طابة الخروج من المأزق السياسي العراقي انتقلت إلى ملعب الأكراد والسنة. التحالف الكردستاني يسعى إلى إمساك العصا من المنتصف. يعمل على ابتزاز اللائحتين الكبريين من أجل تحقيق مكاسب «ستُدفع من اللحم الحي» للسنّة. قائمة اياد علاوي تسعى إلى شراء الوقت على أمل حل التناقضات التي تعصف بمكوّناتها، في وقت يعمد فيه داعمو نوري المالكي إلى محاولة تفكيكها، والعمل على جذب الكتل الصغيرة الأخرى.
إيلي شلهوب
يبدو واضحاً أن السعودية لم تسلّم بعد بالأمر الواقع العراقي. لا تزال تحاول، ومعها مصر، «تخريب» التسوية، تحت عنوان «احتواء الوضع الشيعي في العراق»، على ما تفيد أوساط نوري المالكي التي تؤكد أن «السعوديين لا يريدون حلاًّ. يتصرفون بمنطق إما تسير الأمور كما نشتهي، أو فلينهَر كل شيء».
وتشير الأوساط نفسها إلى أن «الزيارة الخارجية الأولى التي قام بها المالكي بعد تسلمه رئاسة الحكومة كانت إلى السعودية. زيارة كهذه يتجاهلها السعوديون بل ينكرونها في بعض الأحيان. حصلت عام 2007 وقد فعلها لقناعته بأهمية السعودية كدولة إقليمية كبرى. لكن هناك شخصيات، من أمثال (رئيس هيئة علماء المسلمين) حارث الضاري، عمدوا إلى إرسال صور وأفلام مفبركة إلى ملك السعودية وقالوا له انظر ما يفعله الشيعة في العراق، كذلك نقلوا له أحاديث كاذبة عن لسان المالكي، الأملر الذي أدى إلى ما أدى إليه من تباعد بينهما».
هذا في الخارج. أما داخلياً فتؤكد الأوساط نفسها أن «نحو 30 نائباً من أعضاء القائمة العراقية أعربوا عن تأييدهم للتجديد للمالكي في رئاسة الحكومة ويتحينون الفرصة للانشقاق عنها»، مشيرة إلى أن «صالح المطلك هو الأقرب من بين قادة العراقية إلينا. سبق أن عقدنا معه عدة لقاءات وتوصلنا إلى بعض التفاهمات. هو يرغب برئاسة البرلمان. يعرف أنه عاجز عن ملاعبة الشيعة، ولا يريد أن يخسر الورقة الكردية. لذلك هو يسلّم برئاسة الجمهورية للأكراد، ولا يطمح لها لكون طموح كهذا سيدخله في مواجهة مع طارق الهاشمي».
وتعرب هذه المصادر عن قناعتها بأن «العراقية تعمد إلى شراء الوقت من أجل حل نوعين من المشاكل التي تواجهها: داخلية وخارجية». وتوضح أن «مشكلتها الداخلية في تناقض المصالح والطموحات بين أطرافها. هناك أولاً مشكلة علاوي. لا يمكن إعطاؤه رئاسة الجمهورية، أو حتى رئاسة البرلمان التي لن يقبل بها أصلاً، ويبقى الأعضاء الـ80 أو الـ 70 السنّة في العراقية يتفرجون». وتضيف «من ناحية أخرى، هناك طارق الهاشمي الذي يطمح لرئاسة الجمهورية، يريد هذا المنصب للعراقية، فيما يدفع رافع العيساوي، الذي يطمح لرئاسة البرلمان، باتجاه أن يكون هذا المنصب من حصة القائمة» في إطار توزيع الرئاسات الثلاث بين الشيعة والأكراد والسنّة فـ«كيف يمكن التوفيق بينهم؟».

