تبقى صحّة الرئيس المصري حسني مبارك سراً من أسرار الدولة، وتبقى التسريبات والشائعات سيدة الموقف. الأكيد أنّ «شيئاً كبيراًً» فقط أدّى بالرئاسة إلى تأجيل لقاءاتها
وائل عبد الفتاح
«من دون إبداء أسباب التأجيل». هكذا ينتهي نبأ تأجيل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للرئيس حسني مباراك في شرم الشيخ، للمرة الثانية على التوالي. كان مقرراً أن تحصل الزيارة أول من أمس، الثلاثاء، وتأجلت إلى اليوم، قبل أن يعلن مصدر في وزارة الخارجية المصرية إرجاءها إلى الأحد المقبل.
الغريب أن الموعد الجديد لزيارة نتنياهو يتزامن مع موعد آخر للرئيس مبارك... مع المستشفى. نبأ تسرّب عبر شائعات تحدثت عن رحلة علاجية جديدة سيقوم بها مبارك إلى ألمانيا، وتحديداً إلى مدينة ميونيخ، في محاولة للشفاء من متاعب صحية يُقال إنها تمنعه من ممارسة نشاطه السياسي المعتاد.
لم يكن نتنياهو وحده ضحية تأجيل اللقاء مع مبارك. فالرئيس الفلسطيني محمود عبّاس أرجأ هو الآخر زيارته التي كانت ستبدأ غداً الخميس إلى المنتجع الرئاسي إلى يوم السبت، ليلتقي الرئيس منفرداً، قبل أن يجتمع مع «بيبي».
مجموعة من اللقاءات تندرج في سياق تفعيل الدور المصري، هذه المرة في اتجاه عقد مفاوضات إسرائيلية ـــــ فلسطينية ثنائية، بعدما طلب الرئيس الأميركي باراك أوباما، في السادس من تموز الجاري، الانتقال من المفاوضات غير المباشرة، عبر مبعوثه جورج ميتشل، إلى مرحلة التفاوض المباشر. ولمصر في هذه الخطة دور محوري، وهذا ما يجعل من تأجيل اللقاءات إشارة إلى «شيء ثقيل» يُبعد الرئيس مبارك عن إتمام مهماته. الغموض سيد الموقف، وخصوصاً أنّ المؤسسات العليا في مصر لم تردّ على شائعات عادت لتنتشر، قبل أيام، بعد تقارير صحافية إسرائيلية تحدثت عن «تدهور صحي للرئيس مبارك المُصاب ربما بالسرطان».
لم تفسّر الرئاسة سبب التأجيل المتكرر لزيارة نتنياهو، وكذلك لم يظهر الرئيس علناً منذ أيام، وهو ما يعزز سيناريو «الطبخة» الذي تردّده بعض مصادر المعارضة المصرية، وتشير فيه إلى أن النظام يُعدّ ما يواجه به الرأي العام في مسألة «قدرة الرئيس على قيادة البلاد في المرحلة المقبلة». حتى إنّ بعض المغالين يسيرون أبعد من ذلك، ويتحدثون عن طبخة مقصود بها ترتيب أوضاع «ما بعد مبارك».
لا إجابة عن سؤال «من يحكم؟»، في ظل إشارات إلى اختفاء صراع الأجنحة داخل النخبة المحيطة بالرئاسة، وأخرى توحي أن تحركات النظام تبدو كنتاج عقل واحد، لا توافق عقول متعددة، وهو ما يفتح الباب للتساؤل عن «قدرات العقل» الذي يدير السلطة على مواجهة هبّات غضب متوقَّعة، أو تمرد غير محسوب.
ويشير المراقبون إلى أن القلق الوحيد بالنسبة إلى النظام الآن هو الشارع ومفاجآته، وهو ما يجعل السؤال عن الحالة الصحية للرئيس هاجساً عند من يتولون تسيير الأمور في مصر، لأن مجرد الاختفاء المفاجئ لمبارك سيفتح الباب أمام ردود فعل من خارج حسابات النظام، وهو ما يستدعي محاولة طبخ سيناريوات متتابعة، يردّون بها على الشائعات، ويختبرون فيها الانفعالات قبل الساعة الصفر الحقيقية.