نيويورك | أظهر أنصار الله مرونة كبيرة في مباحثات مسقط. وفد العاصمة اليمنية كان موحّداً من دون خلافات، وكان يفاوض من موقع القوة. أظهرت الحشود الشعبية الاخيرة لهم في العاصمة قوتهم الداخلية، وأقدموا على مفاجآت عسكرية، دلت على قدرة كبيرة على تغيير وقائع الميدان. أقنعوا الدبلوماسية العالمية بأنهم يريدون حلاً يوقف التدمير ويعيد بناء الدولة، لكن ليس بأي ثمن. فاستطاعوا الحصول على مكاسب رئيسية في صيغة اتفاق رفعها إسماعيل ولد شيخ أحمد إلى تحالف قوى العدوان بقيادة السعودية لأجل سماع القرار حول وقف نهائي وشامل لإطلاق النار.
وفي مسقط، ينتظر وفد صنعاء المؤلف من أنصار الله وحزب المؤتمر عودة ولد شيخ، بينما تعقد لقاءات مع مسؤولين من عمان والاتحاد الاوروبي، تركز على إقناع الجانب اليمني بعدم الرد بانفعال أو سلبية، وأن المرحلة تشهد مفاوضات، بينما يحرص وفد صنعاء على تذكير المفاوضين بأن برنامج التصعيد العسكري على الحدود يسير ضمن الخطط الموضوعة. كذلك يمدّون المفاوضين دورياً بكل المعطيات حول الفوضى الكبيرة القائمة في الجنوب.
بحسب المعطيات، فإن الاتفاق ينص على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، لا سيما القرار ٢٢١٦، «بما لا يمس السيادة الوطنية مع التحفظ على العقوبات الصادرة بحق اليمنيين»، ويؤمن وقفاً شاملاً للنار من الجميع وانسحاب «كل المجموعات والميليشيات المسلحة من المدن، وفقا لآلية يتفق عليها لسد الفراغين الأمني والإداري». ويترافق ذلك مع وقف لكل الاعمال العدائية و»رفع الحصار البري والبحري والجوي عن اليمن».
الاتفاق يشمل أيضاً التفاهم على مراقبة للاتفاق من قبل جهة محايدة، لأجل التدقيق في تنفيذ الآلية التي سيتم الاتفاق بشأنها بإشراف أممي. وفي الفقرة الرابعة يدعو الاتفاق الى احترام القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك المواد التي تتعلق بحماية المدنيين وإطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين من كل الأطراف، بمن فيهم من وردت أسماؤهم في قرار مجلس الأمن، وتسهيل أعمال الإغاثة بدون قيد أو شرط.
أما الفقرة الخامسة فكانت بالغة الدلالة، إذ يتقرر سياسياً أن تعود حكومة رئيس الوزراء خالد بحاح المشكلة توافقياً، لتمارس مهماتها كحكومة تصريف أعمال «لفترة لا تتجاوز ٦٠ يوماً يتم خلالها تشكيل حكومة وحدة وطنية بما لا يتعارض مع الدستور». وهذه الفقرة تمنح «أنصار الله» وحلفاؤهم القدرة على التأثير في شكل الحكم وتوجهاته وسط تسريع المفاوضات بين الأطراف اليمنية التي تجري بوساطة أممية.
في الجوهر حصل تقدم كبير نحو تحقيق شراكة حقيقية. ولم تأت المرونة الدولية إلا بعد مؤشرات عن تشقق المعسكر المقابل في التحالف السعودي القائم، بينما الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة باتت تخشى كثيراً على حلفائها من السير نحو الهاوية وهم نيام. بات عبد ربه منصور هادي ووزير خارجيته رياض ياسين خارج اهتمام وأولويات دول العدوان، بما في ذلك أميركا وبريطانيا، إضافة الى ألمانيا ودول كثيرة في الاتحاد الاوروبي، وأيضاً روسيا والصين. ولكن، كالعادة، وقفت فرنسا معارضة، تساند «الحكم المتهور» في الرياض في منع إقرار الاتفاق، وغايتها الوحيدة الحصول على مزيد من العقود العسكرية في المنطقة.
والواقع على الأرض يشير إلى أن هادي عاجز وفريقه عن العودة إلى أي بقعة في اليمن بعد أن طُردت عصاباته من عدن ونواحيها على أيدي قوات الحراك الجنوبي. والجنوبيون يرفضون المشاركة في أي صراع خارج الجنوب. وبالتالي بقي التحالف مع حزب الإصلاح والقاعدة وداعش لمواصلة الحرب في تعز وشمالاً على أسس مذهبية. وهذا أخطر ما يواجه اليمن في الظرف الحالي. الإمارات بدورها ترفض المضيّ قدماً في أي تحالف مع الإخوان المسلمين، سواء كان الإصلاح أو من كان على شاكلته. وهنا يحدث الانشقاق بين السعودية والإمارات.
ووفق معلومات خاصة بـ»الأخبار»، فإن شخصيات وجهات نافذة من قوى الحراك الجنوبي والقبائل تتجه لعقد مؤتمر أو لقاء تشاوري خارج اليمن، من أجل بلورة تصور حول مستقبل الوضع في جنوب اليمن، والتصور الخاص بالعلاقة مع القوى النافذة شمالاً بقيادة «أنصار الله»، ومع شخصيات وقوى جنوبية موالية للعدوان أو للرئيس هادي، إضافة الى لجنة تواصل مع العواصم المعنية بالملف اليمني، ومن ضمنها السعودية.