خلال فترة عيد الميلاد إلى رأس السنة، أو ما يعرف عموماً باسم فترة الأعياد، تكثر الاحتفالات وتتعدّد أوجهها وهداياها. لكلّ من هذه الاحتفالات جذور تاريخية، لا تكون مرتبطة عادةً بالدين. ففي التاريخ قصص تبدأ عند «بابا نويل» ولا تنتهي مع ولادة التقويم

قصص الرموز من «بابا نويل» إلى الكعكة



صباح أيوب
بين الشجرة والأضواء والنجمة والملائكة والمغارة وبابا نويل ونبتة الميلاد والكعكة والهدايا... تتعدد رموز الميلاد وتختلف معانيها بين كل بلد وشعب، لكنّ المؤكد أن «أكسسوارات» الاحتفال بالعيد زادت مع الوقت لأسباب تجارية بحتة، جعلت من العيد محطة تسويقية سنوية تعوّل عليها الشركات الكبرى حول العالم.
الرموز الميلادية باتت في السنوات الأخيرة متشابهة ومعولمة مع بعض الاستثناءات التي تخص تقاليد بعض البلدان. ولعل أبرز وجوه هذا العيد هو «بابا نويل»، وهنا تختلف الشعوب على هوية الرجل المسن الذي يوزع الهدايا على الأطفال. البعض يقول إنه القديس نقولا، الذي كان يوزع الهدايا على العائلات الفقيرة ليلة عيد الميلاد، والذي وهب حياته للديانة المسيحية وتعذّب خلال دفاعه عنها منذ القرن الرابع، والبعض الآخر يشكك حتى في تلك الشخصية، ويقول إنها محض خيال. أمّا «سانتا كلوز»، فهو شخصية هولندية تدعى «سنتركلاس»، يعود وجودها إلى أساطير من القرن السادس عشر تحكي عن «قديس طيب» مسنّ يرتدي زيّ الأساقفة (الأحمر والأبيض) ويمتطي حصاناً أبيض طائراً يساعده على التنقّل بين مختلف المناطق لتوزيع الهدايا على الأطفال الذين يتركون له أحذيتهم الخشبية الفارغة أمام المواقد.
وبعد الهولنديّين، جاء البريطانيون ليعتمدوا شخصية «بابا الميلاد» في القرن السابع عشر، الذي تحول أخيراً الى «سانتا كلوز» بشكله الحالي كرجل مسن ملتحٍ وممتلئ يلبس ثوباً أخضر وزناراً أسود. وفي القرن التاسع عشر جاءت الصيغة الأميركية لتلك الشخصية، فحافظ الأميركيّون على الشكل الإنكليزي، وحدّدوا القطب الشمالي موطناً لـ«سانتا كلوز».
وقد خلّد الرسام توماس ناست شخصية سانتا بشكله ذاك وبلباس أحمر وأبيض في صورة نشرت في «هاربرز ويكلي» في كانون الثاني عام 1863، ثمّ بدأت الشخصية تدخل كتب الأطفال، وأخيراً الماركات التجارية، وبينها الحملة الإعلانية لشركة «كوكا كولا» عام 1930، حتى أطلقت فكرة كتابة الرسائل الى «سانتا كلوز» وانتشرت إعلانات لـ «ناسا» و«القوات الجوية الأميركية» و«مطار دالاس» لتشجع الأطفال على إرسال لوائح مطالبهم الى تلك العناوين، على أن تتكفل تلك الجهات بتوصيلها اليه في القطب الشمالي.
وفي عام 1955، أعلنت متاجر «سيرز» الأميركية إطلاق «خط ساخن» يمكّن الأطفال من الاتصال بـ «سانتا» ومحادثته مباشرةً. وأخيراً، في عصر الإنترنت، بات لـ«سانتا كلوز» صفحة إلكترونية وعناوين «إي ميل» يتواصل بها مع زواره من حول العالم.
