متاجرة بمعاناة المرضى... وأكفان الأطفالغزة ــ قيس صفدي
كشف مسؤولون فلسطينيون عن أن المساعدات والتبرعات الطبية التي تقدمها دول ومؤسسات مختلفة إلى قطاع غزة لها وجه ثان سلبي يتمثل في أن كميات كبيرة منها فاسدة وغير صالحة للاستخدام لانتهاء مدة صلاحيتها.
وأكدت وزارة الصحة، في الحكومة التي تديرها حركة «حماس»، أن مستشفيات قطاع غزة التي تعاني تدهوراً في خدماتها منذ فرض الحصار الإسرائيلي المشدد عقب سيطرة الحركة الإسلامية على القطاع الساحلي الصغير والفقير قبل ثلاثة أعوام، باتت تعاني كذلك من تضخم وتلف كميات من الأدوية بفعل التبرعات «العشوائية».
ويتحدث مسؤولون في وزارة الصحة عن وجود كميات كبيرة وأنواع كثيرة من التبرعات التي أرسلتها دول ومؤسسات مختلفة، بينها دول ومؤسسات عربية، انتهت صلاحيتها تماماً وباتت أضرارها أكثر من فوائدها. وتعاني المؤسسة الصحية من ضعف الإمكانيات لدفنها والتخلص منها بأسلوب صحي لا يضرّ بالبيئة.
وقال المدير العام للصيدلة، مسؤول ملف التبرعات في وزارة الصحة، الدكتور منير البرش، إن المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب الدموية والمدمرة على قطاع غزة، دفعت بحكومات وشعوب ومؤسسات رسمية وأهلية، عربية وإسلامية وأجنبية، إلى الانتفاض للتعبير عن مشاعر التضامن مع سكان قطاع غزة المحاصرين، وإمدادهم بالمساعدات والتبرعات، وأبرزها الأدوية والمعدات الطبية. غير أن هذه التبرعات اتّسمت بالعشوائية من دون دراسة واقع القطاع الصحي في غزة واحتياجاته.
ويوضح البرش في حديث إلى «الأخبار» أن المستشفيات والمرافق الصحية لم تستفد إلا بما نسبته 30 في المئة فقط من الأدوية والأجهزة والمستلزمات الطبية التي وصلت إلى قطاع غزة بعد توقف الحرب الإسرائيلية في 18 كانون الثاني 2009، فيما استمرت معاناة القطاع الصحي جرّاء النقص الكبير في الكثير من المعدات والأدوية الطبية.
ويبيّن البرش أن وزارة الصحة في غزة تسلّمت نحو 1300 طن من المساعدات الصحية، عبارة عن أدوية وأجهزة طبية، لكنّ العشوائية من قبل الدول والجهات المانحة سبّبت زيادة في أعباء وزارة الصحة بدلاً من مساعدتها على مجابهة الصعوبات والتدهور الذي أصاب القطاع الصحي بسبب الحصار وإغلاق المعابر، ورفض سلطات الاحتلال الإسرائيلي تزويد المستشفيات والمرافق الصحية بكثير من الأجهزة والمعدات الطبية وقطع الغيار اللازمة لإعادة إصلاح وتشغيل كثير من الأجهزة المعطّلة في المستشفيات.
ووفقاً للبرش، فإن كثيراً من الأجهزة وأصناف الأدوية التي وصلت إلى قطاع غزة كتبرعات لم تلبّ احتياجات القطاع الصحي ولا تنسجم مع ثقافة العلاج في غزة، فضلاً عن أن 22 في المئة من التبرعات وصلت إلى غزة فاسدة بسبب انتهاء مدة صلاحيتها، سواء قبل خروجها من الدولة أو المؤسسة المتبرّعة، أو بسبب سوء تخزينها ومكوثها فترات طويلة على المعابر المؤدية إلى قطاع غزة. ويوضح أن عمليات الفحص والفرز التي تقوم بها طواقم الصيدلة التابعة لوزارة الصحة كشفت عن أن الكثير من الأدوية والمستلزمات الطبية «لا تحمل اسماً عالمياً أو اسماً علمياً متعارفاً عليه، بل تحمل أسماءً تجارية غير مسجلة، وغالبيتها غير مطابقة لمعايير الجودة لدى المانحين أنفسهم، أو أنها غير ملائمة لحاجة القطاع الصحي في غزة».
