سحر البشيرلم تشترك ستّي أم ناصر في أية انتفاضة أو حرب. وعلى الرغم من ذلك، فإنها تملك الحنكة الكافية لوضع أهم الخطط والتكتيكات. كانت ستّي تطبّق خططها علينا نحن أحفادها. كانت تقسمنا إلى فئات: الأولى تشمل أولاد خالتي الآتين من ألمانيا، لكونهم يزورونها مرة كل 3 سنوات، ولأن الألعاب المؤذية لم تكن تستهويهم. الثانية، أنا وإخوتي، لأنها كانت ترانا في فصل الصيف فقط، ولأننا رغم شقاوتنا لم نكن نستخدم الكلمات البذيئة. أما الفئة الثالثة، فكانت لأولاد خالتي، ورغم كونهم «طالعين مع شياطين الأرض»، إلا أنهم أيتام، وهذا ما كان يشفع لهم. أما الفئة الأخيرة، فكانت لباقي الأحفاد.
وبحسب هذا التقسيم، كانت «العداوة» أشد مع الفئة الرابعة، وتخفّ صعوداً حتى تكاد تختفي مع الفئة الأولى. ستّي ليست شريرة أو لئيمة، على العكس، كانت تريد فقط أن تطبق تكتيكاتها العسكرية التي لم يكن جدي يأخذ بها في معارك خاضها مع الإسرائيليين.
تجلس ستّي عصر كل يوم على «سطيحة بيتها» وتضع بجوارها كيساً مليئاً بالحلوى، بحيث يمكن العيون أن تراه من بعيد. خلفها، تضع كيساً آخر، نكون قد ملأناه لها بالحجارة مقابل قطعة حلوى أو كوب من البيبسي. تنتظر أم ناصر الحفيد المستهدف الذي يكون قد ارتكب جرماً في يوم سابق، في معظم الأحيان. ما إن يلوح في الأفق، حتى تناديه «يا ستّي، تعال كول حصوص». حين يصبح الهدف في مرمى نيرانها، تبدأ برميه بحجارة كانت تصيب دائماً. كلنا أكلنا من «حصوص» ستّي، وكانت الحيلة دائماً تنطلي علينا. لم تكن تنهرنا أو تضربنا إذا ما ارتكبنا خطأً مهماً كان عظيماً، بل كانت تبيّته لنا.
جنّدت ستّي ذات يوم كل أحفادها لضرب ابنة خالتي. لا أذكر ما الذي ارتكبته الصغيرة، لكني أذكر كيف ألّبت ستّي إخوتها عليها، ثم وضعت مكافأة ألفي ليرة لمن يأتيها بالعلامة والخبر اليقين. لم ترُقني تلك اللعبة، إذ كنت أخاف من انتقام ابنة خالتي التي كانت تتمتع بقوة جسدية ولسان سليط. حتى إخوتي البنات لم يشاركن في تلك اللعبة، رغم المكافأة المغرية التي وضعتها ستّي. كنا نعلم أن المبلغ لا يستحق ما سنلقاه من أمي. إلا أن أخي قرر الاشتراك وجاء ستّي بالخبر اليقين. كافأته ستّي كما وعدت، وحمته من أمي التي توعدته بالضرب. حتى الآن، بعد أكثر من 15 عاماً، لم تستطع خالتي ولا ابنتها الأخذ بالثأر، لأن ستّي صدقت وعدها بحماية أزلامها.
لم تعد ستّي أم ناصر تخطّط للانتقام من أحفادها المخطئين بحيلة تُضحك غير المتضرر منهم. أصبحت تتبع طرقاً غير عنيفة: من يخطئ، فعليه أن ينظف بيتها ويطعم دجاجاتها. تخلت عن خططها لضرب وحدة صفنا حسب مبدأ «فرّق تسد»، وتأليب بعضنا على بعض لتحقيق أهدافها. أصبحت الآن تحاول أن تشبع من أحفادها بعدما أخذتهم الدنيا منها، وأصبحوا كلهم من الفئة الأولى، لا يزورونها إلا مرة كل بضع سنين.