بعد الضربات التي وجهها وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان إلى الحكومة الإسرائيلية عموماً، ورئيسها بنيامين نتنياهو خصوصاً، من خلال سلسلة المواقف التي أطلقها والتي أحدثت إحراجاً لرئيس الحكومة، أطلّ الخلاف الديني ـــــ العلماني برأسه من جديد، من بوابة قانون التهويد العسكري هذه المرة، مهدداً ائتلاف نتيناهو، في ظل احتدام السجال بين حزب «إسرائيل بيتنا» من جهة، والأحزاب الحريدية، ولا سيما «شاس» و«يهدوت هتوراه»، من جهة ثانية. سجال استغل طرفاه سلاح الموازنة لابتزاز نتنياهو والضغط عليه، في محاولة لاستمالته. وإذا كانت هذه الضربات غير كافية، جاءت استقالة المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة لتصبّ الزيت على النار، ولتعيد تسليط الضوء على الخلافات وحال الفوضى التي تعصف بالدائرة الأقرب من نتنياهو.
ففي ظل الأزمة الائتلافية الناشئة بسبب قانون التهويد العسكري، شهدت أمس لجنة الكنيست نقاشاً عاصفاً انتهى بالتصويت لمصلحة إمرار اقتراح القانون إلى لجنة القانون والدستور. وينص اقتراح القانون على أنه لن تكون ثمة ضرورة لتصديق الحاخامية الرئيسة على خضوع الجنود لعملية تهويد داخل الجيش الإسرائيلي.
وأثار الموقف الذي أظهره نتنياهو علامات استفهام إزاء صدقيّته، ذلك أنه بعدما قرر الوقوف إلى جانب حزب «إسرائيل بيتنا»، الداعم لقانون التهويد، تعهّد لرئيس حركة «شاس»، إيلي يشاي، بأن الائتلاف لن يؤيد القانون. وفيما مالت حركة «شاس» إلى إعطاء نتنياهو فرصة للوفاء بوعده، أعرب رئيس كتلة «يهدوت هتوراه» أوري مكلف أن أزمة الثقة بنتنياهو لا تزال قائمة من ناحيتهم، ملمّحاً إلى ورقة الضغط التي يمكن الحريديم أن يستغلوها ضده، بقوله إن حزبه لم يقرر بعد وجهة تصويته على موازنة الدولة المتوقع أن تُعرض على التصويت اليوم.
وكان حزب «إسرائيل بيتنا» قد هدّد بعدم التصويت لمصلحة الميزانية في الكنيست إذا امتنع الائتلاف عن تأييد قانون التهويد. وتنطلق الأحزاب الحريدية في معارضتها لقانون التهويد من كونه يمس الوضع الراهن ويقوّض مكانة الحاخامية ويفرّق صفوف «الشعب»، وسيؤدي إلى جهاز تهويد منفصل وخاص بالجيش، بحيث يحوّل متخرّجي الجيش الإسرائيلي إلى متهوّدين فئة ثانية.
من جهة ثانية، أعلن نير حيفتس، المستشار الإعلامي لنتنياهو، استقالته أمس، بعد 18 شهراً في منصبه ليكون المساعد الثالث لنتنياهو الذي يستقيل هذا الأسبوع.
وذكرت «هآرتس» أن حيفتس أبلغ نتنياهو نيّته الاستقالة بعد حصوله على عرض تلقّاه من شركة «كاسبي تورز» التي تسيّر رحلات بحرية في البحر المتوسط، لرئاسة الشركة. وفي بيان صدر عن مكتب نتنياهو، شكر الأخير حيفتس على خدماته وتمنّى له التوفيق.
وسيغادر حيفتس مكتبه في نهاية الأسبوع لينضم إلى المستشار السياسي شالوم شلومو والمساعد الشخصي لرئيس الوزراء تساتشي غافرييلي، الذي عمل أيضاً في مكتب رئيس الوزراء الأسبق آرييل شارون.
وسيحل مكان حيفتس المتحدث باسم بلدية القدس ونائبه في الأشهر الستة الأخيرة جيدي شميرلينغ.
يشار إلى أن حيفتس ذكر، في عدد من المناسبات، رغبته في مغادرة منصبه، وهو كان مرشحاً لمنصب قنصل عام في نيويورك، وأجرى محادثات مع وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بشأن الموضوع، إلّا أنه بعدما شعر بأنه لن يحصل على المنصب أعرب عن رغبته في منصب سفير إلى الهند.
ووقعت مشاحنات بين حيفتس ومستشار الأمن القومي عوزي آراد والسكرتير العسكري السابق لنتنياهو مائير كليفي، منذ بداية ولايته. وبلغ التوتر مبلغه حين زار نتنياهو موسكو سراً في أيلول 2009 من دون إبلاغ حيفتس ذلك، ما دفعه إلى الاحتجاج قائلاً إن رئيس الوزراء يحدّ من صلاحياته أمام الإعلام.
وثمة ربط بين استقالة حيفتس وخيبة أمله من الأوضاع التي تسود مكتب نتنياهو، ولا سيما سوء الإدارة والفوضى والخلافات التي تدبّ فيه، إضافة إلى يأسه من إمكان حصول انفراج في أفق التسوية، ذلك أنه كرئيس لمنظومة الإعلام الوطني كان يمنّي النفس بموقع مفعم بالفعل السياسي، ولكن بدلاً من ذلك وجد نفسه غارقاً من الصباح حتى المساء في شؤون الإدارة.