يذكر أن الكنيسة المسيحية اعترضت على استخدام شخصية «سانتا كلوز» بطريقة مكثّفة في موسم الأعياد على حساب الشخصية الأساسية للعيد وهو السيد المسيح، كما أنّ بعض علماء النفس حذّروا من فكرة إقناع الأطفال بكذبة كبيرة اسمها «سانتا كلوز»، وتلاعب الكبار بهم، حيث يشترك في تلك الكذبة التلفزيون والكتب والمدرسة والأصدقاء والأهل... فيجد الأطفال صعوبة في تقبّل الحقيقة في ما بعد، وخصوصاً أنه في بعض البلدان يترك الأطفال لـ «سانتا» كوب حليب وقطع بسكويت قرب المدفأة، ويتناول الأهل سراً جزءاً منها، فيستفيق الأولاد في الصباح ليكتشفوا أنّ «سانتا» مرّ من هنا فعلاً.
مجمل رموز الميلاد الأخرى مستقاة مما جاء في الرواية الدينية المسيحية عن تلك المناسبة: المغارة وتماثيل مريم العذراء ويوسف والمجوس الثلاثة والرعيان وحيواناتهم والنجمة والملاك.
أما نبتة الميلاد، وهي على شكل نجمة حمراء تتوسطها بذور صفراء واسمها في اللغة الإنكليزية «بوينسيتياس»، فمنشأها المكسيك وهي سمّيت على اسم أول سفير للولايات المتحدة في المكسيك جويل بوينسيت. السفير الأميركي نقلها معه الى الولايات المتحدة ومعها الرواية المكسيكية التي تقول إن النبتة تمثل نجمة بيت لحم، حيث ولد المسيح، وهي تزهر في موسم الميلاد للدلالة على ذلك.
هناك أيضاً كعكة الميلاد أو Buche de Noel. هي تحلية تقليدية أوروبية منتشرة في فرنسا وبلجيكا وكيبيك والبلدان الفرنكوفونية. الرواية تقول إنه في الماضي البعيد كان السكان يُشعلون جزع شجرة كبيراً جداً في ليلة الميلاد، الذي كان يجب أن يبقى مشتعلاً في الموقد 12 يوماً من فترة الانقلاب الشتوي. والبعض كان يرش الملح على الجزع خلال اشتعاله «لإبعاد الساحرات»، وآخرون يحتفظون بالرماد للوقاية من الصواعق.
ومن المواقد الى الموائد انتقل تقليد وجود جزع الشجرة في موسم الميلاد، لكن هذه المرة على شكل كعكة للتحلية تتكوّن من كريما الزبدة والليكور والشوكولاتة والقهوة، وهي تشبه كثيراً الكعكة التقليدية التي كانت تُعدّ في القرن التاسع عشر في منطقة بواتو شارانت الفرنسية، مع إضافة بعض الزينة والتماثيل الخاصة بالميلاد.
وفي الماضي، كان الناس يكتبون رسائل للتهنئة بالعيد، وللتعبير عن أمنياتهم ومشاعرهم، ويرسلونها الى أصدقائهم وأقاربهم، لكن منذ القرن التاسع عشر (1843) اقترح أحد رجال الأعمال البريطانيين طباعة بطاقات معايدة جاهزة. وهكذا ظهرت مجموعة البطاقات الأولى مع مساحة صغيرة للكتابة داخلها، تلتها مجموعة أخرى كُتب عليها مسبّقاً جملة «ميلاد مجيد». وبدأت البطاقات تنتشر في بريطانيا باللونين الأسود والأبيض بدايةً، ثم صارت تلوّن باليد. وبعد بريطانيا أدخلت البطاقات الى الأسواق الأميركية ومنها الى العالم. وفي القرن العشرين حلّت البطاقات الإلكترونية محل البطاقات الورقية، وأرسلت أولى بطاقات المعايدة الإلكترونية عام 1994 على أول موقع خصص لذلك، وكان اسمه the electric postcard.



