أنقرة ــ عائشة كرباتمنذ الاعتداء الإسرائيلي على «أسطول الحرية»، كثرت محاولات الأتراك لفهم ما حصل ودوافعه. جهود أخرى يقوم بها «سعاة الخير» لإصلاح ما يمكن إصلاحه في العلاقات التركية ـــــ الإسرائيلية.
ولهذه الغاية، عُقد مؤتمر في أنقرة، أمس، في مقر «منظمة الأبحاث الاستراتيجية الدولية»، تحت عنوان «إيجاد تفاهم مشترك تركي ـــــ إسرائيلي» ينهي مفاعيل الأزمة غير المسبوقة بين الدولتين على خلفية جريمة «أسطول الحرية». مؤتمر جمع عدداً من السياسيين والصحافيين والأكاديميين والقانونيين الأتراك والإسرائيليين، أبرزهم كان السفير التركي المتقاعد أوزدم سنبرك، العضو في اللجنة الدولية للتحقيق في جريمة «الأسطول». وكان لافتاً تشديد سنبرك على أنه رغم كل ما حصل، فإنّ العلاقات التركية ـــــ الإسرائيلية «لم تصل بعد إلى نقطة اللاعودة»، مشيراً إلى أن إصلاحها يعتمد في نواح عديدة على لاعبين إقليميين عديدين. وذكّر السفير بأنه «على مدى سنوات عديدة، بذلت تركيا جهوداً جبارة لجعل حياة إسرائيل أسهل في محيط معقَّد، ورغم ذلك فإنّ تل أبيب سلكت اتجاهاً معاكساً عندما شنّت حربها على قطاع غزة في عام 2008».
وألزم سنبرك نفسه بمبدأ سرية التحقيق الذي تقوده اللجنة الدولية، من دون أن يمنعه ذلك من أن يجزم بأنّ قتل المواطنين الأتراك في المياه الدولية لن يمر مرور الكرام في تركيا، إذ إنه لا بد من اعتذار وتعويض إسرائيليين للحكومة التركية ولذوي الشهداء.
وتعليقاً على مرحلة ما بعد «أسطول الحرية»، أوحى سنبرك بأنّ إسرائيل وحلفاءها هم من حرّكوا موضوع «انتقال الوجهة السياسية الخارجية التركية إلى الشرق على حساب الغرب»، ناصحاً «أصدقاء تركيا» بالتعاطي مع دولته بحسب «حجمها الحقيقي»، أي كـ«قوة إقليمية». وظهرت رغبات المشاركين في المؤتمر في قول كل ما من شأنه تأكيد ضرورة «مصالحة» تركيا مع إسرائيل، فسارع الدكتور الإسرائيلي ياشير هيرشفلد، الذي يشغل منصب المدير العام لمنظمة التعاون الاقتصادي، ومقرها تل أبيب، إلى وصف تركيا بـ«اللاعب الضروري لإحلال السلام في المنطقة». وفيما توقف طويلاً عند الوساطة بين سوريا وإسرائيل، لفت إلى أنّ الدور التركي لا يقتصر على الوساطة، بل قد يصل إلى التحول إلى عامل فاعل في التفاصيل الصعبة في أي «سلام» إسرائيلي ـــــ عربي.
ومن قلب أنقرة، تطرق هيرشفلد إلى «عقبات السلام» التي تتجسد في إيران وحزب الله و«حماس»، مقترحاً أن يكون مدخل إعادة العلاقات التركية ـــــ الإسرائيلية من خلال نقاش جدّي في «كيفية منع هذه العناصر من إفساد السلام». وبدا واضحاً أن المندوب الإسرائيلي سعى إلى تذكير الأتراك بأن «خصومهم» في المنطقة قد يكونون من غير الإسرائيليين أيضاً، معيداً إلى الذاكرة حادثة إحدى المنظمات التركية غير الحكومية التي طلبت إذناً للعمل في قطاع غزّة، إلا أنّ «الإسرائيليين لم يسمحوا لها بذلك بسبب الرفض المصري».
أما الأستاذة في جامعة الشرق الأوسط التقنية، أوزلم تورك، فقدمت رؤية جديدة نوعاً ما للعلاقات التركية ـــــ الإسرائيلية التي «كان محتّماً عليها ألّا تبقى على سابق عهدها حتى لو لم تحصل حادثة أسطول الحرية»، ذلك أنّ عدداً من التطورات والأحداث طرأت في المنطقة، منها ما هو خاص بكل من تركيا وإسرائيل داخلياً، ومنها ما يتعلق بالنظام الدولي وبتغيّرات المنطقة كحرب العراق وتحوّل الملف النووي الايراني إلى الخطر الرقم واحد بالنسبة إلى إسرائيل.