خاص بالموقع- تنتشر علب المشروبات الغازية وأكياس البلاستيك في مدرسة المأمونية الابتدائية في بغداد، حيث تزدحم مقاعد الصفوف التي غالباً ما تكون مظلمة دون كهرباء، وتكتظ بطلبة بدون كتب أحياناً أخرى. وفي منطقة الوزيرية ذاتها، شمال بغداد، على مسافة قريبة تجد نفسك في عالم آخر داخل مدرسة «المودة» الأهلية للبنات التي تتخذ من فيلا واسعة مقراً لها.
وتبدو النظافة لافتة. وتجلس طالبات خلف طاولات أنيقة داخل صف مكيف، فيما تشرح مدرسة معادلة رياضية على السبورة.

وعاد عدد كبير من طلاب المدارس إلى صفوفهم الدراسية بعد تحسن الأوضاع الأمنية والاستقرار التدريجي عقب أعمال العنف التي اجتاحت العراق عموماً وبغداد خصوصاً التي نجمت بعد اجتياح البلاد عام 2003، بقيادة الولايات المتحدة لإطاحة نظام صدام حسين.
ودفعت الأوضاع التي تعانيها المدارس الحكومية بسبب العدد الكبير للتلاميذ، ونقص التمويل كما هي حال مدرسة «المأمونية» الكثير من عائلات التلاميذ إلى إرسال أبنائهم إلى المدارس الخاصة مثل «المودة» التي تنتشر اليوم في بغداد ومناطق أخرى من البلاد.
وقال عدنان هاشم مدير ثانوية «عمر بن عبد العزيز» الحكومية وتقع في منطقة الأعظمية (شمال)، إن «المدارس الخاصة أفضل؛ لأن المدرسين فيها أكثر أكفأ».

وأضاف هاشم: «شخصياً، أفضل إرسال ابني إلى مدرسة خاصة من تعليمه هنا»، مشيراً إلى أن «أجور التعليم في المدارس الخاصة تصل إلى مليوني دينار (نحو 1600 دولار) سنوياً لطلبة المراحل النهائية وتعد مكلفة.
وكان العراق قد استطاع خلال الأعوام التي سبقت فرض الحصار بعد اجتياح الكويت في 1990، تقديم جيل متفوق من المهندسين والأطباء يعد الأكثر تأهيلاً في الشرق الأوسط.
ففي عهد النظام السابق، كان التعليم إلزامياً لجميع العراقيين بغض النظر عن العمر، وجميع المدارس تديرها الحكومة، فيما يشير تقرير حديث للأمم المتحدة إلى أن واحداً من كل خمسة عراقيين بعمر 15 عاماً، لا يستطيع القراءة والكتابة، اليوم.

وقال تقرير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي»، في نيسان الماضي، إن «العراقيين يرون أن التربية والتعليم تدهورا في بلدهم خلال السنوات القليلة الماضية».

وكان التعليم أحد أهم الأهداف الرئيسية للمتمردين الذين قاتلوا القوات الأميركية والحكومة العراقية.

وذكر تقرير لمنظمة اليونسكو صدر في شباط الماضي، أنه خلال السنوات الخمسة التي أعقبت اجتياح العراق، وقع 31 ألفاً و598 هجوماً على المؤسسات التعليمية في العراق.
كذلك طرد عدد كبير من المدرسين بتهمة الانتماء إلى حزب البعث المنحل وهربت كوادر تعليمية أخرى إلى خارج البلاد خوفاً من الوقوع ضحية أعمال عنف، في الأعوام الماضية.
وقالت فاطمة وهي أم لثلاثة أبناء، جاءت لتسجيل أحدهم (14 عاماً) في مدرسة «أصول الدين» للبنين «ليس لدي مشكلة بدفع الرسوم في المدرسة الخاصة».
وأضافت: «على كل حال، أدفع أجور الدروس الخصوصية؛ لأن التدريس غير جيد في المدارس الحكومية، وأتمنى ألا نحتاج إلى دروس خاصة أخرى عندما يدرس في هذه المدرسة».
من جهتها، أوضحت الطالبة رهام رشان (15 عاماً) في مدرسة «المودة» أنّ «عليك الاعتماد على نفسك في المدارس الحكومية، فليس ثمة من يساعدك إذا كنت لا تفهم شيئاً». وأضافت: «التعليم أفضل بكثير هنا» في المدرسة الخاصة.

ولفتت إلى أن هناك ايجابيات أكثر في المدارس الخاصة، فأحياناً «هناك مسابح، أو دروس لتعلم اللغة الفرنسية أو الموسيقى، وهو أمر مفقود في المدارس الحكومية».
وبرر فلاح القيسي أحد المسؤولين الرفيعي المستوى في لجنة التعليم داخل مجلس محافظة بغداد الأمر، قائلاً إن «العدد الكبير من الطلاب مقارنة بعدد المدارس، فضلاً عن ضعف المناهج التعليمية، يمثّل مشكلة» أمامنا.

وأضاف: «إن عدد الطلاب في بعض المدارس يصل إلى سبعين طالباً في الصف الواحد، فيما لا يزيد عددهم على 25 في المدارس الخاصة».
وأشار إلى أن «المدارس الحكومية مكتظة في بغداد، فقد بنيت أقل من ثلاثين مدرسة منذ عام 2003، رغم أننا ما زلنا بحاجة إلى أكثر من 952 مدرسة أخرى».
ومنذ اجتياح العراق، أنفقت الحكومة الأميركية أكثر من مليار دولار على التعليم في العراق، وبنت أكثر من 500 مدرسة وأعادت تاهيل أكثر من 2500 مدرسة أخرى، وفقاً لبرنامج المعونات الأميركية للعراق.
وهناك ثلاثة آلاف مدرسة حكومية في عموم العراق وثلاثون مدرسة خاصة أخرى فتحت بموافقة الحكومة، وتتصاعد أعدادها تدريجاً.

وأشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن الحكومة العراقية اعتبرت التعليم إحدى أولوياتها الرئيسية ورفعت تخصيصات التعليم التي كانت 7,2 في المئة من ميزانية 2008 إلى 9,9 في المئة في ميزانية عام 2009.

ويرى القيسي أن «هذا ليس كافياً، ويجب أن يكون بين 18 إلى 20 في المئة» من حجم الميزانية.

وأشار إلى أن «أولياء الأمور يفضلون إرسال أولادهم إلى المدارس الخاصة لأنهم يعتقدون أن أطفالهم يحصلون على تعليم أفضل».

وأوضح أن «27 في المئة من أصل 61 ألف طالب اجتازوا امتحان البكالوريا العام الماضي، فيما كانت النسبة 31 في المئة من الناجحين في المدارس الأهلية، والفرق ليس كبيراً».

ورأى القيسي أن التعليم في بغداد هو الأسوأ بسبب الكثافة السكانية العالية في العاصمة، مشيراً إلى أن «عدداً كبيراً من الطلاب الذين تركوا الدراسة لعام أو عامين، خلال فترة أعمال العنف يجدون صعوبة في تعويض ما فاتهم».