كان الأمن هو الدافع الرئيسي في ولادة مجلس التعاون الخليجي سنة 1980، مع بدايات الحرب العراقية ـــــ الإيرانية. ومنذ ذلك الحين فرض هذا الموضوع نفسه على قمم المجلس الدورية بوصفه أم الأولويات. إلا أن المجلس لم يستطع خلق حالة الاستقرار المنشودة. بدا واضحاً منذ أشهر أن جدول أعمال القمة الحالية سوف يُشغل بالتطورات على مسارين: تنامي التهديدات الآتية من اليمن، وتصاعد الحديث عن الملف النووي الإيراني. في الجانب الأول تضع الولايات المتحدة ثقلها لمحاصرة خطر تنظيم «القاعدة». لكن الاستراتيجية المتبعة في هذا الميدان لا تزال قائمة على الطرق التقليدية، كما هو حال الحرب على «القاعدة» في باكستان وأفغانستان.
تداعيات الأسابيع الأخيرة أخذت تدفع في اتجاه تطوير الآليات لخلق شبكة أمنية واسعة تمتدّ من اليمن إلى باقي بلدان مجلس التعاون، وفق ضابط إيقاع أميركي. ورغم أن السعودية واليمن ترتبطان باتفاقات أمنية وتنسيق لمواجهة «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب»، إلا أن قضية الطرود المتفجرة التي اكتشفت في دبي وبريطانيا في نهاية تشرين الأول الماضي أظهرت شرخاً في التنسيق، وخلقت حالة من الجفاء بين الطرفين، سببها أن الرياض بادرت إلى الكشف عن الطرود الخارجة من صنعاء، من دون أن تبلّغ الطرف اليمني. ووجّه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح انتقادات علنية للسعودية، لكن الولايات المتحدة سارعت إلى تطويق الأمر، فأرسلت وحدات من المتخصصين من جهازي الاستخبارات والمباحث الفيدرالية لتسلم شؤون الأمن في مطار صنعاء، في الوقت الذي تشرف فيه وحدات بريطانية على أمن الممرات البحرية.
من المنتظر أن تناقش قمة مجلس التعاون خطة أميركية لمواجهة خطر «القاعدة» في اليمن، تقوم على أساس شراكة أمنية أوسع، وبتمويل خليجي، وهذا ما يطالب به الحكم اليمني منذ انعقاد مؤتمر المانحين في نهاية شهر كانون الثاني الماضي في لندن. بعد تسريبات «ويكيليكس» تبيّن أن بلدان الخليج قلقة جداً من إيران. ورغم الفترة الطويلة من البراغماتية المعلنة والاستقرار في علاقات إيران الخارجية، إلا أن طهران تمثل حالياً أهم خطر عسكري واستخباري لدول الخليج. وتتجمع سائر دول مجلس التعاون، ومعظم المراكز الاقتصادية والسياسية الحيوية على خط الساحل المواجه لإيران. وتشترك إيران مع الإمارات وسلطنة عمان في الإشراف على شريان النفط الحيوي في مضيق هرمز، بينما لا تزال قضية جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى محل نزاع لا أفق لحله.
ورغم أن خطر الهجوم الصاروخي الإيراني على سفن دول مجلس التعاون وموانئها قد توقف منذ عام 1987، حين وقع آخر مرة، فقد استمرت الرقابة الاستخبارية. واتسمت السياسة الخارجية الإيرانية باتباع منهج أكثر اعتدالاً ركّز على احتواء العراق، وتحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية وسائر دول مجلس التعاون وإخراج القوات الأجنبية من الخليج، على أن يحل محلها ترتيب أمني إقليمي مشترك. لكن مع ذلك، يستمر قلق قادة الخليج إزاء نيات إيران الاستراتيجية المستقبلية، التي يصعب التحقق منها.
وتبقى الاستراتيجيات الأميركية المطروحة على منطقة الخليج في إطار عملية الابتزاز وسلب مقدرات هذه الدول. ومع كل طفرة في أسعار النفط، تنهال صفقات السلاح الكبيرة على المنطقة من دون أن يتحقق مفهوم الأمن الحقيقي في البلدان الخليجية. وتشير التقديرات الى أن منطقة الخليج سوف تدخل مرحلة من سباق التسلح، حيث يقدر حجم الصفقات في السنوات الخمس المقبلة بـ120 مليار دولار. لكن الهشاشة الأمنية في الخليج سوف تستمر. ولن تسمح الولايات المتحدة بأي محاولة لخلق استقرار أمني في منطقة الخليج، إضافة إلى أنها لن تساعد في خلق أي فرصة نحو الاكتفاء الذاتي في قضية الأمن.
(الأخبار)