شاهد عيان*
«يخرج قاسم الحزين البائس عادة والذي تغطي شفتيه ابتسامة أمل أحياناً، في آخر الليل أول النهار، ليبحث عن رزقه في النهر» ينقطع الضوء عن قارئ هذه الكلمات. فتلك اللمبة التي تخزّن الكهرباء، نفد مخزونها. والكهرباء لم تأت بشكل يسمح بتخزين الطاقة لتحويلها إلى ضوء يتيح له أن يكمل مجموعة «المعذبون في الأرض» القصصية للكاتب الراحل طه حسين. قبل يوم حصل على مال بطريقة غير مستحبة ليدفعه ثمناً لدواء بعد إجراء الحسم عليه. اليوم وبعد نهار طويل من الذهاب والإياب للحصول على الحسم، وأمام منزله حيث كان يتبادل الحديث مع أستاذه القديم (الذي ارتأى أن يفتح محل ألعاب، إضافة إلى عمله مدرّساً) سمع صوت أمه تناديه من على السطح طالبة منه أن يذهب ليرى ما حلّ بالكهرباء، فرجع متفادياً الحفريات ومنتبهاً للرمال في الظلام. بالرغم من ذلك، زلّت رجله في حفرة لكنه سرعان ما أنقذ نفسه، وتأكّد أنّه لم ينتبه أحد مكملًا بتركيز أكبر، ليجد أنّ «الديجنتير» الخاص ببيتهم في علبة الكهرباء المشتركة لهذه المنطقة من المخيم «نازل»، فرفعه، وعاد ليفاجأ بأنّ الكهرباء ما زالت مقطوعة، لا بل إنها انقطعت فترة إضافية، لأنهم لم يرفعوا «الديجنتير» قبل أن تعاود الانقطاع بالكامل. ماذا يفعل الكاتب في الظلمة؟! يضيء تلك اللمبة المخزّنة للكهرباء مبتهجاً، ويخطر في باله قراءة كتاب بعنوان «المعذبون في الأرض»، أهداه له صديقه لمناسبة عيد ميلاده الخامس والعشرين. في وقت سابق قرأ منه قصة واحدة بعنوان «صالح» وأعجبته كثيراً. القراءة أفضل من الشرود الطويل و«الصفن» في الحائط المقابل الذي يذكّره عادة بما آلت إليه أيامه وبما كانت عليه. وأكثر من ذلك فإنه لم يعرف يوماً لماذا يذكّره هذا الحائط بالسنين التي لم يعشها شخصياً، فكيف يتذكّر ما كانت عليه الأحوال قبل 30 أو60 سنة؟! كيف أنّ هذا الحائط قادر على أن يعيد إليه صوت جدوده ورائحتهم وهم يفلحون في قريته المحتلة في فلسطين؟ يواصل القراءة حتى تنقطع الكهرباء وتنفد الطاقة المخزنة في اللمبة تلك. يبحث عن قداحته، فيجد أن هناك ضوءاً يتسلل من الباب مصدره الغرفة الخارجية التي يمرّ بها قبل دخول غرفته. وبالفعل تبيّن أن التيار كان قد عاد، كبس على زر الإضاءة (الذي كان مكبوساً لدى انقطاع التيار، فأطفأه دون أن يدري) وإذ باللمبة المخزّنة تضيء. لكنها ما لبثت أن انطفات لأنها مبرمجة على ذلك أوتوماتيكياً باعتبار أن اللمبة الأساسية ستضيء واللمبة المخزنة ستخزّن. واكتشف أنّ اللمبة الأساسية قد احترقت، فترك اللمبة المخزنة بعد تشغيل وإطفاء حتى فهم ما كان يحصل. خلال هذا الوقت انقطع التيار في الخارج ولم يعد يتابع ما إذا كان التيار قد عاد أو انقطع، لأنه كان يكتب لكم ما تقرأونه بعدما قرأ جزءاً من قصة «قاسم» في كتاب «المعذبون في الأرض» لطه حسين.
* عضو في «الكتيبة 5»