إسرائيل تجنّبت احتلال دمشق لعدم وجود قوات برية كافية
مهدي السيّد
بعد مرور 37 عاماً على حرب تشرين 1973 العربية – الإسرائيلية، كشفت إسرائيل مزيداً من الوثائق السرية لاجتماعات قيادتيها العسكرية والسياسية التي سبقت اندلاع الحرب وواكبت أيامها الأولى. بدايةً، يظهر محضر الاجتماع الذي عقد في السادس من تشرين الأول 1973 عند الساعة الثامنة وخمس دقائق صباحاً، أي قبل اندلاع الحرب بست ساعات، وهو من أكثر الوثائق سرية وأهمية بالنسبة لدولة الاحتلال. عُقد الاجتماع في مكتب رئيسة الوزراء في حينها غولدا مائير، وحضره كل من وزير الدفاع موشي ديان وقائد الجيش دافيد ألعيزر ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية إيلي زعيرا ونائب وزير الدفاع تسيبي تسور والوزراء إسرائيل جليلي ويغال الون، بناءً على معلومات أمنية تفيد باستعداد مصر للبدء في حرب بعيد الغفران، وهي المعلومات التي تكفّل، بحسب الوثائق، «العميل الإسرائيلي أشرف مروان بإرسالها لرئيس «الموساد» تسفي زامير (تسفيكا)». ويتضح من البروتوكولات أنهم في إسرائيل تعاطوا بجدية مع الإنذار الذي نقله المصدر الاستخباري، وكذا لحقيقة أن الروس يخرجون أبناء عائلاتهم من سوريا ومن مصر.

معلومات أمنية من «العميل أشرف مروان» تفيد باستعداد مصر للبدء في الحرب

ونوقشت إمكانية اندلاع الحرب، وكيفية التعاطي والاستعداد لمواجهتها. وقدّم رئيس الاستخبارات العسكرية تقديراته الأمنية المبنية على المعلومات التي جُمعت والتي أكّد من خلالها صعوبة إقدام الرئيس أنور السادات على خوض هذه الحرب، وفي الوقت نفسه إدراكه أنه إذا أقدم على هذه الخطوة فسيخسر الحرب. ورغم رأيه، وخلافاً لتوصية وزير الدفاع موشيه ديان، قررت رئيسة الوزراء مائير تجنيد 200 ألف جندي احتياط لوضع قوة فاعلة تحت التصرف احتمالاً لاندلاع حرب.
وتطرق رئيس الأركان في النقاش للمعلومات الاستخبارية التي وصلت فقال: «قرأت برقية رجل تسفيكا. الرسالة أصلية. بالنسبة لنا هذا إنذار قصير جداً. إذا هاجموا بعد عشر ساعات، نحن جاهزون تماماً مع الجيش النظامي، لكن لم نجند الاحتياط إطلاقاً».
واقترح الوزير جليلي في الاجتماع تسريب المعلومات الأمنية التي وصلت إلى تل أبيب عن نية مصر وسوريا البدء في الحرب لوسائل الإعلام، على قاعدة أنّ هذا ما سيؤدي إلى «خربطة الأوراق لديهم». رئيسة الوزراء مائير لم ترفض الإمكانية: «ماذا سيكون إذا أخذنا حقاً بمشورة هذا الصديق؟ لماذا لا نبادر نحن بإعلام الـ بي.بي.سي، الـ سي.بي.اس وغيرهما بأن الروس يخلون سوريا ومصر ونعطيها تقديراً لماذا يفعلون ذلك؟ أي أن نهدم لديهم وهم المفاجأة».
تدخّل رئيس أركان الجيش مشيراً إلى أنه يمكن تدمير سلاح الجو السوري حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً، «ونحتاج إلى 30 ساعة إضافية لتحطيم الصواريخ السورية، وسيكون سلاح الطيران الإسرائيلي قادراً على الحركة بحرية ويستطيع ضرب الجيش السوري». كذلك اقترح ألعيزر استدعاء الاحتياط في الجيش استعداداً لإمكانية اندلاع الحرب في غضون ساعات.
بدوره، رأى موشي ديان أنه لا يوجد ما يستدعي هذا الاستنفار، وأنّ الأمر يمكن أن يقتصر على استدعاء وحدات عسكرية محدَّدة. غير أنّ مائير وقفت بين قائد الجيش ووزير الدفاع، وحسمت النقاش بأنه يجب استدعاء فرقة من الجيش للجبهة الجنوبية وأخرى للجبهة الشمالية، إضافة إلى استدعاء سلاح الطيران بأكمله. ولخّصت مائير النقاش بالقول إنه «في ما يتعلق بضربة استباقية، لا يمكننا السماح لأنفسنا بالقيام بذلك هذه المرة، وفقط إذا هاجمت مصر فإنه سيكون بإمكاننا ضرب سوريا».
وتظهر في هذه الوثائق، محاضر الاجتماع الذي عقد في السابع من تشرين الأول من ذاك العام للقيادتين العسكرية والسياسية، إذ أكّدت مائير في الاجتماع ضرورة الطلب من الإدارة الأميركية منع مجلس الأمن الدولي اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار في ذلك اليوم، لأن هذا القرار «الآن سوف يضر بإسرائيل كثيراً مع التقدم الحاصل في الميدان على الجبهتين السورية والمصرية، وكذلك يجب إقناع واشنطن بتزويدنا فوراً بالسلاح». واقتُرح بعث إسحق رابين إلى الولايات المتحدة للاجتماع مع وزير الخارجية هنري كيسنجر لإقناعه بتلبية المطالب الإسرائيلية، ووضعه في صورة الأوضاع الأمنية وسير المعارك. وفي هذا السياق، اقترح بعض الوزراء حجب بعض التفاصيل عن كيسنجر، الأمر الذي دفع بمائير للرد بعنف على هذا الاقتراح، لأنه «يجب عدم اخفاء شيء عن الوزير الأميركي، ويجب وضعه في كل التفاصيل بدقة».
وفي معرض الحديث عن استدعاء الاحتياط بكامله، طرح موشي ديان تجنيد الإسرائيليين الذين يبلغون 17 عاماً استعداداً لإشراكهم في الحرب إذا استمرت حتى من دون خضوعهم للتدريبات العسكرية الأساسية، مضيفاً اقتراح تجنيد يهود العالم في هذه «الحرب الوجودية». كذلك اقترح الهجوم المسبق على سوريا ومحيطها على نحو غير مسبوق – حتى بثمن إصابة المدنيين والضربة المضادة على تل أبيب.