العيد في الروزنامتين الغريغوريّة والجوليانيّة




احتفالات الميلاد تتنوّع حول العالم، ومنها ما هو مثير للغرابة. لكن القصة الأكثر إثارة قد تكون في التقويم، واختلاف العيد بين 25 كانون الأول و6 كانون الثاني

ديما شريف
حتى مجيء يوليوس قيصر إلى السلطة في الأمبراطورية الرومانية، كان تقسيم الوقت قمرياً، غير أنه كان يفتقر إلى الدقّة. وبسبب ذلك، وبناءً على نصيحة منجّميه، قرر يوليوس استحداث روزنامة جديدة تعتمد على الشمس في تقسيم الشهور والأيام والسنة. وأصدر قراره هذا سنة 46 قبل الميلاد، وقسّمت بموجبه السنة إلى 365 يوماً وربع يوم تمتد على 12 شهراً. وبناءً على نصيحة المنجّم سوسيجينيس الإسكندري، أضيفت سنة كبيسة إلى الروزنامة كلّ أربع سنوات (يوم إضافي في شباط)، كي لا يضيع ربع اليوم في كل سنة.
بعد ظهور المسيحية واعتمادها ديناً شرعياً أيام الأمبراطور قسطنطين سنة 313 بعد الميلاد، وحلولها ديناً رسمياً في 391 بعد الميلاد، أصبح مهرجان ساتورناليا، المخصص لإله الزراعة والحصاد، الذي كان الرومان يحتفلون به بين 17 و24 كانون الأول، عيد ميلاد المسيح، وفق تقويم يوليوس قيصر (الجولياني).
لكن حسابات التقويم الجولياني لم تكن دقيقة، إذ كانت السنة الفعلية أقصر بإحدى عشرة دقيقة عمّا قرّره منجّموه. وهكذا، بحلول القرن السادس عشر، كانت الروزنامة متقدمة عن الوقت الفعلي بعشرة أيام. سنة 1582، طلب البابا غريغوريوس الثالث عشر تصحيح هذا الخلل، كي يستطيع المسيحيون الاحتفال كل عام بعيد الفصح في الوقت نفسه الذي عُقد فيه المجمع المسكوني الأول (نيقيا) سنة 325 ميلادية. وفي النتيجة ألغيت هذه الأيام العشرة، عبر مرسوم صدر في 24 شباط 1582. لكن لم تلتزم جميع الدول بالروزنامة الغريغورية (الغربية) الجديدة، وخصوصاً الدول غير الكاثوليكية التي لم ترض أن يفرض البابا عليها التقويم. ولذلك، بقي الاحتفال بعيد الميلاد في الخامس والعشرين من كانون الأول في الدول التي اعتمدت التقويم الغريغوري (الغربي)، فيما الأخرى التي قررت إبقاء الروزنامة الجوليانية (الشرقيّة)، كان الاحتفال في السادس من كانون الثاني، أي بعد حلول رأس السنة الغريغورية.
وأصبح يشار إلى روزنامة يوليوس بالتقويم الشرقي.
في نهاية عام 1582، كان العالم الكاثوليكي كلّه يتبع التقويم الجديد، فيما انضمت الدول البروتستانتية، وفي مقدمتها بريطانيا، إلى المعترضين عليه. في منتصف القرن الثامن عشر قررت بريطانيا العودة عن مقاطعتها، بعدما أصبحت تسبق القارة العجوز بأحد عشر يوماً. وفي 1751، صدر مرسوم اعتماد التقويم الغريغوري، الذي أثار سخط العديدين ممن اتهموا الحكومة البريطانية «بسرقة 10 أيام» من حياتهم. وهكذا انضمّت لندن إلى عواصم أوروبا في الاحتفال بالميلاد في 25 كانون الأول. لكن بعض المناطق رفضت ذلك، واستمر سكانها، لسنوات، بالاحتفال بهذا العيد في السادس من كانون الثاني. وحتى اليوم، يطلق على هذا التاريخ في بعض المناطق في بريطانيا اسم «عيد الميلاد القديم».
