القاهرة | لا يمكن إنكار أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، نجح في الاستفادة شعبياً من قضية الفساد الكبرى في وزارة الزراعة (راجع عدد أمس) بعد القبض على الوزير السابق صلاح هلال، فور إجباره على تقديم استقالته، فالقضية أعادت الحديث عن الرئيس ودوره في مكافحة الفساد ورفض التستر على الفاسدين.
في إحدى ندوات القوات المسلحة التي لم يسمح بتسجيلها، اعترف السيسي بأن كل من عمل في نظام حسني مبارك «فاسد... حتى هو (مبارك)»، مشيراً إلى أن جميع الملفات كانت لديه بحكم موقعه في إدارة «المخابرات الحربية». لكن بعد وصوله إلى الحكم أكد أنه لن يسمح بالفساد، وهي التصريحات التي أعقبتها إطاحة عدد من قيادات الجيش، بلغ أكثر من 80 لواءً.
حسم السيسي الأمر في كلمته، وها هو يسير عليها، كما يبدو، ولكنه يتغاضى عن فساد الماضي الذي شارك فيه بنفسه، على أنه لن يسمح بالفساد في المستقبل. يبدو أن هذا هو تلخيص الطريقة التي يتعامل بها الرئيس مع قضية الفساد في وزارة الزراعة، التي لا تزال تفاصيلها غير معلنة كلياً حتى الآن. ويُعتقد أن ستجر معها العديد من المسؤولين الحكوميين، خاصة أن الوسيط في القضية كان على علاقة بعدد ليس قليلاً من الوزراء.
عموماً، كسب السيسي كثيراً بموافقته على رفع الحصانة عن الوزير فور التأكد من إدانته وإجباره على الاستقالة حتى يمكن القبض عليه. ونجح في أن يعيد اسمه بقوة في الشارع كرجل يسعى إلى الحفاظ على أموال المصريين، لكنه حتى الآن لم يحقق الاستفادة القصوى من القضية. ليس بسبب غموض تفاصيلها والمتورطين فيها، ولكن لأن «حظر النشر» الذي فرضه القائم بأعمال النائب العام، المستشار علي عمران، غيّب تفاصيل كثيرة، ويمكن القول إن المكاسب التي حققها السيسي من القضية حتى الآن أقل مما يمكن أن يحققه في حال الكشف عن باقي التفاصيل.

السيسي: كل من عمل في نظام حسني مبارك فاسد، وحتى مبارك فاسد

كان بإمكان «الجنرال» الآتي من صفوف العسكر إصدار قرار بإقالة الحكومة التي تسيطر عليها حالة من الارتباك، لكنه فضّل الاحتفاظ بها حتى انتخاب البرلمان، مع تعديلات محدودة سيجريها رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، على التشكيل الوزاري فور عودته من تونس، حتى يؤكد السيسي أن الإقالة لن تطال إلا الفاسدين.
رغم ذلك، لا شك في أن الرئيس يتحمّل جزءاً من المسؤولية، فالمعاونون له اختاروا شخصيات مثيرة للجدل في مناصب مهمة، والجدل ليس على مستوى التصريحات السياسية فقط، بل على مستوى الذمة المالية. تماماً مثل المستشار أحمد الزند، الذي اختير وزيراً للعدل رغم شبهات الفساد التي تلاحقه منذ سنوات، وكذلك وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، الذي اعتقد أن بقاءه في السلطة مقترن بالدعوة الدينية لمصلحة النظام.
تساؤلات عدة تدور حول سبب خروج القضية إلى النور في الوقت الحالي، الذي يشهد «حمى انتخابية»، خاصة أن تقارير الفساد عن «الجهاز المركزي للمحاسبات» لا يجري التحقيق فيها بهذه الجدية مثلاً. المؤكد أن السيسي أمامه فرصه ذهبية ليرسخ صورة جمال عبد الناصر في الأذهان، فهل يستغلها ويطيح جميع الفاسدين في «ثورة تصحيح الجهاز الإداري للدولة»، أم ان الأمر مرتبط بالانتخابات المقبلة، واستقرار النظام؟