جنين | أثبت مقاومو مخيم جنين، الذي يعتبر أيقونة المقاومة المسلحة والصمود في الضفة المحتلة، أن المخيم لا يزال يستحق هذا التقدير بجدارة. صحيح أن الأنباء الأولية طوال الفجر أخطأت في أعداد المصابين أو بشأن وجود شهداء، لكن الفجر كشف عن مواجهة كبيرة خاضها مقاومون من حركتي «الجهاد الإسلامي» و«حماس» ضد قوات العدو الإسرائيلي.
كأنّ ليالي وحكايات معركة 2002 عادت من الذاكرة إلى الواقع أمس، فقد كان المخيم الواقع شمال الضفة على موعد مع مواجهة جديدة لم تشهدها مدن الضفة منذ السنوات التي خيمت فيها المفاوضات والتنسيق الأمني كلغة أمر واقع. فاستطاع شباب المخيم مفاجأة الجميع، بمن في ذلك بعض الفلسطينيين، لقدرتهم على صد العدو بالرصاص والحجارة في آن واحد، وإحباط محاولة «الصيد الثمين» الذي سعت القوات الإسرائيلية الخاصة إلى اقتناصه، والمتمثل بالقيادي الكبير في «الجهاد الإسلامي» الشيخ بسام السعدي، عملاً بالأسلوب نفسه الذي جرى ضد أبناء المخيم، ليس بدءاً من الشيخ فرحان السعدي وصولاً إلى حمزة أبو الهيجا، الذي استشهد قبل نحو عام.
قوات العدو، التي اقتحمت حي الهدف بأكثر من 40 دورية مستهدفة السعدي المطلوب منذ عامين، لم تفلح في توقعاتها الميدانية، بل خرجت حاملة معها جنديين مصابين وجيباً محروقاً وخيبة أمل حملتها العناوين الرئيسية في المواقع والصحف العبرية.

لم تفلح قوات العدو
في اعتقال السعدي فانتقمت من منزل أبو الهيجا

وبسام السعدي (55 عاماً) تطارده قوات العدو منذ الإفراج عنه من سجونها عام 2013، وهو الذي قضى 12 عاماً في السجون على مدد مختلفة، منها ثماني سنوات متواصلة. كما قدم نجلاه التوأم عبد السلام وإبراهيم ووالدته وابن شقيقه شهداء إلى جانب 15 فرداً من العائلة. وقد تعرض منزله للهدم عام 2002، كما تعرضت زوجته للاعتقال وأفرج عنها قبل عام، وكذلك أبناؤه صهيب وعز ويحيى، الذين أفرج عنهم جميعاً باستثناء الأخير.
الإخفاق العسكري حاول العدو إخفاء تفاصيله بمقص الرقيب العسكري، لكنه حتى الصباح لم يستطع إخفاء ما فعله أمس، على يد من كانوا أطفالاً حينما وقعت معركة 2002. كذلك كان لافتاً أن البنادق كانت يقِظة، ورجال الفصائل مستعدون للاشتباك.
في اللحظات الأولى، تفجر غضب المواطنين بعدما توارد إلى مسمعهم استشهاد السعدي وخمسة مواطنين، فخرجوا إلى الشوارع شاهرين الحجارة. يقول عز السعدي، وهو نجل الشيخ بسام، لـ«الأخبار»: «تبين لنا أن رجال المقاومة تصدوا لوحدة كوماندوس خاصة اقتحمت حي الهدف واستهدفت منزل مجدي أبو الهيجا (حماس) الذي كانت تظن قوات الاحتلال أن الشيخ موجود فيه».
أما مجدي أبو الهيجا (38 عاماً)، فهو أحد قادة «حماس»، وقد اعتقل أمس مع شقيقه ونجله ووالدته بعدما هدمت القوات منزله الذي هو قيد الإنشاء. وهذا الرجل تعرض للاعتقال خمس مرات، جميعها كانت إدارية بمجموع خمس سنوات، وهو أيضاً ينتمي إلى عائلة مقاومة قدمت شهداء؛ آخرهم حمزة نجل القيادي في «حماس» جمال أبو الهيجا، الذي يمضي حكماً بالسجن المؤبد.
حالياً، تخضع عائلة الشيخ بسام لمراقبة مستمرة من قوات العدو وعملائها. يؤكد عز أنهم يدركون ذلك، ويشدد على أنهم «منذ عامين لا يتواصلون مع الشيخ... خرجنا إلى مكان العملية فور انتهائها للاطمئنان، وقال لنا مواطنون إن قوات الاحتلال تعمدت منزل أبو الهيجا، ظناً أن الشيخ بسام فيه».
وبالإضافة إلى تدمير المنزل، فقد أصيب خمسة شبان بالاختناق. كما أن فتى دهسه جيب عسكري. ويبدو أن هذه العملية العسكرية حملت رسائل لإسرائيل ترجمتها وسائل إعلام عبرية قالت إن إخفاقاً أمنياً أحبط العملية.
ويواصل عز السعدي: «كان الالتحام قوياً بين رجال المقاومة والمواطنين، وقوات الاحتلال... رد فعل المخيم كان ضد الظلم الذي نتعرض له من الاحتلال أو السلطة، واستياؤهم من صمتها المتواصل إزاء جرائم الاحتلال». ويضيف: «منذ عامين، لا أستطيع الجلوس في بيتي براحة، ففي أي لحظة تقتحمه قوات الاحتلال... هذا يذكرني باجتياحات انتفاضة الأقصى 2000».
ولعل ما جرى أمس يشير إلى أن المحاولات لتغييب المقاومة المسلحة في الضفة لا يمكن أن تصمد. يقول القيادي في «الجهاد الإسلامي» في جنين، محمود السعدي، لـ«الأخبار»، إن المخيم اعتاد المواجهات المستمرة، وفي العام الماضي «كانت هناك محاولة لاعتقال الشيخ بسام وحدثت مواجهة مسلحة قوية بسبب ذلك».
ويضيف: «لا يمكن أن يدخل جيش الاحتلال مخيم جنين دون التصدي له، ولم ولن يحدث أمر كهذا... الزخم الذي حظيت به عملية أمس يعود إلى أن الاقتحام كان في وقت مبكر وتمت تغطيته إعلامياً، وهذا يثبت أن الضفة لا تزال تقاوم، برغم محاولات السلطة تغييب المقاومة».
ويلفت محمود السعدي إلى أن المنطقة الوحيدة في الضفة التي يقتحمها جيش الاحتلال بالمدرعات والجرافات هي مخيم جنين «الذي يحافظ على قدسية البندقية والمقاومة... في المخيم يقف ابن القسام وكتائب الأقصى وسرايا القدس جنباً إلى جنب، لذا فإن جنين شوكة في حلق الاحتلال الذي لا يكف عن مراقبته ورصده».