وبقيت الدول الأرثوذكسية، ومعها تركيا المسلمة، تتبع التقويم الجولياني حتى بداية القرن العشرين، حين قررت معظم دول العالم اتباع روزنامة غريغوريوس. لكن بعض هذه الدول قررت استمرار الاعتماد على التقويم الشرقي في ما يتعلق بأعيادها. فاليوم تحتفل الكنسية الروسية، والأوكرانية، والبيلاروسية، واليونانية، والآشورية، والصربية والبلغارية بعيد الميلاد في السادس والسابع من كانون الثاني من كل عام، بعد 13 يوماً على احتفال الكنائس الأخرى بالعيد في 24 و25 من كانون الأول (أصبح الفرق بين الروزنامتين في القرن العشرين 13 يوماً). لكن بعض الكنائس الشرقية التي انضمت إلى نظيرتها الغربية في الاحتفال بعيد الميلاد يوم 25 كانون الأول، لا تزال تعتمد التقويم الشرقي في باقي المناسبات الدينية طيلة العام، لأنّها تعدّه الأدق.
الاختلاف في الاحتفال بيوم العيد ليس الفرق الوحيد بين الشعوب حول العالم، فهناك تفاصيل ارتبطت بتاريخه منذ مئات السنين، تستمر في بعض المناطق. في النمسا مثلاً، وتحديداً في مناطق الألب، يرافق بابا نويل وحش اسمه كرامبوس، يحمل سوطاً وكيساً كبيراً مخصصاً لإخافة الأولاد الذين كانوا مشاغبين طيلة العام. أما في إيطاليا، فهناك الساحرة «لا بيفانا» التي تبحث عن الطفل يسوع، بعدما رفضت زيارته حين ولد، كما تقول الأسطورة، وتوزّع في الأثناء الهدايا على الأطفال. أما في اليابان، التي اعتمدت أعياداً غربية عدّة، فيجول راهب بوذي اسمه هوييشو ومعه الألعاب على الأولاد. وفي ألمانيا، توزع الفتيات الهدايا في لباس أبيض ويطلق عليهن اسم «كريستكيند»، وهو تقليد منتشر في بعض دول وسط أوروبا. أما في هولندا، فيرافق «زوارت بيت» أو «بيتر الأسود» الأب نويل، على حماره، ووجهه دائم السواد لأنّه هو من يقوم بإنزال الهدايا عبر المداخن. وفي البرازيل، يقال إنّ بابا نويل يعيش كل أيام السنة في غرينلاند، لا في القطب الشمالي، وهو لا يلبس الصوف بل الحرير.
في تشيكيا، لا يمكن الاحتفال بالعيد من دون أكل سمكة الشبوط التي تحفظ في الشوارع في أحواض كبيرة، قبل أسبوع من الميلاد. وحين يشتري أحدهم السمكة الكبيرة، تُنظّف في الشارع أيضاً أمام المارة. أما في أوكرانيا، فيضع الناس إلى جانب الشجرة زينة اصطناعية هي عبارة عن عنكبوت ونسيجها، ويقال إنّها فأل حسن. في السويد يحتفل قبل الميلاد بعيد القديسة لوسيا، في 13 كانون الأول، وهي المسؤولة عن توزيع الهدايا على الأطفال، وليس بابا نويل.
كاتالونيا هي الأكثر غرابة، مع شخصية «إل كاغانير» الذي يبدو في وضعية من يقضي حاجته. ويقال إنّ ذلك ضروري كي تصبح الأرض غنية وتنتج منتوجاً جيداً العام المقبل.



