بمشاركة ما يزيد على 60 مفكراً وباحثاً وأكاديمياً عربياً، انطلقت في الدوحة أمس أعمال الندوة الفكرية «إيران والعرب: مراجعة في التاريخ والسياسة» التي نظمها المركز العربي للأبحاث
ودراسة السياسات الذي يديره المفكر العربي عزمي بشارة.
وتناقش الندوة على مدار يومين محاور أساسية في علاقة العرب بإيران. أولها تشخيص واقع العلاقات بين الطرفين في العصر الحديث، فيما يتناول المحور الثاني تحليل التباينات.
ويخصص المحور الثالث لبحث مستقبل العلاقة في ظل التغييرات الإقليمية والدولية المتسارعة وبروز لاعبين إقليميين مثل تركيا، ودوليين مثل الصين والهند.
وتطرح هذه الورشة الفكرية تساؤلين: هل تُعَدّ إيران تحدياً أم تهديداً للعرب؟ وهل من الممكن التوصل إلى موقف عربي من إيران يشمل تعريفاً بالمصالح العربية في الحد الأدنى، رغم التباين في المواقف العربية؟
وفي الكلمة الافتتاحية، أكد بشارة ضرورة الوصول إلى خطاب عربي مشترك يحدد المصالح العربية قبل الحوار مع إيران، والحديث معها بشأن المصالح والجوار، لافتاً إلى وجود خطابات عربية مختلفة بشأن النظر إلى إيران ودورها.
وشدّد المفكر العربي على أن الحوار يجب أن ينطلق على أساس الحد الأدنى المشترك، متسائلاً: هل يمكّنُ الحد الأدنى العربَ من الاختلاف والاتفاق مع إيران، ويمكّنهم من التعاون معها من دون تضييع المحاذير والخطوط الحمراء التي تسمى «قضايا الأمن القومي العربي»؟ وهل تمثّل إيران بهذا المعنى خصماً للعرب أم تحدياً قد يدفعهم إلى إعادة النظر بقضايا السيادة وعلاقتها بالتنمية، وقضايا التبعية للغرب، وقد يلقى الضوء مجدداً على أهمية مشروع الدولة؟
وتعرض بشارة لما بعد العدوان الأميركي على العراق الذي افتتح غزوُهُ القرنَ الواحد والعشرين، حيث تداعى حاجز قوي أمام تمدّد النفوذ الإيراني في المنطقة وبدأ التمدّد في العراق ذاته ولم يكن للدول العربية القريبة، فضلاً عن تلك البعيدة، أي خطة مشتركة أو منفردة للعمل في العراق والتأثير في مستقبله.
وقال بشارة إن موقف بعض الدول العربية كان مؤيّداً للحرب، متظاهراً بعكس ذلك، أو ملتزماً الصمت، وبعضها الآخر عارض الحرب، لكن لم يدعم المقاومة، باستثناء التسهيلات لعبور المقاتلين التي قدّمتها سوريا. وقد قدمتها وهي تعي أنها ستكون المستهدفة التالية لو نجح الاحتلال. بدورها إيران عارضت الحرب نظرياً، لكنها أعدّت العدة للاستفادة منها عملياً منذ ما قبل الحرب.
من جهته، ناقش الكاتب فهمي هويدي، في جلسة أولى تركزت على بحث «التاريخ والدين في العلاقة بين إيران والعرب»، العلاقات العربية الإيرانية من محاور عدة، أبرزها التاريخ والمذهب وثورة الإمام الخميني، لافتاً إلى أن الورقة المذهبية تُستغَلّ ضدّ استراتيجيات الأمة الإسلامية ومصالحها. وأشار إلى أن العلاقات بين الطرفين مرت بمراحل عدة هي: مرحلة ما بعد فتح بلاد فارس ودخول أهلها الإسلام ومرحلة تحول إيران إلى المذهب الشيعي في العصر الصفوي ومرحلة النفوذ الغربي على إيران وتحولها إلى ساحة للصراع الدولي ثم قاعدة للنفوذ الأميركي ومن ثم اشتباكها مع المد القومي الذي قادته مصر في الفترة الناصرية، ثم مرحلة تبادل الأدوار التي في ظلها هيمن النفوذ الغربي على العالم العربي فيما استقلت إيران بعد الثورة الإسلامية.
وفي ما يخص العلاقات العربية ـــــ الإيرانية، شدّد هويدي على ضرورة الانطلاق من رؤية استراتيجية واضحة تتحرى مصالح الأمة العليا ولا تحدد الأهداف لهذه الرؤية فحسب، بل ترتب أولويات تلك الأهداف. ورأى أن منطقة الشرق الأوسط لها ثلاثة أعمدة أساسية تمثل مصر وإيران وتركيا، وأن الوفاق بين هذه الدول يفتح الباب واسعاً للنهوض بالمنطقة بأسرها. وأكد أهمية أن تتعامل الأنظمة العربية مع الشيعة الذين يعيشون تحت مظلتها باعتبارهم مواطنين لهم جميع حقوق المواطنة في أقطارهم.
وقدم الباحث وجيه كوثراني ورقة درست علاقة الطرفين من منظور الذاكرة والتاريخ. وقال إنه ينبغي في هذا السياق التفريق بين الذاكرة الجمعية وعلم التأريخ.
وعرض للعلاقة بين الطرفين بناءً على خمسة محاور: معركة القادسية، والشعوبية، والتسنّن، والتشيع، ثم ولاية الفقيه. ونفى صحة ما يتكرر في الذاكرة العربية أو الذاكرة الإيرانية من أن التشيع المبكر في إيران كان يتماهى مع موقف قومي فارسي أو أن أصل التشيع فارسي، قائلاً إنها صور تحملها روايات خيالية أسطورية.
الباحث محجوب الزويري أكد أن العلاقة بين العرب وإيران قديمة وتعود إلى عصور ما قبل الإسلام، لكنها أخذت مناحي مختلفة بعد دخول الإسلام إلى بلاد فارس حيث أنهى الدين الجديد سيطرة الإمبراطورية الزرادشتية.
وركزت ورقته على الدور الذي أدته الجغرافيا في العلاقة بين العرب وإيران، مستشهداً بالجدارية الموجودة في مدينة شيراز الإيرانية، التي تظهر عرباً على جمالهم يقدمون هدايا إلى الإمبراطور الأخميني، في إشارة إلى نفوذ إيران في بلاد العرب، في العراق وفي شبه الجزيرة.
من جهته، تحدث الباحث طلال عتريسي عن علاقة إيران بدول المشرق العربي ودول الخليج على وجه الخصوص. وقال إن العلاقة بين إيران ولبنان لم تستقر على وتيرة واحدة، والسمة الأبرز أنها بدأت بعد انتصار الثورة، مشيراً إلى أن الحدثين اللذين غيرا في طبيعة العلاقة هما الحرب العراقية ـــــ الإيرانية والاجتياح الإسرائيلي للبنان الذي قلب المعادلة الداخلية اللبنانية رأساً على عقب، إذ خرجت منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان واحتل الإسرائيليون العاصمة بيروت، فأفتى الإمام الخميني بإطلاق المقاومة، ولم تعد العلاقات الإيرانية ـــــ اللبنانية إلى الاستقرار إلا بعد عودة التفاهم السوري ـــــ اللبناني.
(الأخبار)