في مطبوعاتها ومنشوراتها هناك، فيحرق بعض من يدّعون امتلاكهم «حقوق» الاسم بيوت الله، باسمه تعالى، دون أن يتأكدوا إن تراجع العباد عن خطيئة استخدام اسم «محظور» للمعبود، ويتواءم مع «اللوائح الناظمة والمواصفات القياسية، وفق أعلى معايير الجودة...!». بالقرب من محافظة المنيا بمصر تظاهر آلاف القرويين غضباً من قرار وزير العدل تغيير اسم قريتهم من «دير أبو حنس» إلى «وادي النعناع»، يعود الاسم للقديس يحنس القصير، أما القرية ذاتها فقد بنيت في القرن الخامس الميلادي!!

حياً أو ميتاً

تقرر محافظة الكرك الأردنية إلغاء خطة لإطلاق اسم الرئيس العراقي السابق صدام حسين على أحد شوارعها، بعدما «تقدم مواطنون يسكنون الشارع ويشغلونه بطلب الإلغاء للمحافظة» بحسب مصادر المحافظة، وبعد احتجاج رسمي كويتي وعراقي على الخطوة الموءودة، نظراً لما لدى الجهتين من حساسية عالية تجاه الاسم وصاحبه، بعكس المناخ السائد لدى الأردنيين.

سقوط، فإبدال

أما في العراق ذاته، فربما لم يبق بعد احتلاله ومعاناته الطويلة سوى اسمه، بعدما تشظّى بفعل الاحتلال والطائفية والعشائرية. انقلاب حاسم اجتاح المدن والقرى والشوارع، وكل طائفة أو حزب يسمي المكان كما يريد، نكاية بالنظام السابق واللاحق. شارع «الكرّادة» تغير اسمه في عام 2002 إلى شارع «ياسر عرفات»، وحين رحل من أبدل، عاد للشارع اسمه الأول. وظلّت فلسطين تحتل أحد أكبر الشوارع في بغداد وأكثرها دموية.

عرفات في نابولي

حتى بعد رحيله، يستمر اسمه بالتمازج مع الشوارع والمدارس والجوامع والمؤسسات في كل اتجاه، لكن المدهش هو ذاك الشارع في مارانو دي نابولي في إيطاليا، فبعد رحيل رئيس البلدية صاحب المبادرة ومجيء آخر، بقي اسم ياسر عرفات يحتل لوحة الشارع الإيطالي نظيفاًً ومرتباً، ويفضي دوماً إلى نهاية!

تورية

يتوارى الاسم في عالم افتراضي واسع، وخلال سعيه لتصليب الفكرة وإثبات القدرة، يتنقل ما بين طبيب يقي شعلة الحياة ويبلسم الجراح، وبين داعية للقتل والفناء مختفياً في العالم السيبيري. فمن عمان إلى تركيا فباكستان وانتهاءًً بقاعدة خوست الأفغانية، تبادل أبو دجانة الخراساني الأدوار مع همام خليل البلوي، وتنكر كل منهم وجه الآخر ولسانه.. صفعت «سي آي آيه» بكف الخراساني، والاستخبارات الأردنية بكف البلوي، وسقط ثمانية ضباط فرقاً للحساب بين اسمين لشخص واحد في عالم افتراضي لم ينفصم عن الواقع.

أيقونة

بوقاحة قاطع الطريق، تحتج «إسرائيل» على نيّة محافظة رام الله إطلاق اسم الشهيدة دلال المغربي، أيقونة الكفاح الفلسطيني، على إحدى ساحاتها.. وتتهم قيادة السلطة بالتحريض على العنف، دون ممارسته، حتى لو كان رداً على تفشي الأسماء الغريبة في السهول والتلال حول رام الله، خانقة الأرض وكاتمة صوتها.
إسرائيل تسمح لنفسها بأن تسرق الأرض من أهل دلال وتطردهم إلى لبنان، وتغطي معالم الاسم بالشوك والصبّار، وبيافطات كرتونية باسم «بن غوريون» و«أشكول» و«هرتسل» و«رابين».
في وعد.. دلال غدٌ سماؤه عاصفة وممطرة تطيّر أسماء الكرتون، ويسيل الاسم الحجري من ورق الصبّار.

منفى

يختلف أبناء الحي على اسمه منذ عمادته الأولى بعرق المنفيين ودمائهم. يختلفون على اسمه كلما تقدموا بشكوى لتحسين الصرف الصحي أو لإصلاح أعطال الكهرباء أو الهواتف، في الطلبات الرسمية يسمي أبناء «الطيرة» الحي باسم قريتهم على سفح الكرمل، ويسميه «مغاربة فلسطين» باسم «شارع بولعيد». في المناسبات الوطنية، وفي «الكوارث القومية» يخرج أبناء الحي بكتلة واحدة يتظاهرون في شوارع المخيم وأزقته، تتخذ الشوارع موقفاً دون الاكتراث بأسمائها، فالكل يدور في فلك اسم مؤقت هو «المنفى».