لا بهجة في غزّة



غزة ــ قيس صفدي
لم يترك نبيل، وهو فلسطيني مسيحي مقيم في غزة، باباً إلّا طرقه للتوجه إلى مهد المسيح في مدينة بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة، لمشاركة أقرانه من مسيحيي العالم في احتفالات أعياد الميلاد. وبعد نحو ثلاثة أسابيع من الانتظار للحصول على تصريح من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، يسمح له بمغادرة غزة إلى بيت لحم عبر معبر بيت حانون «إيرز» العسكري، كانت صدمة نبيل شديدة بمنعه من السفر من دون تبرير. ويقول نبيل (50 عاماً)، وهو موظف حكومي في السلطة الفلسطينية، إنّ آماله تحطّمت بفعل القيود الشديدة التي تفرضها سلطات الاحتلال على حركة الفلسطينيين في غزة، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين.
وبكثير من الحسرة والمرارة، يشير نبيل إلى أن آلاف المسيحيين في أنحاء العالم تمكنوا من الاحتفال بأعياد الميلاد في مهد المسيح، والاستمتاع بطقوسها الجميلة، «بينما الفلسطيني المسيحي في غزة ليس بإمكانه الانتقال كيلومترات قليلة بسبب الحصار والإجراءات الإسرائيلية».
ومن بين نحو ألفَي مسيحي يقطنون غزة، لا تسمح سلطات الدولة العبرية، منذ أربعة أعوام، سوى لمئتي شخص أو ثلاثمئة بأقصى حد بالانتقال إلى بيت لحم ليلة الميلاد. ويشرح نبيل الوضع بالقول «نتقدم بطلب للسلطات الإسرائيلية قبل الاحتفالات بثلاثة أسابيع، وننتظر الرد حتى قُبيل الاحتفالات بيوم أو يومين، وهو ما يمثّل ضغطاً نفسياً لا يُطاق». وتمنع السلطات من هم فوق سن الـ 16 عاماً ودون الـ 35 من الحصول على تصريح للسفر، الأمر الذي يدفع البعض، ممّن بإمكانهم السفر وتنطبق عليهم الشروط المجحفة للاحتلال، إلى الامتناع عن السفر بسبب عدم تمكنهم من اصطحاب بقية أفراد العائلة.
وتؤكد مصادر كنسية في غزة أنّ معظم الطلبات التي قدمها إلى سلطات الاحتلال مواطنون مسيحيون في غزة تحت سن 35 عاماً، بما فيها طلبات لنساء وأطفال، رُفضت من دون إبداء الأسباب، نافية بذلك ما أوردته وسائل إعلام عبرية بأنه سيُسمح لكل مسيحيي غزة بالمشاركة في احتفالات أعياد الميلاد في بيت لحم.
الحسرة في قلب نبيل وغيره من المسيحيين كانت مضاعفة، بسبب الأوضاع الصعبة في قطاعهم، ولعدم تمكّنهم كذلك من إقامة احتفالات تعوّضهم حرمان الوصول إلى مهد المسيح.
وعادةً ما تقتصر احتفالات الأقلية المسيحية في غزة على الطقوس الدينية والزيارات العائلية، مع تشتت معظم العائلات بين قطاع غزة وخارجه، إضافةً إلى عدم تمكّن الكثيرين من السفر إلى بيت لحم. ولم يخفِ نبيل تكدُّر بهجة الاحتفالات المسيحية والإسلامية على حد سواء، تأثراً بسلبيات الحصار والانقسام الداخلي، وما أفرزاه من تداعيات غير محمودة على النسيج المجتمعي الغزاوي، لافتاً إلى ما أصاب المناسبات المتعددة من تراجع في حضورها وجمالياتها في القطاع المحاصَر.
ويقول في هذا السياق، إنه «منذ أربع سنوات، (أي منذ السيطرة العسكرية لحركة حماس على غزة)، لم تزهُ شجرة عيد الميلاد بالإضاءة المعهودة في ميدان الجندي المجهول وسط غزة، كما لم تعد الشوارع الرئيسة في المدينة تتزيّن بالأضواء مع اقتراب أعياد الميلاد».
