دمشق | على مرحلتين، الأولى مرحلية تواكب إفرازات الأزمة والثانية استراتيجية تحاكي متطلبات ما بعد انتهاء الأزمة، بنى الاتحاد العام لنقابات العمال رؤيته المقدمة للحكومة حول الواقع الاقتصادي السوري وأولويات العمل.
يبدأ الاتحاد رؤيته بتأكيده أن «الاستهداف الممنهج للمنشآت الاقتصادية والخدمية الوطنية منذ بداية الأزمة، وتأثيرات العقوبات الاقتصادية الغربية الظالمة، أفضيا إلى نشوء واقع اقتصادي واجتماعي جديد عبّر عنه في سبعة مؤشرات رئيسية أبرزها: التراجع الحاد في أداء المؤشرات الاقتصادية الكلية من انكماش في الناتج المحلي الإجمالي إلى تغيير في هيكلة الناتج، فتفاقم الدين العام، وانخفاض الاستثمار العام والخاص، وارتفاع في معدلات التضخم، والبطالة، والفقر»، وفقدان البلاد «لمزاياها الاقتصادية التي وفرت لها عبر العقود الماضية أمناً غذائياً ساند استقلالية قرارها السياسي، إضافة إلى «تدهور المستوى المعيشي للمواطنين، الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد من هم في دائرة الفقر بحديه الأعلى والأدنى».
وتحت عنوان المطلوب مرحلياً اقترح اتحاد العمال البدء بـ«صياغة استراتيجية وطنية للتعامل مع إفرازات الأزمة وتعزيز صمود سوريا كدولة ومجتمع في مواجهة ما يخطط لوحدتها واستقرارها». ويقترح في هذا السياق استراتيجية مرحلية تنطلق من ست نقاط رئيسية تتفرع عنها عدة مؤشرات.

اقترح «الاتحاد» استراتيجية مرحلية تنطلق من ست
نقاط رئيسية

أولى هذه النقاط تتمثل في قيام الحكومة بإجراء «مسح وطني شامل ودقيق لواقع المجتمع السوري بعد أربع سنوات من الأزمة، وعلى مختلف الصعد والمستويات»، ثم «تحديد أولويات المشاريع والتوجهات الحكومية خلال الفترة الممتدة إلى حين انتهاء الأزمة، بحيث يصار إلى تركيز الاهتمام على معالجة المشاكل والتحديات الاقتصادية المرتبطة بالأزمة». وثالثاً «إطلاق وتنفيذ مشروع وطني واضح المعالم والخطوات لإعادة توزيع الدعم على الشرائح الاجتماعية المستحقة والقطاعات الاقتصادية، وبما يخفف من الضغوط المعيشية على المواطنين المستحقين ويبعد الدعم المقرر بأشكاله المختلفة عن حلقات الفساد والاستغلال». ويطالب رابعاً بـ«إعادة تقييم شاملة وسريعة لمفاصل العمل الحكومي، واختيار طاقم إداري على مختلف المستويات وفق معايير الكفاءة والخبرة والنزاهة». أما خامساً، فإن الأولوية هي لـ«وضع برنامج وطني لمكافحة الفساد الذي يستغل ظروف الأزمة للمتاجرة بمعاناة المواطنين واستغلال العقوبات الخارجية وتراجع الإنتاج الوطني»، وأخيراً ضرورة «إعادة النظر بشكل عاجل بالإجراءات القانونية والتنفيذية المطبقة في استيراد مؤسسات الدولة لاحتياجات البلاد من السلع والمواد، وذلك للحد من المخالفات والصفقات المشبوهة والاحتكار».

ما بعد الأزمة

وبالنظر إلى «حجم الضرر الكبير الذي تعرضت له سوريا اقتصادياً واجتماعياً منذ بداية الأزمة، والأخطاء التي قادت إليها السياسات الحكومية السابقة»، فإن اتحاد العمال يولي اهتماماً أكبر لمرحلة ما بعد الأزمة، فحتمية العمل تفرض «إعداد استراتيجية وطنية طويلة الأمد تكون مهمتها إعادة بناء الاقتصاد الوطني، وإطلاق عملية تنمية شاملة ومتوازنة». ولذلك يقترح الاتحاد استراتيجية بثمانية محاور رئيسية تبدأ بالتركيز على دور الدولة «في ظل مفاهيم مؤسسية دينامية حديثة ومتطورة، بحيث تتدخل أكثر في المجالات الاستراتيجية وأقل في المجالات الأخرى»، فضلاً عن إطلاق «مشروع الإصلاح والتنمية الإدارية لمؤسسات الدولة وجهاتها العامة»، في إطار عدة خطوات يأتي في صدارتها «العمل على إزاحة الأعداء الطبيعيين للإصلاح».
ولا تخرج «وصفة» اتحاد العمال عن المعتاد في قراءة واقع القطاعات الاقتصادية الرئيسية من زراعة وصناعة وتجارة ومال، ففي الزراعة يرى الاتحاد ضرورة «مضاعفة الاستثمارات الحكومية في القطاع الزراعي، بحيث تسمح بنسبة نمو لا تقل عن 8%، مع التركيز على التحسين النوعي للإنتاج النباتي والحيواني». أما على صعيد السياسة النقدية، فإن المطلب الأول من المصرف المركزي يتخلص في «إعادة النظر بنسب السيولة ومعدلات الفائدة الدائنة والمدينة ونسب الاحتياطي القانوني المفروضة على المصارف العامة، والمتعلقة كذلك بقرارات إيقاف جميع أشكال وأنواع القروض المصرفية لكافة الأنشطة، ومن أجل تفعيل بعض التشريعات المعطلة أو غير المستغلة من قِبل المصرف المركزي، التي تتيح له تجهيز القروض للمصارف العامة لتحقيق غايات تنموية وإنتاجية وتشغيلية».
وتفرد الرؤية العمالية حيزاً أكبر للحديث عن مرحلة إعادة الإعمار أو البناء، فتشير إلى أهمية عدة خطوات أبرزها: إحداث هيئة عامة مرتبطة بمكتب رئيس الجمهورية للإشراف على عملية إعادة الإعمار.

رد «فاتر»

ردة الفعل الأولية للحكومة لم تكن متحمسة لما قدمه اتحاد العمال، فاللجان الرئيسية التابعة لرئاسة مجلس الوزراء سجلت عليه ملاحظات عدة ظلت بمجملها بعيدة عن المناقشة العميقة لمضمون الرؤية، إذ إنّ بعض الملاحظات المسجلة يمكن وصفها بـ«الشكلية» كمطالبة لجنة التنمية البشرية الوزارية بإعادة صياغة العنوان وحذف هذه العبارة واستبدال تلك الجملة، والبعض الآخر يندرج في إطار «إعادة الكرة لملعب» الاتحاد، كتوصية اللجنة الاقتصادية الوزارية التي طالبت الاتحاد بتقديم مصفوفة تنفيذية وآليات العمل الخاصة بالمحاور الواردة في الرؤية، فيما أوصت لجنة الخدمات والبنى التحتية بـ«إعادة الدراسة لاتحاد العمال لدراستها وتبويبها وتنسيقها ووضع أولويات العمل ومصادر التمويل المقترحة في ظل محدودية الموارد المتاحة حالياً».