من اللحم الحيّ

أما المشكلة الخارجية، تضيف أوساط المالكي، «فهي ليست مع الشيعة. حكاية صراع الوجود بين السنة والشيعة والرغبة السنية في استعادة الحكم وإعادة صدام حسين، هذا كله ذهب أدراج الرياح. سنّة العراق اليوم يعانون مشكلة سياسية محورها تحصيل الحقوق والحفاظ على الذات. هم سلّموا بالوضع المستجد، لكن مشكلتهم تبقى مع الأكراد». وتوضح أن «الأكراد يطرحون مطالب مثل كركوك والموصل وديالى، تحقّقها يتسبّب في معضلة استراتيجية بالنسبة للسنة. وهم يحاولون الآن ابتزاز الطرفين، المالكي وعلاوي، من يعطيهم أكثر. هذا الأكثر لن يكون من حساب الشيعة بل من حساب السنة. الشيعة يعطون حصة من السلطة، بينما السنة من لحمهم الحي». وتتابع «لذلك، على قادة السنة أن يجروا حساباً دقيقاً. إن لم يدعموا المالكي ويريحوه، فإنهم سيضعون الأكراد في موقع من يفرض شروطه باقتدار، وبالتالي عليهم أن يتحملوا النتائج. علماً بأن المالكي أعلنها صراحة قبل مدة أنه لن يعطي الأكراد مطالبهم ولو كلفه ذلك الاستقالة من منصبه»، مشيرة إلى أن «الأكراد معنيون بالشعب الكردي وليس بالشعب العراقي. حتى المعلومات عن وضع الثروة النفطية في منطقتهم رفضوا إعطاءها للحكومة المركزية، على ما أفاد وزير النفط حسين الشهرستاني».
وتختم هذه المصادر بالقول إن «العراقية وصلت، في مرحلة من المراحل، إلى درجة عالية من التفاهم مع دولة القانون، ثم فجأة غيرت رأيها وانقلبت على جميع هذه التفاهمات. هذا يدل على أن قرارها صعب، في داخل العراقية نفسها حيث الأطراف المتآلفة غير منسجمة في طروحاتها، ويدل أيضاً على أن هناك جهات خارجية تمتلك القول النهائي لديها».
مصادر من شركاء السر في المفاوضات العراقية تؤكد أن «العراقية بدأت تتصدع. العمل جار على فرطها»، مضيفة أن «الأكراد يعطون الأولوية للمالكي، لكنهم يبتزون الطرفين في الوقت عينه. مطالبهم معروفة. هم يحاولون أن يمسكوا العصا من المنتصف. لكن انفراط عقد العراقية سيفقدهم هذا الدور»، مشيرة إلى أن «عملية الابتزاز أكثر فاعلية مع العراقية لأن رئاسة الجمهورية التي سيتنافسان عليها بحاجة إلى ثلثي أصوات النواب، خلافاً لرئاسة الحكومة التي تحسم بالغالبية البسيطة». مسؤول حكومي عراقي سابق يرى أن «الأفضل لعلاوي أن يبقى في المعارضة. لقد سبق أن فعل ذلك بعد انتخابات 2005 وحقق مكاسب. اليوم باتت لديه قائمة من 90 نائباً». «شركاء السر» يعقّبون بالقول «صحيح الأفضل له أن يبقى في المعارضة. لكن السؤال: كم من أعضاء كتلته مستعدّون لأن يذهبوا معه إلى المعارضة؟».
وفي السياق، قالت مصادر قريبة من دمشق، إن زعيم المجلس الأعلى السيد عمار «الحكيم وضع (الرئيس السوري بشار) الأسد (خلال زيارته أول من أمس إلى دمشق) في صورة ما جرى في بغداد، وشرح له الموجبات التي دفعت المجلس الأعلى إلى رفض تسمية المالكي». وأضافت أن الحكيم أكد أنه «لا يمكنه القبول بالمالكي بأي شكل من الأشكال لكنه لن يعارض ولن يشاكس. قال إنه سيقف على الحياد، مضيفاً أن المالكي يقول إن لديه الأكثرية، فليذهب إذن ويؤلف حكومة». وتابعت المصادر أن زعيم المجلس الأعلى شرح للأسد «المعوقات التي تحول دون تأليف المالكي حكومة، مشيراً إلى أن وضعه لا يسمح بالمشاركة في حكومة كهذه». وختمت بالقول إن «الأسد استمع بدقة، وأبلغ الحكيم في ختام الاجتماع بأنه سيدرس هذه المسألة».
وزير الخارجية وليد المعلم كان يوم أمس أكثر وضوحاً في التعبير عن الموقف السوري. قال «نعتقد أن القيادات العراقية التي فازت في الانتخابات الأخيرة قادرة على التوافق فيما بينها على تأليف حكومة وحدة وطنية تشترك بها كل مكونات الشعب العراقي». وأضاف أن «العراق في هذه المرحلة لا يحتمل أن يكون هناك فريق في الحكومة وفريق في المعارضة، المرحلة مهمة لأنها ستضع العراق على طريق المستقبل ويجب أن يشترك الجميع في بناء هذا المستقبل».

