حسام كنفانيأولى بوادر ظهور الخلاف بين عبّاس ودحلان كانت مع قرار الرئيس الفلسطيني قبل أسبوعين سحب الحراسات الشخصية لمحمد دحلان الذي ينالها باعتباره عضواً في اللجنة المركزية لحركة «فتح»، إضافة إلى شغله منصب مفوّض الإعلام في الحركة، الذي تضاهي صلاحياته منصب وزير الإعلام في السلطة.
لكن ما الذي أوصل العلاقة بين أبو مازن وأبو فادي إلى هذا الدرك، رغم أن دحلان كان من أشدّ المقرّبين من محمود عبّاس، بل كان ركناً أساسيّاً في معركة الأخير مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات؟
نظرة إلى تاريخ دحلان لا تدفع إلى الكثير من استغراب مسألة خلافه مع عبّاس. فهو سبق أن انقلب على أبو عمّار الذي صنعه منذ المرحلة التونسية وصولاً إلى تعيينه قائداً للأمن الوقائي في غزّة بعد اتفاق أوسلو. دحلان لم يحفظ الجميل لأبو عمار، وانضم إلى طالبي «الإصلاح» في حركة «فتح» بزعامة محمود عبّاس. وكان تحذيره الشهير لعرفات في آب عام 2004 من إمكان الانقلاب عليه. وهو ما ردّ عليه عرفات باستدعاء دحلان إلى مكتبه في رام الله، حيث قال له: «اسمع يا دحلان قاتل أبيه لا يرث».
التاريخ يعيد نفسه اليوم بين عبّاس ودحلان، اللذين سبق أن اختلفا بعد عملية الحسم العسكري في غزة عام 2007، والذي حمّل أبو مازن دحلان مسؤوليته. الخلاف اليوم يبدأ من المواقف السياسية ولا ينتهي عند المطالب بحصّة من الحكم، مروراً بتباين التيارات داخل «فتح». خلافات قد تكون قديمة، وتبلورت في المؤتمر السادس لحركة «فتح» في آب من عام 2009، غير أن دافعها الرئيس اليوم يحمل طابعاً شخصيّاً.
وبحسب مصادر مطّلعة على واقع العلاقة بين عبّاس ودحلان، فإن معلومات وصلت إلى أبو مازن عن حديث لمحمد دحلان في إحدى السهرات، تطرّق خلاله إلى «الفساد الذي يغطيه أبو مازن»، ولا سيما استغلال ولديه ياسر وطارق لمنصب والدهما لتطوير أعمالهما في الأراضي الفلسطينية. معلومات إضافية وصلت إلى عبّاس عن عمل دحلان ضد نجليه. معطى آخر عمل خلاله دحلان ضد أبو مازن، إذ أوردت بعض الصحف الإسرائيلية أن أبو فادي «يعمد إلى تحريض ابن شقيقة عرفات، ناصر القدوة، على العمل ضد عباس لإقصائه عن رئاسة السلطة، ليخلفه في منصبه»، باعتباره أحق منه بالرئاسة، أو على الأقل برئاسة الحكومة.
عنصر إضافي أوصل إلى القطيعة، وهو بحسب المصادر عمل دحلان على تعزيز نفوذه داخل الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، وتدخّله في إعادة تأليف الحكومة التي كان يعمل عليها سلام فيّاض، ما أدى إلى تأخر التأليف الذي كان من المقرر أن يدخل أعضاءً في «فتح» إلى الوزارات.
الخلاف استفحل مع التوجهات نحو المصالحة التي لم ترض دحلان، الذي عمد، باعتباره مفوّض الإعلام في الحركة وصاحب التأثير البارز في وكالة «وفا»، إلى تجاهل زيارة عزّام الأحمد لدمشق ولقائه مع قيادة «حماس».
الخلاف في المرحلة الأخيرة دفع دحلان إلى الانتقال مؤقتّاً إلى الأردن، حيث يمتلك منزلاً، ولا سيما بعد تسريب خبر قرار اللجنة المركزية التحقيق مع دحلان «لإساءته إلى وحدة الحركة».
غير أن وساطات بين الجانبين مهّدت لعودته ومشاركته اليوم في اجتماع المجلس الثوري لـ«فتح»، حيث من المفترض أن يجتمع مع أبو مازن بمبادرة من مفوّض التعبئة والتنظيم في الحركة أبو ماهر غنيم.
لقاء قد يكون شبه «مصالحة»، ولو مؤقّتة، بين الرجلين، ولا سيما أن عبّاس، بحسب المصادر، «لا يرغب في استعداء دحلان، وخصوصاً أنه يعلم مدى نفوذه في الحركة، والدعم المادي والمعنوي الذي يحظى به من الأميركيين».