عمّان | «صدرت الإرادة الملكية بدفع مشروع قانون الانتخاب الذي أقرته الحكومة إلى الدورة الاستثنائية الحالية لمجلس الأمة»، بهذا القرار دفعت العجلة بالقانون الجديد للانتخابات البرلمانية في الأردن، فيما تشير التوقعات إلى أن المشروع سيستكمل مرحلة الإقرار دستورياً في الدورة العادية والمقبلة للمجلس.
مشروع القانون الجديد، يوسع الدوائر الانتخابية على مستوى المحافظات ويخفض عدد المقاعد النيابية من 150 مقعداً إلى 130، ويُبقي على مقاعد الكوتا النسائية (15 مقعداً)، متراجعاً عن القائمة على مستوى المملكة إلى القائمة على مستوى المحافظة، وذلك انسجاماً مع إقرار قانون «اللامركزية» أخيراً من ناحية، ولعدم دستورية «القائمة الوطنية» التي خصصت للأحزاب في القانون السابق، من ناحية أخرى، واستفادت منها (القائمة الوطنية) قوائم غير حزبية، وفق ما قال رئيس الوزراء عبد الله النسور في مؤتمر حضره مراسل «الأخبار».
وكان «ديوان التشريع والرأي» قد نشر على نافذته الإلكترونية، بطلب من الحكومة نص القانون، وذلك «لاستمزاج رأي الشارع الأردني»، غير المكترث، على ما يبدو، بما يجري، وفق وصف مراقبين.
يقول الإعلامي محمد عرسان، الذي تعنى برامجه الإذاعية بتحسس نبض الشارع، إن هناك «نظرة بعدم الثقة عند المواطن الأردني بحكومته، وفي أحسن الأحوال يوجد تفاؤل حذر... الأغلبية لا تكترث لأنها لا تحسن الظن بالمجلس النيابي الحالي الذي أفرزه قانون الصوت الواحد المرفوض شعبياً».
أما الأمين العام لحزب «الوحدة الشعبية»، سعيد الذياب، فيرى أن المسودة الجديدة ــ رغم الملاحظات عليها ــ تتوج «نضال القوى الحزبية طوال 22 عاماً، للتخلص من قانون الصوت الواحد وما أحدثه من تدهور في الحياة البرلمانية، وإضعاف للأحزاب، وإفساد للعملية الانتخابية». ويؤكد ذياب، في حديث إلى «الأخبار»، أن مشروع القانون جاء ليدل على أن «حجر الرحى في الإصلاح هو قانون الانتخاب»، لكنه يأخذ على القانون «تراجعه عن التمثيل النسبي على المستوى الوطني، مع أن قائمة برامجية على مستوى الوطن تمنح الفرصة لتمثيل عادل وملائم لحياة حزبية صحيحة».
وينظر ذياب إلى أن القوى المحافظة «التي تمارس الشد العكسي» لا تزال متجذرة في النظام وستسعى إلى صناعة الفجوات مع كل خطوة إصلاحية، كما يشترك معه في هذه النظرة حزب «جبهة العمل الإسلامي» (إخوان مسلمين)، وفق ما عبّر عنه الأمين العام لحزب «جبهة العمل»، محمد الزيود.
ويضيف ذياب: «مطبخ القرار عاد هذه المرة من الشباك بعدما ألغى الصوت الواحد مباشرةً، لكنه أغفل القائمة على مستوى الوطن».
والواضح أن تقسيمات الدوائر وعدد مقاعدها وحسابات الجغرافيا والكثافة السكانية ستصدر في نظام حكومي خاص لاحقاً لن يكون بإمكان النواب أو غيرهم مناقشته، بل سيكون النظام الخاص مساحة إضافية للعب وتحجيم المعارضين، والشيطان يكمن في التفاصيل.
عن هذه النقطة بالتحديد، أجاب النسور عن سؤال «الأخبار»، قائلاً إن ملاحق القوانين وأنظمتها تصدر في كل مرة بعد إصدار القوانين. وأضاف رئيس الوزراء: «مناقشة هذه التفاصيل مع النواب المنتمين إلى مناطقهم لا تصح، فكل منهم سيسعى في تقسيمه إلى خدمة منطقته».
من جانب آخر، بات النواب الحاليون الذين أفرزهم القانون القديم يستشعرون القلق، واتضح ذلك من ردود أفعالهم، خاصة على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي. مثلاً، النائب محمد القطاطشة صرح بأن «الحكومة ليست أكثر إصلاحية منا، وسيكون هناك تعديلات على مشروع القانون شبيهة بتلك التي جرت على قانون البلديات الذي أقر أخيراً»، فيما قال النائب طارق خوري إنه تجب «زيادة عدد مقاعد الكوتا للنساء»، برغم اعتراضه على الكوتا المخصصة للمسيحيين والشركس والشيشان٬ لأن «على الشخص المناسب أن يكون في المكان المناسب مهما كانت طائفته».
كذلك كتب النائب خليل عطية: «بعد إعلان النسور ملامح قانون الانتخاب والعودة إلى قانون 1989 وتعدد الأصوات، فإن النسور باقٍ ويتمدد... اللي بقول انو مروح هو اللي مروح».
هذه التخوفات الواضحة من النواب الحاليين تنذر بتشويه القانون من جديد ليصبح على مقاسهم ومن داخل المجلس النيابي هذه المرة. هنا كتبت النائبة رولى الحروب ما يشبه التهديد حينما قالت: «الخطوة الثانية ستكون تقديم مشروع #‏قانون_انتخاب بديلاً عن هذا القانون».