وذكّر بأنّ مسيحيّي غزّة لا تعيقهم الأعباء المادية بقدر عدم توافر البيئة المناسبة للشعور ببهجة الاحتفالات، علماً أنّ معظم المسيحيين في غزة يعملون في إدارة مؤسسات مجتمعية، وموظفين، وكثير منهم يعملون في التجارة، وخصوصاً تجارة الذهب، كما أنهم يديرون حضانات أطفال ومدارس تُعدّ الأفضل من حيث مستوى التعليم.
ويلفت إلى أن الاحتفالات في غزة، منذ 2007، تقتصر على الحد الأدنى من الطقوس المقصورة على الكنيسة والمنازل، «لكن بهجة الاحتفالات في الضفة تختلف، حيث أجواء الحرية تطغى على كل الجوانب». ويستدل على ذلك بأنّ اقتناء النبيذ الذي يعد من أهم مظاهر الاحتفال بأعياد الميلاد، «محظور في غزة، ويمنع استجلابه حتى في الاحتفالات الدينية، رغم احترام القانون الفلسطيني لحريات أصبحت تنتهك دونما اعتبار للاختلافات الدينية».
بدوره، رأى مدير العلاقات العامة في مجلس وكلاء الكنيسة الأرثوذكسية العربية في غزة، كامل عيّاد، أنّ شعائر العيد في القطاع اقتصرت على الصلوات في الكنيسة وزيارة الأهل فقط، وذكّر بأنّ مسيحيي غزة «يحبّون قضاء أيام أعياد الميلاد في مدينة المسيح»، مشدّداً على أنّ الأقلية المسيحية في غزة «لا تشعر بأجواء العيد كما يشعر المسلمون بمناسباتهم الدينية».


العراق: كردستان أكثر أمناً

منذ ما قبل الاعتداء الكبير الذي استهدف مسيحيي العراق في كاتدرائية سيدة النجاة البغدادية، في 31 تشرين الأول الماضي، وجد هؤلاء في إقليم كردستان ملجأً أكثر أمناً لهم، وخصوصاً في ظل التهديدات المستمرّة للأصوليين، وتسلُّم أحزاب دينية شيعية متشددة زمام الحكم في العراق المحتل. وتُرجمَت دعوات رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني ورئيس الجمهورية جلال الطالباني للمسيحيين بالتوجه إلى إقليمهما، آذاناً صاغية، إذ باتت بلدة عينكاوة الكردية تحتضن وحدها نحو 140 عائلة مسيحية، بينما كشفت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الأسبوع الماضي، أن نحو ألف أسرة مسيحية نزحت إلى إقليم كردستان في الفترة الأخيرة.
وتغصّ كنيسة مار يوسف الواقعة في عينكاوة، هذه الأيام، بالمؤمنين الفارين من بغداد وكركوك والموصل، رغم أنهم يؤكدون نيتهم العودة قريباً إلى ديارهم. وقالت زينا غانم «نرجع إلى الموصل معززين ومكرمين كما كنا في السابق، لمَ لا؟ نرجع ونعود مرتاحين». وقال أبو دريد، الذي فر من بغداد الى ناحية عينكاوة حيث كنيسة مار يوسف، «نحن كعراقيين أساسيّون في العراق من قبل عشرات وآلاف السنين في هذا البلد. لا أعرف لماذا يهجّروننا. أنا رب عائلة ولدي ستة أولاد كلهم تركوا مدارسهم، والحكومة لا تساندنا ولا أحد يساندنا». أما بالنسبة إلى المسيحيّين الذين لم يهجروا مدنهم بعد، لا إلى الخارج ولا إلى كردستان، فقد انقسموا إلى جزءين: قسم منهم فضّل مواصلة حداده على الضحايا الـ 52 لمجزرة سيدة النجاة، عبر إلغاء احتفالات عيد الميلاد، وجزء آخر قرر تحدّي «الأعداء» وإقامة قداس كبير في الكاتدرائية المستهدفة، فيما كان نحو 150، معظمهم عراقيّون، يصلّون في الكنيسة الكلدانية بباريس على نية الناجين من المجزرة، الذين نُقلوا إلى فرنسا للعلاج.
(رويترز، أ ف ب)