مخيم بلاطة ــ معاذ عابدبعدما فر حازم المسكين من بائع الجرائد المعتوه، وجد نفسه مع مجموعة من أشقياء المخيم يسألونه ما به يلهث؟ فأخبرهم أن «العضاض» يلاحقه ليضايقه. العضاض بائع جرائد معتوه وبلغتنا نحن الأطفال آنذاك «ولا حبة». كان يبيع الجرائد في منع التجوال أيام الانتفاضة الأولى، وبعد توقيع معاهدة أوسلو ومجيء السلطة، بقي يبيع الجرائد وبطريقته ذاتها: يقف في أحد الشارعين الرئيسين في مخيم بلاطة، ويصرخ بأعلى صوته موجهاً نداءه للمارة: «يفضح أخته إلي ما بيشتري جريدة!». ومن هذا النوع من الشتائم التي تبدأ من الأم وتنتهي بآخر أنثى في عائلة المارة.
يشتري البعض منه الجريدة ليتخلصوا من صوته المزعج، وبعد أن يبيع بعض الجرائد ويضع النقود في الحقيبة الصغيرة التي يلفها حول خصره بالعكس، حيث يضع النقود خلف ظهره، يتحرك لشارع آخر، ولكنه عندما يرى حازم أو يركض بدون سبب تسقط معظم القطع النقدية من الجيب الخاص بالنقود وهو لا يلقي لها بالاً.
ما إن يرى العضاض حازم مقبلاً من ناحية، حتى يرمي الجرائد ويلحق بالمسكين الهادئ جداً، ثم يمسك به ويعضه في كتفه ثم يبدأ يقول له: «ولا هبيلة بتعرف تقرا جرايد؟». ثم يتناول جريدة بيده التي لا تمسك بحازم الضئيل الجسد ثم يبدأ بنهره قائلاً: أقرا ولا حيوان، أقرا يا أهبل... ما هو انت أهبل ما بتعرف تقرا».
أشقياء المخيم قالوا لحازم المسكين: ما رأيك أن تنتقم من العضاض؟
الفكرة لاقت قبولاً في نفس حازم، فدخلوا إلى بقالة جدتي، حيث كنت أجلس، واشتروا كل كميات المفرقعات والألعاب النارية الموجودة، ولفوها في «حزام ناسف» حول خصر المسكين، ثم قالوا له: «ما إن يأتي العضاض حتى نشعلها لك، فتهجم عليه». حازم لم يكن يعرف ما هي العمليات الانتحارية، لكن أخبار عمليات التفجير بالحافلات كانت تملأ المخيم.
أطل العضاض. فما كان من فادي السريع، وهو ابن عمي، إلا أن أشعل الفتيل لحازم الذي ركض باتجاه العضاض هاتفاً: «الله أكبر»، مضيفاً بعض الشتائم النابية بعد كل تكبيرة! العضاض فرح. فحازم مقبل نحوه، وقبل أن يناديه بالهبيلة كان «الفتيش» قد بدأ بالفرقعة حول خصر المسكين الذي سرعان ما أخذ يتلوى لإصابته بحروق مؤلمة في بطنه وخصره. العضاض شعر بالشفقة على حازم، وبعدما انتهت الحادثة بأيام عديدة كان العضاض إذا رأى حازم، يغير الطريق أو يتظاهر بعدم رؤيته. أما حازم الهبيلة سابقاً، الانتحاري لاحقاً، فقد كان كلما تناقشنا مع الأصدقاء عن عدد قتلى الصهاينة بعملية انتحارية ما، يشعر بالأسى الشديد على منفذي العمليات. فهم لا شك عانوا آلام الحروق كما عانى هو في عمليته الانتقامية من العضاض.