ربما كانت فلسطين المنتصر الأول الخميس الماضي، في «دورة الوحدة الوطنية» التي جمع الشوط النهائي فيها فريقي حماس وفتح التي انتصرت بهدفين مقابل هدف واحد. وبرغم ذلك، تبادل الطرفان التهانئ والقبلات
حسن زين الدين
كان المشهد جميلاً. كل أطياف الشارع الفلسطيني في لبنان كانت حاضرة عصر ذلك اليوم. من مخيمات الشتات في بيروت جاؤوا واجتمعوا في ملاعب قصقص العشبية لكرة القدم. جمعتهم هذه الكرة بعدما فرّقتهم السياسة. أرادوا أن يكون للذكرى السادسة لرحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات نكهة مختلفة عن السنوات الماضية، فكانت الفكرة في تنظيم دورة الوحدة الوطنية الفلسطينية لكرة القدم. كذلك أرادوها صورة مختلفة تصل كرسالة إلى الداخل الفلسطيني، مفادها «أن الوحدة الفلسطينية هي سبيلنا لاسترجاع أرضنا» كما يقول أحدهم.
قد تبدو الفكرة رمزية ومستهلكة، لكنها تحمل الكثير من المعاني التي يمكن أن يُبنى عليها مستقبلاً إذا ما تكررت هذه المبادرات وتعممت في دول الشتات. جنباً إلى جنب، كان ممثلو منظمة فتح وحركة حماس حاضرين في الملعب. سحابة مباراة، تناسوا خلافاتهم وانقساماتهم، وكان هدفهم الوحيد إنجاح هذه الدورة رغم ضعف الإمكانات. وللحقيقة، فإن زائر الملعب كان بإمكانه أن يلاحظ حركة ونشاطاً كبيرين، فالكل كانوا يعملون كخلية نحل لإنجاح الدورة. والخميس الماضي، كان بإمكان قاصد ملعب قصقص الكبير أن يتلمس شعوراً مختلفاً عمّا رسخ في مخيلته عن حال الانقسام السائدة في المخيمات الفلسطينية في لبنان. كيف لا، وقد وصل فريقا الأقصى التابع لحركة حماس وحيفا التابع لفتح إلى المباراة النهائية للدورة التي جمعت 16 نادياً من مخيمات برج البراجنة وشاتيلا ومار إلياس.
تصل إلى الملعب قبل انطلاق المباراة النهائية بقليل، وقد تخيلت أن الأجواء ستكون مشحونة بين «المعسكرين». لكنك تفاجأ بهذا الجو من الفرح الطفولي، وبهذا الكمّ الهائل من الابتسامات التي ترتسم على وجوه الحاضرين. النكات لم تغب عن الصورة.
الفرحة طاغية في الملعب. الكل قدموا من المخيم لمتابعة هذا «الحدث» الاستثنائي في يومياتهم. «هو القدر جمع الفريقين في النهائي من بين 16 فريقاً» يقول أحدهم، ويزيد آخر: «كلنا إخوة، ما في فرق، وهلق بتشوف إنو ما رح يصير شي بالماتش». لكن هذا الاطمئنان لم يمنع من وجود بعض الخشية لدى المنظمين، حاولوا تمويهها بابتساماتهم. ينزل الفريقان إلى أرض الملعب، إلى اليمين المعسكر الحمساوي بلباسه الأخضر، وإلى اليسار المعسكر الفتحاوي بلباسه الأصفر. بعض التحمية، تعليمات من مدربي الفريقين وتنطلق صافرة البداية. لم ينتظر الفتحاويون سوى دقائق معدودة حتى يفتتحوا التسجيل عبر ماهر صبرا، لتعلو الأهازيج في المعسكر الفتحاوي.
تتشنج قليلاً الأجواء داخل أرض الملعب، فالحمساويون يشتكون من «تحامل» حكم اللقاء عليهم، ويرفع أحدهم صوته معترضاً فيتدخل مدرب الفريق صالح الحاج علي للتخفيف من روعه. ينتهي الشوط الأول. الفتحاويون مسرورون، بينما الوجوم يسيطر على الحمساويين. وما هي إلا لحظات من الشوط الثاني حتى يدرك محمد عبد الحليم التعادل للأقصى، فينقلب المشهد رأساً على عقب. لكن الكلمة الفاصلة ستكون لحيفا عبر هشام حماد الذي يسجل هدف الفوز من ركلة حرة. يطلق الحكم صافرته. يتبادل اللاعبون العناق. يسدل الستار على «بروفة» ناجحة للتواصل بين فتح وحماس. انتصرت فلسطين.


التقارب بين الفصائل من فوائد الدورة

وُزعت في نهاية الدورة الكؤوس على الفرق الفائزة والميداليات على المواهب التي برزت في المباريات، وقد ألقى خالد عبادي مسؤول الرياضة في مخيمات بيروت، كلمة في المناسبة أثنى فيها على هذه الدورة لما لها من فائدة «في تعزيز التقارب بين الفصائل الفلسطينية، بعيداً عن أي خلاف سياسي، والإسهام في الخروج من أي احتقان»، لافتاً إلى أن الدورة هي ملتقى «للتعارف بين الشباب من مختلف المخيمات»، موجهاً في الختام التحية إلى كل شهداء فلسطين.