غولدا مائير قدّرت أن الملك حسين لن يقدم على فتح الجبهة الأردنية


وقبيل منتصف ليل 7 – 8 تشرين الأول، عُقد اجتماع آخر قدم فيه قائد الجيش قائمة من أربعة مواقع مهمة على الساحل المصري لضربها، وأخذ الموافقة على فعل ذلك من مائير.
بعدها، قدّم الوزيران حاييم بارليف ويغال ألون تقديراً للموقف في الثامن من ذلك الشهر بعد جولة ميدانية على الجبهتين الجنوبية والشمالية. وجاء في التقدير أن الوضع «أصبح الآن أفضل من يوم أمس، وبدأت قواتنا بالانتظام بعدما كانت مشتتة»، وتطرق الحاضرون للموقف الأردني وإمكانية انخراط الملك حسين في الحرب، وهو الذي «يتعرض لضغوط من السادات ومن الرئيس السوري حافظ الأسد، لكن تقديراتي أن حسين لن يدخل الحرب فعلياً ولن يقدم على فتح الجبهة الأردنية»، على حد تعبير مائير.
وفي صباح التاسع من تشرين الأول، بُحث في اجتماع وضع الجبهة السورية، حيث وجد ديان ضرورة الدفاع عن هضبة الجولان، «والقتال حتى الموت وعدم الانسحاب منها»، طالباً من مائير المصادقة على أهداف يجب ضربها في العاصمة دمشق والمنطقة المحيطة «لكسر السوريين لأنه ليس لدينا قوات برية للتوجه نحو دمشق، ولا يمكن القول إن مدنيين سوريين لن يصابوا». لكنّ مائير سألت ديان «هل هذه حقيقةً سوف تكسر السوريين أم ستكسرنا نحن؟»، فأعرب قائد الجيش ألعيزر عن ثقته بأنّ كثافة الانفجارات وشدتها في دمشق ستكون كبيرة ومدمرة وسوف تسمع أصداؤها في تل أبيب.


في حضن الأميركيين لكنها لم تكن متأكدة من رد فعله، وما إذا كان سيوفر الدعم الذي تطلبه إسرائيل، ولذلك أُلغي الاقتراح الذي يدلّ على الوضع الصعب الذي كانت تواجهه إسرائيل، ولا سيما في الأيام الأولى للحرب، حين كان «العرب يقاتلون أفضل من السابق»، بحسب تعبير موشي ديان.
وتعليقاً على ذلك، أشار كبير المعلقين في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، إلى أن البروتوكولات والوثائق التي نشرت تدل «إلى أي مدى كانت إسرائيل متعلقة بالإدارة الأميركية، بدءاً من الحاجة إلى الطائرات والدبابات وانتهاء بوقف إطلاق النار في مجلس الأمن، فإسرائيل أرادت وقف إطلاق نار لكنها ادعت أنها لا تريده كي لا يعرف العالم ولا يعرف العرب مدى خطورة الوضع».