بالقانون الجديد لا يمكن أي تكتل سياسي أن يحصل على أكثر من 25% مهما كانت قوته

وسط كل ذلك، يدعو الكاتب والمختص بالشأن البرلماني جهاد المنسي، إلى «استثمار القانون والتفاعل معه باعتباره الخطوة الإصلاحية الفريدة للحكومة». وانتقد ما سمّاه «اللطم والتقوقع في الزوايا وتضييع فرص المشاركة»، مطالباً النواب بإثبات انحيازهم إلى الإصلاح، بدلاً من التعطيل «كما فعلوا في قانوني البلديات واللامركزية الإصلاحيين».
برغم ذلك، تساءل كثيرون عن سر الاستعجال الحكومي في إنجاز القانون مع أنه بقي نحو عام وثلاثة أشهر من العمر الدستوري للبرلمان. ما قد يحمل في طياته نية لحل ملكي قريب للمجلس عقب إقرار القانون، بل بعض من يناسبهم القانون الجديد بدأوا فعلياً الترويج لأنفسهم كمرشحين مقبلين.
يستدرك على ذلك الكاتب بلال حسن التل، الذي يقول إنه برغم كل ما قد يقال عن وجود نواقص في هذه القوانين لكنها بالمجمل تشكل «نقلة نوعية» يجب البناء عليها وتطويرها. ويضيف: «لا شيء يولد مكتملاً، وفي حالتنا هذه الحل هو الاحتكام إلى الصناديق وما تفرزه».
اللافت كان انتقاد رئيس «حزب التيار الوطني» المحافظ، النائب عبد الهادي المجالي، للحكومة، التي قال إنها «تتذاكى على الشعب بإيجاد قائمة انتخابية شبيهة لقانون الـ89».
واعترف المجالي، الذي تحالف في السنوات السابقة مع الحكومات التي أفرزت الصوت الواحد، بأن الهدف الذي كان قانون الصوت الواحد مشرعاً لأجله هو «تحجيم أي قوة سياسية في المجلس خلال 25 سنة مضت».
وتابع: «الهدف نفسه لا يزال موجوداً في هذا القانون، الذي يتضمن القائمة النسبية في المحافظات وقائمة مفتوحة وصوتاً للقائمة وصوتاً لعدد الأفراد بالقائمة، ما يعني أنه لا يمكن أي تكتل سياسي أن يحصل على أكثر من 25% مهما كانت قوته».





برغم وصف «هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني ــ همم»، في بيان أمس، مشروع القانون الجديد للانتخابت بالخطوة الإيجابية في الطريق الصحيح، فإنها نبهت إلى مجموعة ملاحظات أبرزها:
• لا يتضمن القانون معياراً واضحاً لعدد المقاعد في الدائرة الانتخابية، وترك الأمر للنظام الانتخابي يثير المخاوف بأن لا تعتمد معايير تراعي عدالة التمثيل.
• كان من الأفضل المزاوجة بين قوائم التمثيل النسبي والقوائم الوطنية المغلقة للأحزاب، ما قد يساعد على تطوير الحياة السياسية والحزبية.
• عدم النص على حق الأردنيين المغتربين في الخارج بالتصويت في الانتخابات.
• الإبقاء على دوائر البدو بشكل مستقل، وكان الأفضل دمجها بالمحافظات بما لا يخل بتمثيلهم.
• ضرورة النص على أهمية تعامل وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية كافة بحياد وبشكل منصف وعادل مع العملية الانتخابية والمرشحين، وتحديد سقف مالي للحملات الانتخابية.
• عدم تغليظ العقوبات على بعض الجرائم مثل حمل السلاح في مراكز الاقتراع.