الكتل الصغيرة

على خط مواز، يبدو أن العمل منصبّ هذه الفترة على استقطاب اللوائح الصغيرة إلى معسكر المالكي. من هذه الكتل، قائمة «التوافق» بزعامة عدنان الدليمي (مع اياد السامرائي) (7 نواب)، التي تؤكد مصادر واسعة الاطلاع أنها أعلنت موافقتها على التجديد للمالكي الذي زار يوم الاثنين مقر حزب الفضيلة في بغداد. وأعلن «الفضيلة»، عقب اللقاء، أنه لا يزال جزءاً من التحالف، مشيراً إلى أنه يدعم ترشيح المالكي لكنه لن يشارك إلا في حكومة وحدة وطنية.
وتقاطعت المصادر على أن العلاقة بين المالكي والسيد مقتدى الصدر «على أفضل ما يرام» هذه الأيام، نافية نفياً قاطعاً أن يكون زعيم التيار الصدري قد أعطاه مهلة من 15 يوماً لتأليف حكومة. وأضافت «لا يعني هذا عدم حصول إشكالات بين قادة من مستويات دنيا من التيار وحزب الدعوة غير مطّلعين على الاتفاق الذي تم بين الطرفين على مستوى القمة. إشكال كهذا حصل قبل أيام، لكن تم تطويقه بسرعة».
أوساط المالكي تقول «حتى مبدأ المدة غير منطقي. تأليف الحكومة هو آخر الطريق. الآن يجري العمل على التوافق على رئيس للبرلمان وانتخابه. إذا كان من العراقية، فهذا يعني أن رئاسة الجمهورية ستكون حصة الأكراد، والعكس. هي رزمة متكاملة. بعد ذلك يكلف رئيس الجمهورية المنتخب المالكي بتأليف الحكومة».

عنف سياسي


الحكيم للأسد: لن نقبل بالمالكي لكننا لن نعارض ولن نشاكس

عجز الأميركيون يوم كانوا حاضرين بكل عتادهم وعديدهم فكيف اليوم؟


المسؤول العراقي السابق أعرب عن نوعين من المخاوف؛ الأول، من انتشار العنف السياسي في العراق حيث «نفّذت خلال الأعوام الثلاثة الماضية نحو 1429 عملية اغتيال سياسي بمسدسات كاتمة للصوت»، في وقت يبدو فيه الجيش العراقي عاجزاً عن التعامل مع أي عدوان خارجي بل عن ضبط الوضع داخلياً و«إلا لكان قام بانقلاب. لا دولة في العالم تشهد أزمة انتقال سلطة كهذه ويبقى الجيش يتفرج على ما يجري». أما النوع الثاني، فمن أن «يضغط الأكراد لحسم الملفات المثيرة للجدل التي تعنيهم في الوقت الذي يبدو فيه الوضع العربي (العراقي) ضعيفاً».

مبادرة بايدن!

أوساط المالكي تنفي ما نشرته وسائل الإعلام الأميركية عن وجود مبادرة جديدة من نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن حول شراكة بين المالكي في رئاسة الحكومة وعلاوي في رئاسة الجمهورية بعد تعزيز صلاحياتها لتشمل الخارجية والدفاع والطاقة، مشيرة إلى أنها «شائعات تنشرها جهات متعددة في محاولة لتخريب الوضع». تقول: «بايدن عجز عن إحقاق تسوية يوم كان الأميركيون حاضرين كامل عتادهم وعديدهم، فكيف الحال اليوم؟».
المسؤول العراقي السابق، المقيم حالياً في واشنطن، يرى أن «الولايات المتحدة تغادر العراق من دون أن تنظر خلفها. هي خسرت في بلاد الرافدين نحو ألف مليار دولار، وهناك أيضاً فقدت صدقيتها. واشنطن اليوم منهكة اقتصادياً، تتصاعد فيها حركة يمينية متطرفة، تُعرف بحزب الشاي، ويقودها رئيس يزداد ضعفاً مع توقع فقدانه الغالبية الديموقراطية في الكونغرس، بمجلسيه».


بيرنز في بغداد «لتقريب وجهات النظر»

أعرب رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي، أمس، عن أمله أن «تشهد الأيام المقبلة انفراجاً في المفاوضات الجارية بين الكتل السياسية لتأليف حكومة شراكة وطنية»، وذلك بعد محادثاته مع نائب وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية وليم بيرنز، في بغداد. ونسب بيان حكومي عراقي لبيرنز قوله إن «الولايات المتحدة مستعدة لتقريب وجهات النظر بين جميع الكتل السياسية للمساعدة في تسريع تأليف الحكومة». على صعيد آخر، قال نائب رئيس الحكومة العراقية، القيادي في القائمة «العراقية»، رافع العيساوي، إن التدخلات الخارجية عائق أمام تأليف حكومة في البلاد. ونقلت وكالة «أنباء الأناضول» التركية عن العيساوي قوله، في مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو في أنقرة، إن تأليف حكومة عراقية «يخص العراق نفسه، لكن البلاد تواجه عوائق خارجية أمام هذا التأليف».
(أ ف ب، يو بي آي)