«حركة أحرار الشام الإسلاميّة» ماضيةٌ في رسم مسارها وفقَ إيقاعٍ مضبوطٍ على النغمة التركيّة. وباتَ مألوفاً أن تُزامن «الحركة» بين كلّ خطوة تخطوها بغية الإيحاء بتحرّرها من ثقل «الانتماء القاعدي»، وبين أي تصريحٍ تركيّ في شأن «المنطقة الآمنة»، أو التعاون التركي الأميركي في الشمال السوري. في هذا السياق، حرصت «أحرار الشام» في اليومين الأخيرين على إصدار ثلاثة بيانات لافتة، وبالتزامن مع تأكيد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن «بلاده والولايات المتحدة اتفقتا على تنفيذ عمليات جوية شاملة لإخراج مقاتلي تنظيم الدولة من المنطقة الحدودية السورية».
وخصّصت «الحركة» أحد بياناتها لتجديد التأكيد على عدم «وجود ارتباط بين الحركة وبين تنظيم القاعدة»، وهو أمر بات التنصّل منه محور تحركات «الحركة» في الشهور الأخير. أمّا البيان الذي أعلنت فيه «أحرار الشام» البدء بـ«إعادة هيكلة الجناح العسكري ليكون نواة جيش نظامي»، فهو في واقع الأمر لا يعدو كونَه إعلاناً لاستقطاب مقاتلين جُدد يرفدون صفوف «الحركة» تحت ستارٍ «وطني». ويأتي ذلك استعداداً لـ«التحديات» التي تنتظر«الحركة» في الشمال السوري على وجه الخصوص، والتي يُرجّح أن تتطلّب منها الانخراط في معارك على جبهات عدّة. فعلاوةً على المعارك ضدّ تنظيم «داعش»، التي يتهيّأ «الأحرار» لبدء مرحلة جديدة منها حال ورود ضوء أخضر أميركيّ، يبدي رعاة «الحركة» الأتراك تحسّباً كبيراً لاضطرارها إلى دخول احتراب مع شركاء الأمس في «جبهة النصرة». ومنَ المُنتظر أن يكون هذا الاحتراب بمثابة عربون أخير تُقدمه «الحركة» في سبيل مباركة غربية لارتدائها «العباءة المعتدلة» («الأخبار»، العدد 2651). من هذه الزاوية تحديداً، يغدو البيان الذي أعلنت فيه «أحرار الشام» فصل أحد أعضاء «المكتب الشرعي» هو أخطر البيانات الصادرة عنها أخيراً. البيان المذكور صدر عن «المكتب الشرعي العام»، وأوضح أنّ «الشرعي أبو شعيب المصري يعتبر مفصولاً عن المكتب الشرعي بسبب عدم انضباطه بتوجيهات المكتب الشرعي». ولا يمكن اعتبار هذا الإعلان مجرّد «إعلان فصل»، بل ينبغي التعامل معه على أنّه «إعلان حرب جديدة» ضدّ أصحاب الهوى «القاعدي» ومُعارضي الارتماء كليّاً في الحضن التركي. ويُعتبر «الشرعي» المفصول رأس حربة في هذا السياق، وهو صاحب الموقف الشهير الذي أعلن فيه براءته من تأييد «الحركة» للتدخل التركي، كذلك انتقد المواقف الصادرة عن «مسؤول العلاقات الخارجية» لبيب النحاس والتي حاول فيها الأخير التقرّب من الرأي العام الغربي، وتسويق «اعتدال الحركة» لديه. وفي مقابل ذلك تبنّى المصري «فتوى تحرّم التعاون مع الدول الاقليمية وخاصة تركيا». وكما كان متوقّعاً، فقد أثار فصل المصري حفيظةَ «جبهة النصرة» التي باتت في ريبة دائمةٍ من توجّهات «أحرار الشام» المستجدّة («الأخبار»، 2663). وسارعَ المُنظّر «الجهادي» المعروف أبو قتادة الفلسطيني (عمر محمود عثمان، أردني من أصل فلسطيني) إلى استغلال الفصل لتجديد هجومه على قيادة «أحرار الشام». ونقلت مصادر «جهاديّة» عن المقدسي (الذي يُعتبر أحد أبرز مُنظري تنظيم القاعدة، ومن المؤثرين في توجهات جبهة النصرة) تعليقَه على الحادثة من «رؤية شرعيّة بحتة». وتكتسب المهاجمة من زاوية «شرعيّة» أهميّة خاصةً في حالات الخلافات المماثلة بين «الفصائل»، وعادةً ما تكونُ مقدّمة لتسعير المواقف، ومظلّة في كثير من الأحيان لشن المعارك. وجاء هجوم المقدسي أمس على «قيادة الأحرار» حادّاً، وشبيهاً لما صدر عنه إبّان تأييدها التدخل التركي («الأخبار»، 2647). وكان من أبرز ما جاء في تعليق المقدسي الأخير اتّهامه «قادة الأحرار» بأنّهم «يريدون إمّعات... طراطير تنساق لهم بلا تفكير ولا وعي ولا محاولة اجتهاد».

