تل أبيب ترى الحل في طرح توفيقي يقدّمه الطرف الأميركي
علي حيدر
أعاد وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو إحياء الأزمة مع إسرائيل، على خلفية المجزرة التي ارتكبتها على متن سفينة مرمرة، بوضع إسرائيل أمام خيار من ثلاثة: إما تقديم الاعتذار والتعويضات، أو القبول بلجنة تحقيق دولية، أو قطع العلاقات معها، وذلك بعدما استطاعت إسرائيل أن توحي بأن الأزمة البينية تنحو باتجاه الحل.
في الأيام القليلة الماضية سرَّبت إسرائيل، كما يبدو عن عمد، أنباءً عن لقاء سري بين داوود أوغلو ووزير التجارة والصناعة الإسرائيلي، بنيامين بن اليعازر، الذي يعود اختياره إلى أنه شخصية مقربة من الأتراك، الأمر الذي حمل وسائل الإعلام الإسرائيلية على رفع درجة التفاؤل بإمكان تصحيح «ما شاب هذه العلاقات من خلل».
في مقابل هذه الأجواء، جاء رد تركيا سريعاً. اشترط وزير خارجيتها لحل الأزمة اعتذاراً إسرائيلياً واضحاً وتقديم تعويضات مادية لذوي «الضحايا»، الأمر الذي دفع إسرائيل للرد على أعلى المستويات، برفض الطلب التركي.
رغم التوتر الجدي القائم بين أنقرة وتل أبيب، إلا أنّ من اللافت أن يكون السقف التركي في هذه الأزمة محدداً بتقديم إسرائيل اعتذاراً لحل المشكلة، وهو ما يدفع التساؤل عن عمقها وآفاقها، وفي ذلك يمكن الإشارة إلى الآتي:
يبدو أن الحكومة التركية، في الوقت الذي تحرص فيه على استمرار الأجواء المتوترة مع تل أبيب، تحرص حتى الآن على عدم إعطائه أبعاداً كأن الأزمة بلغت حدوداً لا رجعة عنها. فمطلب الاعتذار، وإن رفضته إسرائيل، إلا أنه بالتأكيد لا يمثّل مطلباً تعجيزياً، وخصوصاً أنه يأتي في مقابل ارتكاب مجزرة حقيقية بمدنيين أتراك.
في المقابل، لا تتوافق مسارعة إسرائيل إلى رفض الاستجابة إلى المطلبين التركيين (الاعتذار والتعويض)، في ظاهر الأمر، مع مصلحتها الاستراتيجية في حل الأزمة مع تركيا، الأمر الذي يوحي بأن تل أبيب تريد أن يكون السجال متمحوراً حول مطلبي الاعتذار والتعويضات، ما قد يتيح الفرصة أمام أطراف دولية معنية بالحل، وتحديداً الإدارة الأميركية، للتدخل وإيجاد الحل الوسط المقبول الذي يمكن أن يراهن على قبوله من الجانبين. علماً بأن اللقاء السري الأخير، التركي ـــــ الإسرائيلي، أتى بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية تحت ضغط مارسه الرئيس الأميركي باراك أوباما، على رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
بخصوص الرؤية الإسرائيلية لمنطلقات الأزمة مع أنقرة، يرى المسؤولون الإسرائيليون أنها تأتي في إطار عملية تغيير يمر بها الشرق الأوسط والعديد من مناطق العالم. وأن مواقف القيادة التركية «ناتجة من تحولات في المجتمع التركي»، وفي سياق توجه (تركي) بالدخول إلى الساحة العربية من بوابة الصراع مع إسرائيل بهدف إرساء نفوذها في المنطقة وتعزيزه. ووفق تعبير رئيس «الموساد»، مئير داغان، تسعى تركيا إلى «تحسين علاقاتها مع سوريا وإيران لتكوين ائتلاف في مواجهة إسرائيل»، مشيراً إلى أنّ رئيس الوزراء التركي «يريد استعادة الهيمنة التركية من خلال سلوك الممر الإسلامي وهو يظن أن انهماكه في القضية الفلسطينية وتحقيق التقارب مع حركة حماس، سيسهمان في فتح أبواب أخرى أمامه في الشارع العربي». وبالتالي ترى إسرائيل أن أي مبادرات من قبلها لن تترك أي آثار إيجابية.
لكن مقاربة، قد تكون أدق من غيرها، جاءت على لسان رئيسة المعارضة تسيبي ليفني التي رأت أنّّ «تركيا تجلس على الجدار، وعليها الاختيار، إلى أي معسكر تنتمي»، معربة عن أملها واقتناعها بإمكان تحسين العلاقات التركية الإسرائيلية، رغم أنّ تركيا «تعزز العلاقات مع إيران وحركة حماس».
وعليه يمكن القول إن الرؤية الإسرائيلية لا ترى في الأساس أن التوتر القائم الذي يوصف بالأزمة بين تل أبيب وأنقرة، مرده حادثة مرمرة وما جرّت من تداعيات، رغم قساوتها على الجانب التركي. بل تتداخل فيها مجموعة من العوامل أنتجت بيئة الأزمة، وما مرمرة سوى حادثة أدت إلى رفع مستوى التوتر إلى حدوده القصوى. وتداخل ذلك مع مزاج الشارع التركي الذي لم يترك للحكومة التركية مناصاً من اتخاذ مواقف أكثر تصعيدية باتجاه تل أبيب، من دون أن يعني ذلك أن حكومة أردوغان لم تكن معنية بعدم التصعيد.
انطلاقاً من ذلك، يرى الإسرائيليون أن أي حل قد يطرح للخروج من هذه الأزمة، عليه أن ينطلق من هذه المقاربة تحديداً. من هنا، ترى تل أبيب أن حل الأزمة، غير مرتبط بآلية تركية إسرائيلية، بل هو أكثر ارتباطاً بالطرف الأميركي، الذي عليه أن يوفق بين الجانبين، وإن كان هذه المرة من موقع الحريص على عدم فرض حل كما يحصل مع الأطراف العربية، لأن ذلك لا يفيد مع الجانب التركي.
من ناحية ثانية، قد تكون هي الأساس، فإن الأزمة بين إسرائيل وتركيا تبقى مرتبطة أولاً برؤية الحكومة التركية لمدى خدمتها في تعزيز دورها، وهو أمر يحتاج إليه الشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة، بغض النظر عن السقف السياسي الذي يأتي ضمنه الحراك السياسي التركي، في ظل غياب شبه تام للدور الرسمي العربي الذي كان من المفترض فيه، حتى وفق منطق التسوية، أن يكون وازناً حيال التعنت الإسرائيلي.