كذلك أوضح البرش أن أصنافاً من الأدوية التي وصلت إلى غزة ضمن التبرعات كانت «عيّنات طبية مجانية»، وأصنافاً أخرى، بكميات كبيرة، كانت مدة صلاحيتها على وشك الانتهاء أو منتهية الصلاحية بالفعل قبل وصولها إلى غزة، ولا يمكن الاستفادة منها في شيء، بل إنها أثقلت على وزارة الصحة، إذ امتلأت بها المخازن في ظل عدم قدرة الوزارة وعدم توافر الوسائل اللازمة لإتلافها والتخلص منها بطرق صحية لا تضر بالإنسان والبيئة.
وكمثال على العشوائية التي اتّسمت بها التبرعات الطبية لقطاع غزة، الذي يعاني نقصاً وعجزاً واضحين بنسبة 100 في المئة من 114 صنفاً من الأدوية الرئيسة لكنها لم تكن ضمن التبرعات، يقول البرش: «وصلنا ضمن التبرعات نحو 10 ملايين حبة مسكّن من عقار «الديكلوفين»، فيما المستشفيات والمؤسسات الصحية لا تحتاج سوى 2 مليون حبة سنوياً».
وفيما وضع البرش ذلك في سياق «العشوائية»، إلا أنه لم يجد مبرراً لإرسال دول ومؤسسات عربية، رفض الإفصاح عن أسمائها، حوالى 10 آلاف كفن للأطفال «بدلاً من توفير العلاج والغذاء المناسب لأطفال غزة». وتساءل البرش بمرارة «لماذا تحوّل بعض جهات التبرع، من دول ومؤسسات، قطاع غزة إلى مكب للأدوية والمعدات الطبية الفاسدة، والمتاجرة بمعاناة المرضى والمحاصرين؟»، موضحاً أن الشكوك في نيّات هذه الجهات تبقى مشروعة، لكون وزارة الصحة نشرت مراراً قائمة باحتياجاتها من الأدوية والأجهزة الطبية، فلماذا لا تتقيد الجهات المانحة والمتبرعون بهذه القائمة بدلاً من قطع مسافات طويلة بتبرّعات فاسدة مآلها إلى الدفن في باطن الأرض؟
ويفتقر قطاع غزة إلى الوسائل العلمية اللازمة مثل المحارق الخاصة بالأدوية للتخلص من التبرعات الفاسدة، الأمر الذي يضطر الجهات المسؤولة إلى التخلص منها بطرق غير سليمة.
ودعا البرش منظمة الصحة العالمية والمؤسسات الحقوقية الدولية إلى ممارسة ضغوط حقيقية على الاحتلال الإسرائيلي لفك الحصار وتجنيب القطاع الصحي المزيد من التدهور، الأمر الذي سبّب استشهاد نحو 373 مريضاً خلال سنوات الحصار لعدم توافر العلاج اللازم لأمراضهم المزمنة والخطيرة، وعدم تمكنهم كذلك من السفر بغية العلاج في الخارج.


«حماس» تردّ على غولدستونوطالب وزير العدل الفلسطيني محمد الغول، في معرض إعلانه تسليم الحركة الأمم المتحدة التقرير الثاني النهائي بشأن تطبيق توصيات بعثة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق المتعلقة بالوضع في غزة، المجتمع الدولي بالوقوف عند مسؤولياته لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين. ورأى أن تركهم يعطيهم المزيد من الحرية لارتكاب جرائمهم والتجرّؤ على القانون الدولي. ودعا الأمم المتحدة إلى اتخاذ معايير عادلة، وعدم مساواة الجلاد، وهو الاحتلال الإسرائيلي، بالضحية، وهو الشعب الفلسطيني، الذي عانى على مدار عقود من جرائم الاحتلال ومجازره.
(الأخبار)