القحطاني «يجرح ويداوي»

وكان لافتاً أنّ تعليق أبو ماريّا القحطاني (شرعي النصرة المُجمّد) على فصل «أحرار الشام» لأبي شعيب المصري قد وافقَ من حيث المؤدّى تعليقَ المقدسي، على الرغم من أن القحطاني يُعتبر محسوباً على تيّار «مهادن». أبو ماريّا انتقد «قادة الحركة» في سلسلة تغريدات عبر صفحته على موقع «تويتر»، مؤكّداً أنّه « ليس لإخواننا في الحركة الحق أن يلزموا هذا الأخ الشرعي (أبو شعيب) بمسألة فقهية يراها». واستغلّ القحطاني الحادثةَ لمهاجمة معظم «الفصائل» في ما يخصّ «الشرعيين»، في ما يبدو أنّه غمزٌ من قناة «جبهة النصرة» أيضاً. وقال القحطاني إنّ «غالب الشرعيين في الجماعات يكون أداة بيد القادة، يشرعن لهم ما يشتهون وما يرون. وأحياناً يستخدم القضاء للتصفيات السياسة». وأضاف: «أصبحت الجماعات كالحكومات الجبرية تستخدم المؤسسة الإعلامية والشرعية بما فيها القضاء بأنها تبع لها وتأتمر بأمرها وهي ظاهرة جبرية». لاحقاً لذلك، حرص القحطاني على نشر سلسلة تغريدات جديدة، امتدح عبرها «ما تقدمه الحركة من جهود في الساحة الشامية».

توضيحٌ «إخواني»

في موازاة ذلك، أصدر «المكتب الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا» أمس بياناً توضيحيّاً في شأن ما تداولته وسائل إعلام حول «رغبة الجماعة في التكامل مع «حركة أحرار الشام الإسلاميّة». ونفى المكتب أن يكون ما نُشرَ في هذا السياق «تصريحاً صادراً عن الجماعة»، مؤكداً أنّ «أصل الكلام حوار أجراه المراقب العام (محمّد وليد) مع صحيفة العهد التابعة للمكتب الإعلامي للجماعة، وقد تم اقتطاع جزء منه بصورة مخلة ونشره على أنه تصريح». وقال المكتب إنّ «حديث المراقب العام (في الحوار) كان عن رؤية للتكامل ما بين السياسي والعسكري، وما بين الجماعة وبقية الفصائل على اختلافها وتنوّعها، ولم يقتصر الحديث على فصيل محدد». وكان الحوار المذكور قد نُشر منتصف الشهر الجاري، وقال فيه وليد إنّ «أحرار الشام فصيل سوري كبير، (...) ونحن نرى أن ما بيننا وبينهم من القواسم المشتركة ما يجعلها أرضاً خصبة لتعاون كبير، وفرصة لخلق التكامل بين السياسي والعسكري. وهذه رؤيتنا مع جميع الفصائل السورية الفاعلة على اختلافها». ومن المعروف أنّ القواسم المشتركة بين الطرفين كثيرة، وأبرزها أن المكوّن «الإخواني الهوى» يلعب دوراً نافذاً داخل «حركة أحرار الشام». كذلك يُعتبر «حزب العدالة والتنميّة» راعياً أساسيّاً للطرفين.