غزة | لم تستطع أم حسن، جدة الطفل محمد المشهراوي، مواساة ابنتها بعد وفاة طفلها ابن الأسابيع الثلاثة، الذي قضى مع أنه كان ينعم بصحة جيدة، قبل أن يصاب بحمّى مفاجئة سببت له حالة من التشنج، وأدت الى وفاته قبل وصوله إلى المستشفى.
لم تحدد نتائج التقرير الطبي أسباب الوفاة الحقيقية، خصوصاً أن الرضيع توفي في وقت تكثر فيه مثل هذه الحالات. لكن الجدة ترجّح أن يعود سبب الوفاة إلى مدة حمل ابنتها التي تزامنت مع الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وهي نتيجة يرفض الأطباء، الفلسطينيون أو الإسرائيليون، تأكيدها، برغم تلميح بعض التقارير الطبية إلى أن سبب التشوهات الخلقية لدى عدد من مواليد غزة بعد الحرب، هو استنشاق الأم غازات سامة.
تقول أم حسن إن بنتها لم تكن بخير في الحرب، وقد كانت تستنشق بعض الغازات السامة التي تصدر عن الصواريخ التي تطلقها الطائرات الحربية الإسرائيلية، وهو ما يسبب عدم اكتمال المناعة عند الطفل أو ربما قتلت خلايا أخرى في جسمه.
حالة المشهراوي ليست الوحيدة، فبالنسبة إلى محمد الهباش (٢٥ عاماً) لم تكمل زوجته أشهُر حملها التسعة، ما أجبرها على المكوث مع بداية شهرها السادس شهراً كاملاً تحت المراقبة في محاولة من الأطباء لإنقاذ الجنين. ومع ولادتها الطفل في الشهر السابع، وبرغم كونه ولداً مكتمل الأعضاء فإنه «يواجه موتاً محتماً»، كما يقول الهباش. يقف الوالد أمام غرفة الحضانة التي تحوي طفله وما يقارب ٢٠ آخرين، موضحاً أن زوجته ظهر حملها بعد انتهاء الحرب... «كنا مشردين في المدارس عقب قصف منزلنا».

كثرت هذه الحالات بين سكان المناطق الحدودية والنازحين

أما اختصاصي الأطفال في مستشفى الشفاء، عمر طالب، فيقول إنهم لم يتوصلوا بعد إلى سبب واضح لوفاة الأطفال، لكن «الظروف التي عاشتها الحوامل في الحرب تظهر أنه أصبح لدى الأجنة مشكلات تكاد تكون متكررة، وهي: عسر في التنفس وقلة في الوزن، ما يستلزم توفير غذاءً خاصاً مكلفاً، وهو ما لا يستطيع الأهالي توفيره في ظل الفقر».
وأشار طالب إلى «ارتفاع نسبة ولادة الأطفال الخدج (غير مكتملي النمو) بعد الحرب بصورة كبيرة»، ولكنه يرى أن ذلك نتيجة متوقعة «خلال الحروب التي تزيد فرصة تعرض الأجنة للأمراض المزمنة (كالفشل الكلوي)، أو الوفاة مبكراً أو التشوه الخلقي».
وقبل أسابيع، كشفت «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ــ الأونروا»، عن ارتفاع نسبة وفيات الرضع في قطاع غزة للمرة الأولى منذ 50 عاماً، عازية ذلك إلى الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ نحو تسع سنوات.
وأفادت «الأونروا» بأنّ وفيات الرضع في غزة زادت بنسبة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، ففي 1960 كان يموت 127 طفلاً في غزة قبل إنهاء عامهم الأول من بين كل ألف مولود، وفي 2008 تراجع هذا العدد إلى 20.2 رضيعاً من كل ألف. لكن آخر إحصاء في 2013 كشف أن نسبة الوفيات بين الأطفال الرضع ارتفعت إلى 22.4 رضيعاً، كذلك ارتفع عدد الرضع الذين يموتون قبل أسبوعهم الرابع من 12 لكل ألف في 2008 إلى 20.3 لكل ألف في 2013، وفق آخر بيانات الوكالة التي تنفذ إحصاء كل خمس سنوات.
وأكد أكيهيرو سايتا، وهو مدير برنامج الصحة في «الأونروا»، أن نسبة وفيات الرضع هي أحد أفضل المؤشرات الصحية لكل شعب، مضيفاً أن التقدم في مستوى تحسن وفيات الأطفال عند الولادة لا يشهد عادة أي تراجع، وأن هذا التراجع المسجل يبدو غير مسبوق. وتابع في بيان: «من الصعب تحديد الأسباب الدقيقة لوفاة رضع، ولكني أخشى أنها تندرج في إطار ظاهرة أوسع في غزة»، مشيراً إلى أن الوكالة قلقة جداً من التأثير البعيد الأمد للحصار الإسرائيلي على البنى التحتية الصحية والتزود بالأدوية والمعدات الطبية.
وتحذر الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية بانتظام بشأن وضع الأطفال في غزة الذي يشكل عدد الأطفال دون 14 عاماً 45% من سكانه. وفي حرب العام الماضي، كان نحو ربع 2200 شهيد من الأطفال، وهم يشكلون حالياً بعد عام من الحرب، أغلبية الجرحى الذين يتلقون العلاج في مؤسسات كمنظمة «أطباء بلا حدود».
من جهة أخرى، قال المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، إن «سكان المناطق الحدودية التي تعرضت للقصف والتهجير هم أكثر المتضررين صحياً وخاصة النساء والأطفال»، مضيفاً أن «نقص الأدوية والمعدات الطبية يضاعف احتمال موت المزيد من الأطفال».
وأشار القدرة إلى أن «الدراسات والفحوص المخبرية أكدت استعمال إسرائيل أسلحة محرمة دولياً تحتوي غازات ومواد كيماوية سامّة تظهر آثارها السلبية مستقبلاً، وهو ما يفسر هذا الارتفاع الملحوظ في وفيات الأطفال».